يستضيف "قصر الفنون" بالأوبرا حاليا معرضا جديدا للفنون المعاصرة تحت عنوان "ليه لأ"، شارك فيه نحو 44 فنانا وفنانة من أجيال مختلفة، قدم كل منهم تجربته في مجال "التجهيز في الفراغ". تم تنظيم المعرض بشكل جيد ولافت للنظر، حيث حصل كل فنان علي مساحة خاصة لعرض أعماله بما يناسبها من تجهيز، فبدا كل منهم وكأنه يقيم معرضا خاصا له، يضم عمله في قاعة منفردة جهزت من أجله. امتلأت الساحة الأمامية من القصر بأشخاص الفنان الشاب هاني راشد، الذين شكلوا مشاهد من الحياة اليومية في الشارع المصري بحركاتهم وتعبيراتهم المألوفة، وقد نفذها بالحجم الطبيعي للإنسان حتي يشعر المتلقي بالانتماء لهؤلاء البشر، في حين عرض الفنان أحمد عسقلاني عملا يحتوي علي مجسمين لشخصين بحجم ضخم وضعهما أمام القصر مباشرة، وكأنهما يقطعان علينا الطريق بالرغم من أنهما صنعا من مادة هشة، تحمل وجوهها شعوراً بالضيق والخوف. حينما ندخل قاعات قصر الفنون نجد عمل الفنان عبد الوهاب عبد المحسن يعرض بناء من "رغيف العيش"، ليظهر التباين بين ما يعانيه الناس البسطاء في الحصول علي لقمة العيش، وما يفعله بهم سماسرة القطارات ومستثمروهم ببناء صروح معمارية من قوت الشعب، كما يعرض الفنان ستة أعمال جرافيكية "طباعة بارزة" من مسطح الخشب. استقل الفنان الكبير رمزي مصطفي بعمله في قاعة خاصة علي يمين القصر، عرض فيها عملا مركبا "مفاهيميا"، بدا وكأنه لوحة كبيرة ذات مستويات مختلفة تسمح للمتلقي بالدخول فيها والتعرف علي عناصرها، ليبدي رأيه الإدراكي للعمل، الذي حمل في مجمله لمحات من الفن الشعبي والفن المباشر السهل الممتنع، دعوة إلي الخير والحرص والخوف والحذر من عاقبة الحركة قبل الفهم والإدراك. رسم الفنان أيمن السمري علي حوائط الجهة اليسري من القصر رسما معماريا تخطيطيا "مسقط أفقي" لعدد من الأماكن بمصر، منها مسجد السلطان حسن بما يتميز به من ضبط المعمار الاستثنائي وقوة تأثيره علي مفهوم العمارة الإسلامية فيما بعد، وتأثير المفهوم الديني علي المجتمع، وكذلك فعل في مخطط السد العالي، كوبري 6 أكتوبر، البورصة المصرية، المدرسة، نهر النيل، المتحف، المنزل والمستشفي، كرمز لما يؤثر مباشرا في المجتمع، كما عرض في شاشات صغيرة تلك المفاهيم في صور ثابتة ومتحركة. الفنان محمد عبلة عرض محتويات أحد الأركان من مرسمه، كما رسمها منذ سنوات، بعضها من أيام دراسته ولم يعرضها من قبل، وضعت الأعمال متجاورة بغزارة شديدة تملأ جدران القاعة، تصور كعادته مشاهد من الحياة اليومية التي تحتفي بالأشخاص، بعضها يحمل صورا لعائلات مكتملة تشمل الأم والأب والأبناء في أماكن مختلفة أو مستعدين في وضع التقاط صورة، والبعض الآخر ما بين أشخاص عادية نراهم يوميا كعسكري المرور وغيره، بالإضافة لوجود لوحات بورتريه. قدم الفنان أيمن لطفي فوتوغرافيا تشكيلية بالإضافة إلي عمل مجهز في الفراغ وعمل فيديو آرت في غرفة سوداء، عبر خلالها عن الحروب التي تتم بواسطة الاتفاق مع محترفي الحرب، حيث صور في الفيديو شخصين يرتديين أقنعة جمجمية يتآمرا في سرية، ثم تنتقل المشاهد للقذائف التي تفتك بالبشر الأبرياء في بلدانهم المغتصبة، ويواجه الفيديو عملا آخر يصور جمجمة استبدل فمها بمفرمة تعتصر الأبرياء، وعلي الجانبين لوحتان فوتوغرافيتان تشكلان مشاهد اللعبة. كما قدمت الفنانة ريهام السعدني عملا يضم عدة وسائط لتنقل رسالة الحالة المربكة من "التيه"، التي تجمع بين ذكريات الماضي وتنبؤات ورؤي المستقبل وما به من مجهول، فتعكس مشاهد غير منطقية أشبه بالأحلام، كجسدين ملتصقين يبدوان كجسد واحد مقيد علي سرير، وبعض الأيادي تخرج من باطن السرير وكأنها كائن منفصل يعمل بمفرده، ولا تنسي الفنانة أن تضفي علي عملها روح الأيقونة الذي تتناوله في الكثير من أعمالها، فعرضت بجانب السرير شجرة تحمل فروعها أطفال الأيقونة المجنحين يجلسون علي الأغصان وهم يبكون، كما عرضت أيضا بعض اللوحات التي اهتمت فيها برسم المرأة، التي تتخذ أيضا ملمحًا أيقونيا، في برواز ذات تصميم زخرفي. أما "ليس للبيع" فهو عنوان عمل الفنانة إيناس الصديق، الذي تعبر من خلاله عن المرأة الشرقية التي تصفها بالمخلوق العاجز الذي لا يسمح له بإرادة، بل عليه أن ينتظر إرادة الرجل، ولا يؤذن لها في إبداء أي حركة؛ حيث تعد في أسواق الزواج سلعة، تارة سلعة رائجة تجد من يتهافتون عليها، وتارة أخري سلعة راكدة تبذل قصاري جهدها حتي تجد من يقوم بشرائها، فهذا العمل يعد بمثابة صرخة تحس المرأة التي فقدت ذاتها وتقرير مصريها علي أن تكون لها إرادة.