فى البداية نريد اعتراف تركيا نفسها بما قامت به، لتحقيق العدالة وإعادة أراضينا وكنائسنا ومدارسنا، فإلى اليوم تركيا مازالت تضايق الأرمن فى تركيا، فهناك 15 كنيسة فى تركيا، عدد منهم يحتاج الى ترميم، مع أنه يتواجد اليوم حوالى مائة ألف أرمينى فى تركيا ويعملون فى الصناعة وتحديدًا « الذهب». ثمن المطران كريكور أغسطينوس كوسا مطران الأرمن الكاثوليك فى مصر، خطاب الرئيس عبدالفتاح السيسى فى مؤتمر ميونخ للأمن 2019، حيث ذكر فيه المجازر ضد الأرمن العثمانيين الأتراك عام 1915، وهو ما أعقبه فتح مصر المحروسة أبوابها للأيتام والأرامل من الأرمن الذين انصهروا بين المصريين وأصبحوا من أهلها، ومتمسكين بالبقاء على أرضها. وأضاف فى حوار ل«روزاليوسف»، أن ما يحدث من مجازر فى بعض الدول العربية، هو نفس ما حدث مع الأرمن من قبل الأتراك العثمانيين، والأتراك هم رأس الحرباء فى كل هذه الأحداث.
■ فى البداية ..حدثنا عن تاريخ الأرمن فى مصر؟ - منذ القرن الثامن جاء الأرمن للعمل والتجارة إلى مصر، وتزايد عددهم فى القرن 12 ثم ال16، وتزايد عدد الأرمن فى عام 1915 بعد الإبادة الأرمينية، وساعدوهم الأرمن المتواجدين والمصريين لكى يعيشوا حياتهم بكل أمان وطمأنينة. بل أصدر شيخ الأزهر وقتها «كتاب» أن يستقبلوا الأرمن القادمين، كما قال سعد زغلول وقتها « نفتح الباب للأرمن خاصة للأيتام والأرامل. ووصل عدد الأرمن فى مصر 13 ألفا، وانصهروا داخل المجتمع، ويعيشون مع المصريين، ويكسبون رزقهم « بعرق جبينهم»، وانضم الشباب إلى العسكرية ليحافظوا على هذا الوطن من الأعداء والمغتصبين والمحتلين حتى هذا اليوم. ■ ولكن هل الانصهار فى المجتمع أدى إلى فقدان الهوية الخاصة بهم؟ - بداية أحب أن أوضح أن الزيجات المختلطة قليلة لأن عاداتنا مختلفة، كما أن مفهومنا عن العائلة والزواج داخل الكنيسة، له طابع خاص، ومن خلال الكنيسة نحافظ على طقوسنا وبجانب كل كنيسة فى مدرسة نعلمهم اللغة الأرمينية والتاريخ والعادات والتقاليد وكل ما يتعلق بحياتنا الثقافية والرياضية فقد انصهرنا بدون أن نفقد حياتنا وطقوسنا الدينية أو ثقافتنا الأرمينية نقوم بطبع الكتب ونترجمها للعربية. فعندما حضر الأرمن استقبلهم المصريون والأرمينون الموجودون، كما أننا فى مصر عرفنا عن أنفسنا وثقافتنا من نحن بثقافتنا وكل الصناعات التى قمنا بها ومن خلال المدارس فقد علمنا أولادنا الثقافة الأرمينية إلى جانب المصرية فانصهرنا بشخصيتنا الأرمينية مع الثقافة والتاريخ والوطن المصرى. ■ فى العام الماضى احتفلتوا بمئوية الاستقلال عن الاتحاد السوفيتى، فهل هناك دعوة لعودة الأمن لعودتهم ل«أرمينيا» خاصة فى ظل الظروف التى تعيشها المنطقة العربية؟ نحن نبقى مخلصين إلى الأوطان التى استقبلنا، فهناك 11 مليون أرمينى فى العالم نحمل هويتنا وثقافتنا ونبنى أنديتنا ونحافظ على ثقافتنا، ونحب البلاد التى استقبلتنا ولا نتركها، نحن نبقى على هذه الأرض التى استضافتنا. ■ ماذا عن ممتلكات الكنيسة فى مصر؟ - بطريركية الأرمن الكاثوليك تم بناؤها فى عام 1926، كم توجد لدينا كنيسة فى مصر القديمة بجوار جامع عمرو بن العاص، وكنيسة سانت فى تريزا فى مصر الجديدة، الإسكندرية وأخرى فى المدافن، وكنا نمتلك كنيسة الزقازيق وشبرا وكنيسة درب الجنينة. ■ بعد مرور حوالى 105 أعوام لماذا هناك إصرار على الحصول على اعتراف الدول بالإبادة التركية؟ جزء من الأراضى التركية هى أرمينية، فهناك أرمينيا الكبرى والتى ظلت تابعة للاتحاد السوفيتى، وهناك أرمينيا الصغرى والتى كانت تسمى « كليكيا» والتى استولت عليها تركيا ومحت الأسماء الأرمينية. فمثلًا القصر الجمهورى هو فى الأساس فيلا لعائلة أرمينية، فقد كان من العادات الأرمينية هو كتابة اسم المهندس الذى صصم المبنى، وخلال زيارة قمت بها لتركيا رأيت مهندسين يقومون بإزالة هذه الأسماء لمحو كل ما تبقى من تراثنا الأرمينى. فالعداء ابتدأ من تركيا ومن قبل الإبادة ب500 عام، منذ عام 1881 حتى 1891 بدأ الأتراك يمنعون التكلم بالأرمينية وطباعة الكتب ليمحوا الهوية والأسماء الأرمينية، فقد كان الأرمن فى المناصب العليا فى الدولة مثل إدارة البنوك والصحف والمجلات والثقافة، ما ملأ قلوب الأتراك بالبغض واجتمعوا لكى يقتلوا الأرمن، ومن ضمن الحكايات التى نتداولها حتى يومنا هذا قول الأتراك «كان يا ماكان فى شعب أرمينى». وأحب أن أوضح أن أكبر صوت فى العالم لأدانة المذابح التركية كان الفاتيكان، كما أن حديث السيد الرئيس السيسى هو خطوة للاعتراف. ■ ماذا عن الموقف المصرى؟ - أتذكر فى لقاء مع الرئيس عبد الفتتاح السيسى أهديته كتبا عن الأرمن وتاريخهم وقال الرئيس لى وقتها» أزدنى بالمزيد من الكتب عن الأرمن، فنحن نعرف عن الأرمن وثقافة وشطارة الشعب الأرمينى». فحديث الرئيس هو خطوة جبارة وبدأها بانطلاقة جديدة للرئيس السيسى ليعطى للأرمن حقهم ويثنى على أعمال الأرمن التى قاموا بها قبل الإبادة وبعدها وحتى الآن. فهناك شخصيات خرجت من الأرمن أثرت فى مصر مثل نوبارباشا ويعقوب أرتين الذى كان وزير التربية والتعليم وأرسله الخديو وقتها إلى فرنسا وإنجلترا لتطبيق البرامج التعليمية والتى مازالت موجودة حتى الآن من المرحلة الابتدائية حتى الثانوية. فالرئيس السيسى وضع على صدر الشعب الأرمينى فى مصر وفى جميع أنحاء العالم وسام الشرف والحق لشعب أُغتصبت أراضيه وممتلكاته، ودُنست كنائسه وأديرته، وهُدّمت مدارسه وأنديته الثقافية والاجتماعية والرياضية، فاضطهد وذبح وشرد، ولكن بفضل إيمانه ومساعدة المصريين النبلاء عاش مرفوع الرأس كريمًا فخورًابقوميته ومذهبه وتاريخه». فكلمته فى مؤتمر ميونخ أكدّت اهتمام ومحبة الرئيس، ومحبة الشعب المصرى للشعب الأرمينيّ، الذى استقبلوه بكل حفاوة، فالخطاب يمثّل «بداية خطوة جبارة لاعتراف مصر، ومعها دول العالم المحبة للسلام، بالإبادة الجماعية للأرمن، ولإعادة لهذا الشعب جميع حقوقه، ومطالبة تركيا بالاعتراف بجريمتها». ■ ما المكاسب التى ستعود من الاعتراف بالإبادة التركية للأرمن؟ - فى البداية نريد اعتراف تركيا نفسها بما قامت به، لتحقيق العدالة وإعادة أراضينا وكنائسنا ومدارسنا، فإلى اليوم تركيا مازالت تضايق الأرمن فى تركيا، فهناك 15 كنيسة فى تركيا، عدد منهم يحتاج إلى ترميم، مع أنه يتواجد اليوم حوالى مائة ألف أرمينى فى تركيا ويعملون فى الصناعة وتحديدًا « الذهب». وهناك 20 دولة اعترفت بالإبادة، كما لجنة حقوق الإنسان فى جلستها الخامسة والثلاثين، وننتظر اتخاذ قرار يقضى بإدراج الجريمة المرتكبة من قبل الحكومة التركية بحق الأرمن عام 1915 كأول جريمة إبادة فى القرن العشرين فى تقرير الإبادة الخاص بالأمم المتحدة. ■ هل ترى أوجه شبه بين ما حدث مع الأرمن منذ أكثر من مائة عام وما يحدث اليوم فى بعض الدول العربية؟ - الرأس هى تركيا وسوف تكشف الأيام كل شيء، فمثلا مطرانين سورى المختطفين اختطفا على الحدود التركية السورية عندما كانوا فى طريقهم إلى حلب، فما حدث قديمًا ضد شعب واحد وهو الأرمن والآن ضد شعوب عديدة. والفرق أنه قديمًا لم يشعر أحد بالإبادة ضد الشعب الأرميني، فقد كان يتم تصوير ما يحدث فى الخفاء أما الآن كل شيء نراه ويوثق بالصور والفيديو. ■ من وجهة نظرك كيف يمكن محاربة الإرهاب؟ - أحب أن أذكر وثيقة الإخوة الإنسانية والتى كان يتم العمل عليها على مدار عامين قبيل إطلاقها، وأرى أننا فى حاجة لتطبيقها ولنعيشها بدون النظر إلى المعتقد أو المذهب الذى أومن به، وأقبل الآخر بكل صفاته، وأعيش معه. كما علينا أن نهتم بالتعليم والثقافة وإعلام واعى والخطاب الدينى إلى جانب مثل لقاءات المحبة التى تحدث باستمرار والتى تأتى بمفعولها.