تعتبر التنمية المستدامة نهجًا شاملًا للرفاهية التى تدعو المجتمعات إلى تحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والبيئية بطريقة متكاملة، حيث ترتفع السعادة فى الدول التى تحقق الأهداف الإنمائية المستدامة، والتى تدل على تمكين المجتمعات المختلفة من العمل على تحقيق التوازن بين أهدافها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. وغالبًا ما تؤدى زيادة الناتج المحلى الإجمالى بطرق غير متوازنة وعلى حساب الأهداف الاجتماعية إلى انخفاض سعادة المجتمع ورفاهية أفراده، وذلك لأن الاستدامة لا تعنى التوجه إلى الآثار الاقتصادية فقط، بل لتشمل أيضًا الجوانب الاجتماعية والبيئية مما يمكن المجتمعات من الانتقال إلى اقتصاد ابتكارى وتعاونى، بناء الكفاءات، تطوير وبناء حكم رشيد شامل. لذلك فالمجتمعات التى ستعدل بسرعة أنظمتها الاقتصادية والاجتماعية للتحول نحو نظم البيئة الاقتصادية المستدامة، ستحقق مستويات أعلى من السعادة والعدالة الاجتماعية والاقتصادية، وقد توصلت أغلب الدراسات إلى أنه كلما كانت الاقتصادات أكثر ابتكارًا وإبداعًا كلما كانت أكثر تطورًا وقدرة على المنافسة وأكثر تنظيمًا للمشروعات، وأقل عرضة للمعاناة من الانقسامات الشديدة وعدم المساواة. وبالتالى، كلما كان إنتاج الدولة أكثر ابتكارًا كلما كانت أكثر سعادة مستدامة. فعندما نبتكر نكون سعداء، لذلك تزداد الحاجة إلى أن نعمل فى نوع العمل الصحيح الذى يتناسب مع مهاراتنا ورغباتنا ويتم تعويضنا مقابل ذلك بالصورة اللائقة ماديًا معنويًا. ولذلك ترتبط السعادة فى عصر العولمة والمتغيرات السريعة والمتلاحقة بصفة أساسية بمحددات مادية استهلاكية، تليها محددات مجتمعية وسياسية، حيث تتحقق احتياجات المواطنين ومظاهر سلوكهم فى سياق مناخ سياسى ومجتمعى تتعزز فيه مستويات الكرامة والحرية والشفافية، وتقل فيه درجات الفساد مما يخلق نمطًا من القيم والتفاعلات الإيجابية وتعزز قناعات الأفراد وسعادتهم. وهنا يكون مفهوم الإنسان وسعادته هدفًا أصيلًا لبرامج الحكومة الإنمائية. ونقدم فيما يلى بعض المقترحات التى تساهم فى زيادة واستدامة سعادة المصريين: توفير متطلبات المناخ المناسب للسعادة، وذلك من خلال تعزيز الاستقرار السياسى والاقتصادى وزيادة الاستثمارات لتتجه نحو زيادة مستويات الجودة والإنتاجية، وتشجيع البحث العلمى والابتكار وتطوير التقنيات المستخدمة فى جميع القطاعات الاقتصادية، وتوافر رؤية حكومية واضحة لأهمية السعادة فى تطوير المجتمع، كذلك توجيه وسائل الإعلام المختلفة نحو تعزيز القيم الإيجابية ومنظومة الأخلاق وإعادة الاعتبار لمفاهيم السعادة والقناعة والرضا عن النفس، وفقًا لمنظومة أخلاق اجتماعية وإنسانية. كما يجب أن تكون السعادة فى أولوية برامج التنمية الخاصة بالتعليم والصحة وتخفيف معدلات الفقر والبطالة وتعزيز الشفافية واتساع الحريات العامة، وكذلك اعتماد نموذج اقتصادى متطور يتضمن فى سياقه حاجات الإنسان المادية والاجتماعية والثقافية لضمان تحقيق رفاهية مادية متلازمة مع تحقيق العدالة والحرية مما يؤدى إلى أن تصبح السعادة أهم ناتج قومى تحرص الحكومة على تحقيقه. ضرورة توافر المسئولية الاجتماعية المستدامة، لتكون هدفًا أساسيًا للحكومة من خلال تقديم المساعدات والدعم لمختلف فئات المجتمع، والإسهام فى تأهيل ذوى الدخل المحدود لتحسين وضعهم المعيشى، من خلال تقديم قروض مالية صغيرة بدون ضمانات أو فوائد، كذلك إصدار التشريعات المتعلقة بالمسئولية الاجتماعية، خاصة المتعلقة بحماية البيئة والثروات الطبيعية، وتوحيد جهود المتطوعين والمتبرعين على مستوى محافظات مصر، وتحفيز مختلف المبادرات الفردية التطوعية وتقديم الدعم للقائمين عليها لضمان استمراريتها، وتحقيق أقصى فائدة ممكنة منها مما يعزز من ثقافة العطاء بين المصريين. # تحقيق المساواة والعدالة بما يخلق بيئة تشاركية بين الحكومة وبين المواطنين فى إيجاد وإعداد الحلول، حيث يسهل على المجتمعات التى تتعاون فيها قطاعات الأعمال مع الحكومات تحفيز النمو الاقتصادى والتغيير المجتمعى. لذلك يجب توافر الشفافية الحكومية والتعاون بين القطاعين الحكومى والخاص والإصغاء إلى أصوات المواطنين، والتعرف على أحلامهم ومخاوفهم وطموحاتهم، وخاصة النساء فالحكومة التى تتفاعل مع مواطنيها تصبح أقوى، فيما تتسبب الحكومات البيروقراطية فى فقدان الأمل عند المواطنين مما يؤدى إلى عدم استقرار المجتمع. # تحفيز الابتكار وزيادة دور المدارس فى تشجيع ثقافة السعادة من خلال تدريس مواد مهارات الحياة الجديدة، حيث يتعلم الطلاب ما هى المتطلبات المهمة لخلق ظروف أفضل لحياة سعيدة مما يساهم فى تحصيل المعرفة وصناعة المبتكرين، وذلك من خلال تطوير النظم الأساسية للتعليم وتطبيق النظم التربوية الممنهجة تطويرًا للابتكار. كما أن مواكبة الحكومة للتكنولوجيا تمكنها من تشريع الابتكار، حيث يتمثل دور الحكومات فى عصر الاتصالات فى السعى للتمكين وتيسير الابتكار ومواكبة التكنولوجيا لتتمكن من تشريع وتعزيز التطوير والابتكار مما يخلق الدوافع التى تحقق أفضل النتائج لكل شخص والتركيز على السمات الشخصية الخاصة بهم. # تقديم الدعم للمجموعات التى لا تشعر بالسعادة (المرضى، العاطلين، ذوى الدخل المنخفض) لكى تعيش حياة أفضل من خلال إعادة توزيع الموارد على هذه المجموعات وتوفير فرص العمل المناسبة للمواطنين، والتى تحقق طموحاتهم، وتشجيعهم على استغلال الوقت فى الأعمال الخيرية والأنشطة البدنية والسياسية مما يساعد فى تعزيز العلاقات الاجتماعية وإدخال مقاييس دورية لسعادة المواطنين وإتاحة أحدث الأبحاث حول كيفية تحسين جودة الحياة، حيث إن قياس الأشياء يجعلنا نأخذها مأخذ الجد لأن استخدام أدوات القياس يمكن من تحديد ما إذا كانت الأشياء تسير فى الاتجاه الإيجابى أو السلبى.