فى السنوات القليلة التى سبقت ثورة 25 يناير 2011 كان يكفى للمراقب للأحداث فى مصر أن يسير فى شوارع القاهرة حتى يصدمه شعور بأن الحكومة غير موجودة وأن هناك فراغًا سياسى هائلًا وصوت القانون غير مسموع فى إطار يتسم بالفوضى وتضارب المصالح وصدامها وصراع خفى بين فئات المجتمع، ومواطن يرى أن القانون لم يعد هو الحصن الذى يحتمى به، أما الطبقة الجديدة التى ظهرت قبل الثورة وعرفت ب«طبقة رجال الأعمال» فقد تفرغت تماما إلى تنمية ثرواتها فى ظل تداخل المصالح مع الحكومة يحقق لها الحماية المطلوبة وما تعارف عليه وقتها بزواج المال والسلطة ومن ناحية اخرى طائفية تخبو وتطفو بين حين وآخر بدأت فى السبعينيات من القرن الماضى لأسباب غير واضحة. وفى هذا المناخ لعب الإعلام الخاص دورا كبيرا فى اللعب على وتر معاناة الشعب واجج الغضب فى نفوس الكثير وخاصة الطبقة المتوسطة والفقيرة واحتلت البرامج الحوارية مساحة كبيرة من اهتمام تلك الطبقات ولم تأت تلك البرامج بجديد ولكنها كانت كاشفة لأوجه الفساد والظلم الواقع على هذا الشعب الذى بدأ يتحرك ولجأ إلى نوع من العصيان المدنى والاعتصامات والإضرابات للمطالبة بحقوقه بشكل غير مسبوق فى التاريخ السياسى المصرى ولكنه كان ينم عن أن قدرته على الصبر قد نفذت وأن مصر باتت حبلى بالثورة ولا تحتاج إلا إلى مفجر لها ومن هنا ولدت ثورة يناير. لم يكن الشباب الذى خرج فى صبيحة يوم 25 يناير قادرًا على تحريك الجماهير مهما كانت القوى التى تحركهم أو تمولهم، وفقا لنظرية المؤامرة، وإنما توافق ذلك مع ولادة ثورة كانت مفاجأة للجميع وصاحب ذلك سوء قراءة من السلطة للمشهد السياسى وما آلت اليه الأمور وما استتبعه من فشل فى علاج الأسباب الحقيقية للثورة. أما المشهد فى الميدان فكان مزيجا من حس وطنى وعبقرى من جماهير غير مسيسة ولا جاءت لتشترك فى لعبة سياسية وعبرت خلال الثمانية عشرة أيام الأولى على قدرتها على التنظيم داخل وخارج الميدان ولجان شعبية تولت مسئولية الأمن الداخلى بعد انهيار جهاز وزارة الداخلية ومن معجزات هذا الشعب أن أجهزة الدولة كانت تعمل وبشكل شبه طبيعى وشباب خرج لينادى بأنه مصرى ويفخر بذلك. ومع هذا الزخم الوطنى، وعلى الجانب الآخر، كانت القوى السياسية التى شملت الأحزاب والنخبة السياسية وجماعة الإخوان المسلمين ومجموعات الاشتراكيين تحاول استثمار الأحداث لصالحها أما الأحزاب والنخبة السياسية فقد ظهر عجزها واضحًا عن التعبير عن تلك الثورة فلجأت الى شاشات التلفزيون تبث تحليلاتها الغريبة وتنظيراتها المهترئة ولم يكن جاهزًا لاسثمار الحدث سوى الإخوان المسلمين الذين استغلوا الفرصة لرفع سقف مطالب الميدان باستمرار وارتكاب جرائم داخل وخارج الميدان بهدف إسقاط النظام بل والدولة نفسها على أمل إقامة دولتهم التى يخططون لها. تبقى مجموعة الشباب الاشتراكيين تحت مسميات مختلفة وبتوجهات أثارت ريبة الكثير والتى أصرت على الاستمرار فى الميدان حتى بعد أن سقط النظام تحت دعاوى الثورة مستمرة وفى محاولة لآدلجة الشعب بعد أن نجحوا فى جعل شعارهم «العدالة الاجتماعية» شعارًا للثورة وبينما هم مشغولون بنشر الفوضى على أمل أن يسيطر اليسار على مقاليد الحكم فى الوقت نفسه حشدت جماعة الإخوان كل كوادرها وطاقاتها أمام لجان الانتخابات ليخرج بأغلبية إخوانية بل وتحالفوا مع اليسار لدعم مرشحهم فى انتخابات الرئاسة وبعد أقل من سنة كانت الجماهير بوعيها الذكى وبدون تنظير عقيم خرجت الدعوة للتخلص من نظام الإخوان واسقاط أقنعة اليسار وأعطت القيادة لرجل وثقت فيه بعد أن حمل روحه على كفيه فى سبيلهم. وربما كان الدرس الذى يجب أن تستوعبه القوى السياسية ونحن فى طريقنا للانتخاب برلمان جديد هو أن مصر كما أنها وسطية فى مفهومها للإسلام فهى أيضا وسطية فى مفهومها للسياسة ومن هذا المنطلق أفشلت زواج السلطة بالمال وأسقطت اليمين المتزمت بكل أفكاره الظلامية ولم يستطع اليسار فى اقناع الشعب بقدرته على تحقيق مبادئه مع كل البريق الذى يحيط. نأمل أن يأتى البرلمان الجديد متوافقا مع طبيعة المجتمع المصرى ومن ثم المشاركة الحقيقية فى العمل التنموى الذى بدأ مع ثورة 30 يونيو ولا يكون حجر عثرة فى طريق شعب صبور وواع ومحاولة خداعة لن تستمر.