خلود عدنان بطموحات عالمية، واستثمارات عربية، حقق «ممالك النار» جدلاً واسعاً فى الوطن العربى إذ يناقش المسلسل حقيقة الصراع العثمانى المملوكي، واحتلال مصر والشام على يد السلطان العثمانى سليم الأول، وشنق «طومان باى» آخر سلاطين المماليك على باب زويلة. «ممالك النار» استطاع أن يهزم البرجماتية التركية، ويواجه قوة أردوغان الناعمة، ويحصن العقل العربى من الغزو التركي، وينزع البذور الفاسدة التى حاولت الدراما التركية بثها فى «قيامة أرطغرل»، ذلك من خلال تجسيد الصورة الحقيقية لسلاطين آل عثمان، ووحشية السلطان محمد الفاتح والجرائم التى ارتكبها السلطان سليم الأول بحق أهالى مصر وبحق إخوته الذين قتلهم لينفرد بالحكم والسلطة، وتقديم نماذج للكفاح والمقاومة التى تمثلت فى السلطان الأشرف طومان باى. مشروع إحياء الخلافة الذى تبناه رجب أردوغان، ارتكز على الفن والدراما فى إقناع المتعاطفين بالمخططات الاستعمارية، وإعادة هيكلة تاريخ الإمبراطورية العثمانية وغزواتها الوحشية، فأظهر سلاطينها فى المسلسلات التاريخية التركية فى صورة أنبياء ودعاة السلام والإصلاح. نجاح «ممالك النار» فاق «قيامة أرطغرل» بمراحل، بسبب اعتماده على وقائع تاريخية وكتب لمؤرخين عالميين، بعكس المسلسل التركى الذى استند إلى روايات تركية فقط، بجانب تزييفه للعديد من الحقائق حسب أهواء المؤلف، ورغم ذلك فشل المسلسل الذى يروى قصة أرطغرل بن سليمان الشاه فى القرن ال 13 فى أن يمحو جرائم التاريخ العثمانى الدموية، الأمر الذى دفع تركيا لتقديم مسلسل آخر يستكمل ما بدأه «أرطغرل» وهو «عثمان الغازي» مؤسس الدولة العثمانية. القانون الذى أصدره عثمان الأول حقيقة أخرى تجاهلها مسلسل «عثمان الغازي» فبعد أن دخل عثمان الغازى الإسلام من أجل الزواج من ابنة شيخا مسلما «اده بالي»، واستحوذ على الحكم بعد وفاة أبيه، ثارت ضده عشيرته مطالبين بأحقية عمه دوندار بك بالحكم، إلا أنه رفض وأعلن الحرب على عمه وأفراد العشيرة، وكعادة أبيه اشترى ولاء ميليشيات مرتزقة وطلب مساعدة الأمراء البيزنطيين ونفذ انقلابا دمويا ضد دوندار وجنود والده، ثم تمكن من عمه فقتله بنفسه برميه بسهم وأمر جنده بإعدام زوجته وأولاده، ومن ثم إبادة سكان الأناضول لثورتهم ضده. ومنذ تلك الواقعة أصبح قتل الإخوة والأبناء وأفراد الأسرة قانونا أساسيا بالدولة تحت اسم «القتل سياسة» أو ما عرف ب»قانون البغي» الذى أصدره محمد الفاتح بعد ذلك بنحو قرنين من الزمان، فسمح لجنود الإنكشارية بذبح وهتك أعراض المسيحيين ثلاثة أيام، ومن بعده مراد حفيد عثمان الذى قتل إخوته وفق ذلك القانون. وبالرغم من هجوم إعلام أردوغان على المسلسل من قبل عرضه، وحظر عرضه على القنوات والمواقع التركية، إلا أن المسلسل تمت دبلجته باللغة التركية وعرض على عدة مواقع تركية، وحققت إحدى المشاهد المعروضة على موقع «ينى تشاغ» التركى مشاهدات عالية فى أقل من ساعتين. «TRT» القناة الرسمية للتليفزيون التركى لم تتوان فى شن هجوم حاد على المسلسل العربي، ومن أجل اتهامات ملفقة لمنتجى المسلسل وممثليه، استضافت فى أكثر من برنامج نقادًا فنيين للدفاع عن التاريخ التركى وإنكار الجرائم الوحشية التى ارتكبها العثمانيون بحق الإنسانية. وقالت القناة إن «ممالك النار» يزيف التاريخ لتشويه صورة تركيا والدولة العثمانية فى أذهان العرب، وانضمام الإمارات للسعودية فى مصر فى هذا العمل يعنى تحولًا كبيرًا فى التوجه الإماراتى للهجوم على تركيا وتشويه صورتها، مطالبة بوقف عرض المسلسل. كان هذا عنوان صحيفة «ستار» التركية، التى قالت إن تركيا أصبحت مكروهة فى الوطن العربى والعداء انتقل إلى الشاشة من خلال مسلسل «ممالك النار» المثير للجدل، الذى يصور غزو الإمبراطورية العثمانية لمصر من خلال مضاعفة الحقائق التاريخية. كما سارت صحيفة «تقويم» التركية على نهج الإعلام الموالى لأردوغان، وهاجمت المسلسل، قائلة إنها خطوة فاضحة من السعودية والإمارات ومصر الذين تحالفوا لتقديم عمل درامى لتشويه تاريخ الإمبراطورية العثمانية. وذكرت الصحيفة أن MBC تبث مسلسل يهاجم الإمبراطورية العثمانية بإنتاج ضخم وشعبية واسعة، بعد أن أوقفت فى مارس 2018 بث المسلسلات التركية لتتسبب فى فقدان الدراما التركية لمشاهديها العرب وما تبع ذلك من انخفاض شعبية الدراما التركية فى الوطن العربى وضعف إيرادات إعلاناتها التى كانت تدر على الاقتصاد التركى أكثر من نصف مليار دولار، فى حين أصبحت اليوم إيرادات الدراما التركية لا تتعدى مليون ليرة تركية، وهو الرقم الذى بلغته إيرادات مسلسل «قيامة أرطغرل»، رغم احتلاله المركز الأول فى المشاهدة، ولكنه يفتقد للمتابعين العرب. وتناولت الصحيفة ما ذكرته الجزيرة القطرية بشأن «ممالك النار»، والتى استضافت كاتب يدعى «محمد الأسد»، قال إن مصر والإمارات والسعودية «يشوهون تاريخ المسلمين»، مختذلا تاريخ الإسلام ورموزه فى التاريخ العثمانى فقط وحكامه الدمويين. وكعادتها «الجزيرة» فى تزييف التاريخ قالت: «هذا المسلسل يعيد إنتاج التاريخ بطريقة خاطئة، فليس هناك مذابح للعثمانيين»، متجاهلة ومتغاضية عن المجازر التى ارتكبها حكام الإمبراطورية العثمانية بمصر واليمن ولبنان وسوريا وتونس وغيرها بحق الأرمن والسريان والتى راح ضحيتها الملايين. أعتبرت صحيفة «ينى تشاغ» التركية، مسلسل «ممالك النار» أضخم عمل درامى فى العالم العربى لعام 2019، ورغم أنه يتكون من 14 حلقة فقط، إلا ان شركة جينوميديا ستوديو الإماراتية خصصت 40 مليون دولار ميزانية للمسلسل، مشيرة إلى أن الممثل المصرى خالد النبوى جسد مكافحة مماليك مصر أمام المحتل العثماني، كما يحتوى المسلسل على مؤثرات بصرية رائعة، ومشاهد معارك متقنة، مقدما قصص متشابكة وشخصيات معقدة.