تصوير - مايسة عزت منذ أيام أعلنت وزارة الآثار بدء إعداد مشروع الدراسات الاستشارية والتوثيق الخاص بترميم وإعادة تأهيل قصر البارون إمبان الأثرى بمصر الجديدة،بالتعاون مع مكتب مصر للاستشارات والذى يعمل بالمشروع متطوعا بالمجان، ومن المقرر أن تطلق الوزارة خلال الأيام المقبلة مسابقة للمعماريين لتقديم أفكار ومقترحات لتأهيل القصر وإعادة توظيفه بالشكل الأمثل ، وستبدأ أعمال ترميم القصر إبريل 2016، وسيتم الإعلان عن الفائزين الثلاثة الأوائل بالمسابقة،بمعرفة لجنة متخصصة من وزارة الآثار ومجموعة من أساتذة الجامعات والمتخصصين والمهتمين بتراث مصر الجديدة من جانبنا فى «روزاليوسف»، قررنا القيام بمغامرة أثرية لاستكشاف القصر من الداخل والخارج قبل بدء المشروع، حيث إنه حتى الأن يمثل شيئا غامضا لكل من يراه خاصة بما له من طراز معمارى غريب ومثير، والذى لم يعتد عليه المصريون فى مئات بل آلاف المنشآت المعمارية الأثرية والتاريخية بمصر، وتبلغ مساحته 12.5 ألف متر وبناه «البارون إمبان»، وصُمم بحيث لا تغيب عنه الشمس،ولذلك ليس غريبا أنه يعد من أفخم القصور الموجودة فى مصر على الإطلاق. القصر صممه المعمارى الفرنسى ألكساندر مارسيل وزخرفه جورج لويس كلود، وبدأ البناء عام 1908 واستغرق حوالى 3 سنوات ليكتمل البناء فى 1911، وأول ما يسترعى الانتباه فى القصر طرازه المعمارى الغريب المستوحى من معبد أنكور وات فى كمبوديا ومعابد أوريسا الهندوسية، ما أعطاه قيمة تاريخية كبيرة جعلته تحفة معمارية متفردة، حيث كان صاحبه المليونير البلجيكي البارون «ادوارد إمبان» مولعا بحضارات وأساطير الشرق التى كانت تتسم بالغموض والإثارة، خاصة أنه حضر إلى مصر فى نهاية القرن التاسع عشر بعد افتتاح قناة السويس بعد أن عاش فترة من حياته فى الهند مما يفسر الطراز المعمارى الغريب الذى بنى به القصر ومستمد من المعابد الهندية والهندوسية. عند دخولنا من بوابة القصر قابلتنا مساحة واسعة تمتلئ بالزرع الأخضر، وهو مشهد ربما يتنافى مع الرهبة التى شعرنا بها بعد أن تخطينا تلك المساحة وصعدنا الدرج الخارجى للقصر،حيث تمتلئ واجهته الخارجية بعشرات بل مئات الزخارف والتماثيل البوذية والهندسية والتى تثير الرهبة وبعضها كان مكسرا وفقد أجزاءً منه، والعجب كونها منحوتة من الأسمنت المسلح واسياخ الحديد، وقبل الدخول للقصر قمنا بدورة كاملة حوله من الخلف، لنجد هذا الزخم الزخرفى مستمرًا، كذلك المساحات الخضراء التى تحيط بكامل القصر،كما وجدنا مكاتب تخص مهندسى المكتب الذى يقوم بالدراسات. وداخل القصر عندما وطأت أقدامنا كأننا عدنا للوراء فى الزمن،هالنا ما رأيناه من زخارف فى الأسقف والاعمدة،كما لاحظنا أن الأتربة ومظاهر الإهمال تكسو ملامح المكان،وهذا راجع لسنوات عدة ظل فيها القصر مغلقا دون أى اهتمام، خاصة أنه شهد فى التسعينيات القضية الشهيرة عبدة الشيطان والذين كانوا يتسللون الى القصر لإقامة طقوسهم الغريبة ما ساهم فى تشويه زخارفه ومعالمه من الداخل،واضفى مزيداً من الإثارة حوله بسبب شكله الغريب من الخارج. وهو ما جعله مادة خصبة لحكايات خيالية وربما أسطورية عنه، وهو ما تأكد لنا عندما صعدنا لأعلى القصر مرورا بالدور الثانى منه، وتخيلنا كيف كان يعيش من أقاموا فيه، حيث السلم الخشبى الدائرى المصمم ببراعة، وارضية السطح التى تعتبر لوحة فنية رائعة من قطع الموزايكو بألوان مازالت باقية رغم الإهمال الشديد جدا الذى أصابها كما أصاب القصر كله، والأعمدة التى زينتها تماثيل فنية جميلة،كذلك برج القصر الذى يعد بمفرده قطعة فنية أبدع فيها صانعها. سألنا محمد عبدالعزيز معاون وزير الآثار لشئون الآثار الإسلامية والقبطية عن تأثير الترميم على هوية القصر وشكله الأصلي، ورد بأن الترميم لن يؤثر على طبيعة القصر الأصلية، وسيتم استكمال الحديقة الأصلية بناء على الأدلة التاريخية والأثرية بما فى ذلك التماثيل، مع التمييز بين ما هو أصلى وما هو مستنسخ، كما سيتم وضع مخطط عمرانى يعالج علاقة القصر بمصر الجديدة من جميع الزوايا للاحتفاظ بما بقى من العلاقة الأصلية بين القصر والحي، خاصة أن للقصر قيمة تاريخية كبيرة فهو تحفة معمارية متفردة، وشاهد رائع على الثقافة التى سادت فى نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين،وكانت مزيجاً من التاريخ والولع بالشرق موطن الأديان والأساطير والغموض. عماد عثمان مدير عام مناطق آثار شرق القاهرة والتابع لها القصر، قال لنا إن صاحب البارون إمبان مهندس بلجيكى كان يعشق الترحال والسفر، واستمد تصميمه من نموذج أعجبه فى معرض فنى بباريس، بجانب أنه عاش فترة من حياته فى الهندوكمبوديا، فقد استقر على تصميم معمارى يجمع بين طراز الألهة والأساطير الهندية والمعمار الكمبودى. وأشار إلى أن القصر فريد من طرازه المعمارى فى مصر، حيث جمع بين الطراز الهندى مع تأثيرات أوروبية، ومن أعجب ما فى معماره أن الزخارف وأغلب التماثيل فيه تم نحتها من الأسمنت وهذا شىء نادر حيث إن النحت فى الأسمنت صعب جدا، ومن فرط حبه فى القصر أوصى بدفنه فى كنيسة البازيليكا التى تقع على مقربة منه، والذى أغرم به السلطان حسين كامل وطلبه من البارون، لكنه رفض وبنى البارون قصرا أخر على بعد خطوات من قصره الأسطورى وأهداه للسلطان حسين الذى لم يعجبه ورفض الحصول عليه. وقال لنا: إن زخارف القصر خاصة من الداخل من فرط روعتها وجمالها غنية عن الكلام، وحتى الأن يوجد بالداخل زجاج مرايات سميك جدا بلجيكى من المكونات الأصلية للقصر، مشيرا إلى أن فكرة إعادة استغلاله وإستخدامه لن تطرح بقوة إلا بعد الترميم، حيث يحتاج القصر لمشروع ترميم دقيق ومعمارى ومتكامل، خاصة الأساسات والتربة والرفع المساحى له والتصوير الفوتوغرافى والمخطط العام للقصر كله.