تحل علينا فى مثل هذه الأيام ذكرى رحيل الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر والذى حفر لنفسه مكانا بارزا لا ينسى فى تاريخ مصر الحديث وهو ما نرصد جانبا منه من خلال كتاب «وثائق ناصر» الذى أصدره جمال خالد عبد الناصر حفيد الرئيس المصرى الراحل بمناسبة الذكرى المئوية لميلاد الزعيم (1918 – 2018) وأصدرته دار «الفالوجة» للنشر. توضح الأوراق المنشورة فى الكتاب حقيقة شخصية عبد الناصر وكيفية اتخاذه لقراراته وبنائه لسياساته، حيث استطاع عبد الناصر ان يضع مصر فى قلب العالم العربى وان يضع العالم العربى فى قلب العالم ، وتمثل تلك الوثائق الفكرية خلاصة التراث السياسى للرئيس عبد الناصر، وهو تراث يستحق اعادة القراءة والمراجعة من جديد لأنه يحمل إجابات عديدة على معضلات الحاضر. يضم الكتاب اليوميات الشخصية لعبد الناصر فى حرب فلسطين بالإضافة الى ثلاثة أقسام كبرى بعنوان «فلسفة الثورة»، «بيان 30 مارس» و»الميثاق الوطنى» وهى أهم وثائق الزعيم الراحل «جمال عبد الناصر» التى دونها على مدار تاريخه، بداية من فترة مشاركته على جبهة القتال فى حرب فلسطين 1948، وتعرضه للحصار مع القوات العربية فى مدينة «الفالوجة» التى تقع بالقرب من «غزة»، مرورًا ب فكره الثورى الذى عرضه الزعيم الراحل فى كتاب يحمل اسم «فلسفة الثورة» وحركته الثورية التى كانت الشرارة الأولى والمحرك الأساسى لكل الثورات التحرريه العربية تجاه المستعمر الأجنبى، كما يعرض الكتاب أيضًا «الميثاق الوطني» الذى يتناول أيدولوجيا الشعب المصري، وفكر عبد الناصر، بعد ثورة يوليو 1952، ويصل الكتاب بالقارئ إلى «بيان 30 مارس» وهو الوثيقة المهمة التى صدرت لعرض مجموعة من الأفكار التنظيمية للبيت المصري، والاتحاد الاشتراكي، فى أعقاب «نكسة 67». يتناول الكتاب ارتباط بناء التجربة المصرية والنموذج الذى تقدمه مصر فى محاربة الاستعمار بقدرة مصر على التنمية الاقتصادية النتاجية المرتكزة على الزراعة والصناعة، ورفض تبعية الاقتصاد المصرى للاحتكارات الرأسمالية العالمية مما سيؤدى لارتهان الارادة المصرية للغرب. فى كتابه «يوميات جمال عبد الناصر الشخصية فى حرب فلسطين 1948» نقرأ كلمات ظابط شاب محاصر فى أتون معركة صعبة يكشف عن خبايا نفسه ومشاعره بمنتهى الصدق والعفوية، ونلمح من بين كلماته جذور الثورة على النظام الملكى الذى قاده ورفاقه الى تلك المحنة، كما يتكشف ارتباط أمن مصر القومى بأمن فلسطين وترسم اليوميات صورة واضحة لشخصية عبد الناصر قبل الثورة وقبل السلطة والزعامة. يشير الكتاب إلى «فلسفة الثورة» والتي تكشف عمق أفكار الظابط الشاب حيث حدد عبد الناصر أهداف الثورة السياسية والاجتماعية وشدد على اقترانهما بالثورة السياسية مؤكدا على استحالة نجاحها بدون ثورة اجتماعية تحقق عدالة التوزيع لكل طبقات المجتمع وتقضى على التفاوت الطبقى حيث يعتبر عبد النصر ان الكتاب هو مجموعة من الخواطر لاستكشفا الظروف المحيطة بمصر فى الماضى والحاضر ةمحاولة لاستكشاف الاهداف والطاقة التى يجب حشدها لتحقيقها من خلال الأحداث فى قصص كفاح الشعوب لتحقيق الأمل الذى طالما راود شعب مصر منذ ان بدأ السعى لأن يكون حكمه بيد أبناءه وفى ان تكون له الكلمة العليا فى تقرير مصيره كما يشير فى كتابه الى حلمه بمصر القوية