من قلب غابات الأمازون، وفى مدينة بليم البرازيلية، تنعقد أعمال المؤتمر الثلاثين للأطراف (COP30) خلال الفترة من 6 إلى 21 نوفمبر 2025، ليجتمع قادة العالم والعلماء وممثلو الحكومات والمجتمع المدنى لمواجهة أخطر أزمة تهدد البشرية: تغير المناخ. يأتى هذا المؤتمر فى مرحلة مفصلية تشهد تسارعًا غير مسبوق فى الظواهر المناخية المتطرفة، من الجفاف والفيضانات وحرائق الغابات إلى ارتفاع مستوى سطح البحر الذى يهدد السواحل والمجتمعات الساحلية فى دول عديدة بينها مصر. وتبرز أهمية المؤتمر هذا العام فى تقييم ما تحقق من أهداف اتفاق باريس للمناخ، ومراجعة المساهمات المحددة وطنياً (NDCs)، إلى جانب بحث سبل تسريع الانتقال العادل للطاقة وتمويل التكيف فى الدول النامية، تحقيقًا لهدف إبقاء الاحترار العالمى دون 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية. المناخ العالمى بين الواقع والمأمول تُظهر تقارير الأممالمتحدة لعام 2025 أن العالم ما زال بعيدًا عن المسار المطلوب لتحقيق هدف 1.5°م، إذ تشير التقديرات إلى أن درجة الحرارة العالمية سترتفع بمعدل 2.3°م بحلول نهاية القرن إذا استمر الوضع الحالى. كما كشف تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) أن انبعاثات ثانى أكسيد الكربون العالمية بلغت حوالى 37.4 مليار طن فى 2024، بزيادة طفيفة عن العام السابق، رغم التعهدات المتكررة بخفضها. أما على صعيد التمويل، فبينما تعهدت الدول المتقدمة فى مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين (COP29) برفع الدعم السنوى للدول النامية إلى 125 مليار دولار سنويًا بحلول 2030، لم يتحقق سوى نحو 78 مليار دولار حتى منتصف 2025، أى بنسبة 62% فقط من الالتزامات. ويأتى مؤتمر بليم ليؤكد أن الوقت لم يعد فى صالح العالم، وأن الانتقال من التعهدات إلى الأفعال بات أولوية قصوى، خصوصًا فى مجال الطاقة المتجددة التى تمثل الركيزة الأساسية لتحقيق "صافى انبعاثات صفرى". الجهود المصرية قبل مؤتمر COP30 منذ استضافتها مؤتمر COP27 بشرم الشيخ عام 2022، برزت مصر كصوت قوى فى الدفاع عن العدالة المناخية وحقوق الدول النامية فى التمويل والتكنولوجيا. وفى يونيو 2023، قدمت مصر التحديث الثانى لمساهماتها المحددة وطنياً (NDCs) متضمنة أهدافًا طموحة أبرزها: 1-خفض انبعاثات قطاع الكهرباء بنسبة 37% بحلول 2030 مقارنة بسيناريو الأعمال المعتادة. 2-رفع حصة الطاقة المتجددة إلى 42% من مزيج الكهرباء بحلول عام 2030. 3-خفض انبعاثات قطاع النقل بنسبة 7%، والصناعة بنسبة 15% بحلول 2030. مشروعات وطنية خضراء -1 مجمع بنبان للطاقة الشمسية بأسوان: أكبر مشروع من نوعه فى إفريقيا بقدرة 1.65 غيغاوات، يسهم فى خفض أكثر من 2 مليون طن من ثانى أكسيد الكربون سنويًا. -2 محطة رياح خليج السويس (500 ميغاوات) بالشراكة مع القطاع الخاص. -3 مشروع إنتاج الهيدروجين الأخضر فى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، بقدرة أولية 100 ميغاوات قابلة للتوسع إلى 1 غيغاوات. -4 مبادرة إحلال المركبات الكهربائية والغازية، والتى وفّرت حتى منتصف 2025 أكثر من 40 ألف سيارة نظيفة فى شوارع مصر. 5- التوسع فى مشروعات الزراعة الذكية وتحلية المياه والطاقة الشمسية فى الريف ضمن مبادرة "حياة كريمة" و"مصر الخضراء". إحصاءات داعمة -1 بلغت الاستثمارات الخضراء فى مصر أكثر من 11.5 مليار دولار فى 