هناك مقولة أرددها دائما وهي أن الإنترنت بقدر ما زاد تواصلنا الاجتماعي مع عدد هائل من الناس من خلال المسنجر أو الفيس بوك أو غيره من تقنيات التواصل، وبقدر ما جعلنا علي اتصال مع أشخاص متوافقين في أهوائهم واهتماماتهم معنا (من خلال الجروبات والمنتديات المتخصصة وغيره) إلا أنه في نفس الوقت زاد من عزلة الناس عموما حيث استغني الناس بالتواصل الإلكتروني عن التواصل مع الجيران والأقارب وزملاء العمل والأصدقاء عموما. هذه المقولة هي نتاج لعدد ضخم من الدراسات التي تمت خلال السنوات الماضية، إلا أن دراسة حديثة تم الإعلان عنها في أمريكا هذا الأسبوع من خلال مشروع شهير للبحث العلمي حول الإنترنت وحياة الأمريكيين اسمه "Pew Internet and American Life Project"، والدراسة التي شارك فيها أكثر من 2500 شخص تؤكد أن عدد الناس الذين "يثق" بهم الشخص الأمريكي قد قل كثيرا مقارنة بالعدد المعلن قبل 20 عاما، والدراسة تحتوي علي عدد من النتائج المهمة التي تعتبر تطويرا للنتائج السابقة (ولعل هذا ما هو رائع في الدراسات طويلة المدي لأن الظواهر الاجتماعية تتغير مع الزمن ورصدها بهذا الشكل يشرح لنا هذا التغيير بدقة). الأبحاث أكدت أن الأشخاص الذين يشاركون بفعالية في مواقع التشبيك الاجتماعي (فيس بوك مثلا) أقل بحوالي 30٪ من غيرهم في معرفة الجيران أو الاقتراب منهم كأصدقاء. ولكن الدراسة والتي تقول بأن معدل عدد الأشخاص الذين يثق فيهم الإنسان قد انخفض خلال 20 عاما لدي الأمريكيين من ثلاثة أشخاص إلي شخصين (بينما 6٪ من الناس ليس لديهم أحد يثقون به)، تقول أيضا إن هؤلاء الذين يشاركون بفعالية علي الإنترنت لديهم الاستعداد النفسي الأكبر من أقرانهم للعلاقات الاجتماعية عموما وللأعمال التطوعية وغيرها. بالمقابل فإن مستخدمي الموبايل لديهم علاقات اجتماعية أفضل من الذين لا يستخدمون الموبايل بنسبة 12٪، كما أن مستخدمي الإنترنت والموبايل عموما لديهم علاقات "أكثر تنوعا" من الذين لا يستخدمون التكنولوجيا. مجتمعنا العربي بلا شك مختلف عن المجتمع الغربي، ولكن هذه الدراسات لها حاجة ماسة لدينا لأن استخدامنا للتكنولوجيا يزداد بسرعة، وإذا كانت التكنولوجيا تؤثر سلبيا علي حياتنا الاجتماعية فعلينا أن نعرف ذلك بدقة ونسعي لحلول لمعالجة المشكلة، لأن حياتنا الاجتماعية هي أهم ما نملك حقيقة، وخاصة مع ضعف الحياة الثقافية والأدبية والفنية والسياسية في العالم العربي عموما، ومع كثرة المشكلات الاجتماعية التي لولا الأصدقاء والأهل لمثلت مشكلات أكبر بكثير مما هي عليه الآن. نحتاج للبحث العلمي ليخبرنا الحقيقة ويعلمنا كيف نخرج من المآزق!