المتحررة والطريق الى ذلك مع ربطه بالأحداث التاريخية الكبرى التى مرت عللى مصر بعد الحرب العالمية الثانية حيث تحدث عن بداية الثورة فى نفوس الضباط الاحرار كنماذج من شباب مصر وعن الثورة فى تاريخ امتنا ثم انتقل متحدثا عن محاولات على طريق الثورة وكيف حدد لهم تاريخ شعب مصر هذا الطريق سواء فى نظرتهم المليئة بالعبر الى الماضى او فى التطلع المفعم بالأمل فى المستقبل. يلفت الكتاب إلى أنه بعد تشكل معالم سياسة عبد الناصر ونضجه الفكرى بعد ذلك ومع خبرة الحكم وتراكم معارفه الثقافية والسياسية قام بكتابة «الميثاق» فى عام 1962 بعد أن بدأ مرحلة التحول الاشتراكى فى مصر، وقام فيه بتحديد النهج الاقتصادى للدولة كما صاغ رؤيته لنظام الحكم ولتاريخ مصر الحديث، كما وضع فيه تعريفه لكل من الديمقراطية والاشتراكية واستحالة الفصل فيما بينهما لكونهما جناحى الحرية الحقيقية. وقد جاء كتابه «الميثاق» فى عشرة أبواب، تناول فى بابه الأول نظرة عامة لمبادئ الثورة وهو ما أشار اليه الزعيم «إن إخلاص الشعب المصرى لقضية الثورة، ووضوح الرؤية أمامه، واستمراره الدائب فى مصارعة جميع أنواع التحديات، قد مكنه دون أدنى شك من تحقيق نموذج رائع للثورة الوطنية وهى الاستمرار المعاصر لنضال الإنسان الحر عبر التاريخ من أجل حيتاة أفضل طليقة من قيود الاستغلال والتخلف فى جميع صورها المادية والمعنوية». ويشير عبد الناصر فى بابه الثانى بعنوان «ضرورة الثورة» الى أن الثورة كانت هى الطريق الوحيد الذى يستطيع النضال العربى أن يعبر عليه من الماضى الى المستقبل والتى يستطيع بها الأمة العربية التخلص من الاغلال التى تكبتها ومن الرواسب التى أثقلت كاهلها مشيرا الى تسلحها بقدرات ثلاث لتصمد فى معرلاكة المصير وهى الوعى والتحرك السريع ووضوح الرؤية والأهداف. وفى باب الكتاب الثالث بعنوان «جذور النضال المصرى» تناول فيه الوضع المصرى عبر التاريخ وصولا الى «النكسة» والتى افرد لها الباب الرابع وانتقل منها الى «الديمقراطية السليمة» وتصورات عبد الناصر لها وكيفية تطبيقها فى مجالات الحياة من سياسة وتجارة وصناعة وغيرها وصولا الى « الانتاج والمجتمع» والذى افرد له الباب السابع باعتبار ان الانتاج هو التحدى الحقيقى الذى الذى سوف يثبت الانسان العربى من خلاله مكانه الذى يستحقه بين الشعوب. كما تناول عبد الناصر فى الباب الثامن تطبيق الاشتراكية ومشكلاتها لتحريك طاقات الشعوب الى العمل|، كما أفرد فى الباب التاسع من كتابه رؤيته للوحدة العربية ومسئولية مصر فى صناعة التقدم وفى تدعيمه وحمايته لتشمل الأمة العربية كلها ودورها فى صناعة الأمل التى تصنع وحدة المستقبل والمصير. وجاء الفصل العاشر حاملا لفكر وتوجه الدولة من خلال سياستها الخارجية المبنية على خطوط ثلاثة، أولها الحرب ضد الاستعمار والسيطرة بكل الطاقات والوسائل وكشف جميع أقنعته، وثانيها العمل من أجل السلام ، وثالثها التعاون من أجل الرخاء. كما يتناول الكتاب بيان 30 مارس 1968 الذى صدر فى ظروف حرجة عقب هزيمة 1967 ومظاهرات الشباب واستجابته لمطالب الشعب وتجديد نظام حكمه ووضعه للخطوط الرئيسية لرؤيته لمستقبل مصر عبر تحديده لعشرة مبادئ يجب ان يتضمنها الدستور الدائم للدولة المصرية والذى يحقق الانتقال من الشرعية الثورية الى الشرعية الدستورية.