2024، أى نحو 35% من إجمالى الاستثمارات العامة. -2 ساهمت مشروعات الطاقة المتجددة فى خفض استهلاك الوقود الأحفورى بنسبة 11% بين 2020 و2025. -3 مصر تحتل المرتبة الرابعة إفريقيًا فى القدرة المركبة للطاقة المتجددة بقدرة إجمالية تجاوزت 7.2 غيغاوات فى منتصف 2025. صوت العدالة المناخية فى الجلسة الافتتاحية لمؤتمر COP30، أكدت مصر – ممثلة بوزيرة البيئة – أن تحقيق العدالة المناخية يتطلب «تحويل التعهدات إلى تمويل حقيقى»، مشيرة إلى أن القارة الإفريقية لا تسهم إلا بنسبة 3% من الانبعاثات العالمية، لكنها تتحمل أكثر من 20% من الخسائر المناخية سنوياً.كما أعادت مصر طرح مبادرتها الرائدة "الانتقال العادل للطاقة فى إفريقيا" التى أطلقتها فى COP27، ودعت إلى ربطها بخطط تمويل طويلة الأجل وشراكات تقنية تضمن استدامة الطاقة النظيفة دون الإضرار بالتنمية.فى الوقت نفسه، أعلنت القاهرة عن إنشاء مركز إقليمى للابتكار المناخى بالتعاون مع البنك الإفريقى للتنمية وبرنامج الأممالمتحدة الإنمائى، ليكون منصة لتبادل التكنولوجيا وتدريب الكوادر الشابة فى مجالات الطاقة والزراعة والمياه. التحديات التى تواجه مصر رغم التقدم الملحوظ، ما زالت هناك تحديات هيكلية تحول دون تسريع التحول الأخضر: -1 فجوة التمويل المناخى: تحتاج مصر إلى نحو 246 مليار دولار حتى 2030 لتحقيق أهدافها، بينما لا يتجاوز التمويل المتاح حتى الآن 60 مليار دولار. -2البنية التحتية الكهربائية: ما زالت تعتمد بنسبة 57% على الغاز الطبيعى. -3التغيرات المناخية فى دلتا النيل: ارتفاع مستوى سطح البحر بمعدل 3.2 مم سنويًا يهدد بفقدان أكثر من 12% من الأراضى الزراعية الخصبة بحلول 2050. -4ضعف مشاركة القطاع الخاص والمجتمع المدنى فى مشروعات الكربون والتكيّف. الرؤية المستقبلية لما بعد COP30 يتوقع أن تسهم مصر، بعد مؤتمر بليم، فى تعزيز العمل الإقليمى عبر: -1 تحالفات مناخية إفريقية–عربية تدعم تبادل الخبرات والتمويل. -2 توسيع الاستثمار فى الهيدروجين الأخضر لتصبح مركزًا إقليميًا للطاقة النظيفة. -3 دمج الزراعة الذكية والمستدامة فى خطط الأمن الغذائى الوطنى. -4 تشجيع القطاع الخاص على إصدار السندات الخضراء ودخول سوق الكربون الإفريقية. -5 تعزيز البحث العلمى والتقنيات المحلية فى الطاقة والمياه وإدارة النفايات. توصيات لصُنّاع القرار -1 تعزيز التمويل المحلى للمشروعات الخضراء عبر حوافز ضريبية وتشريعية للقطاع الخاص. -2 توسيع نطاق القياس والإفصاح الكربونى (MRV) لضمان الشفافية والمساءلة. -3 إدماج المناهج المناخية فى التعليم الجامعى والمهنى لتأهيل جيل من الخبراء الشباب. -4 تطوير شراكات دولية للابتكار المناخى مع أمريكا اللاتينية وأوروبا وآسيا. -5 تسريع مشروع التحول الزراعى والمائى المستدام عبر استخدام الطاقة الشمسية فى الرى والتحلية. ختاما لقد وضعت مصر بصمتها الواضحة فى مسار العمل المناخى العالمى منذ مؤتمر شرم الشيخ، وها هى اليوم تدخل مؤتمر بليم بموقع أكثر تأثيرًا وخبرة. لكن التحدى الحقيقى يكمن فى تحويل الالتزامات إلى إنجازات قابلة للقياس على أرض الواقع.فمستقبل المناخ لا يُكتب فى قاعات المؤتمرات وحدها، بل يُبنى بالعمل الميدانى والتكامل بين الدولة والمجتمع والقطاع الخاص والعلماء. وإذا استطاعت مصر أن تُحوّل رؤيتها المناخية إلى واقع تنموى مستدام، فستكون نموذجًا يُحتذى به فى المنطقة والعالم.