من قلب جنوب مصر من قنا يطل منذ سبعينيات القرن الماضى الشاعر محمود مغربى الشهير ب»الجنوبي» بأشعاره الفصحى، حضوره قوى فى ربوع مصر بشعره، بينما حضوره الجسدى عزيز وللضرورة فقط، تمسكا منه بأرضه وناسه مصدر إبداعه الذى أهله لتمثيل مصر فى عدد من المحافل الدولية، رغم قلة إنتاجه الشعرى الذى يضم خمسة دواوين شعرية هى «صدفة بغمازتين» و«أغنية الولد الفوضوي» و«العتمة تنسحب رويدا» و«تأملات طائر» و«ناصية الأنثى»، على هامش تكريم جماعة «بصمات الفنية» له وعدد من المبدعين الآخرين بمركز «شبابيك الثقافي» كان هذا الحوار.... ■ حدثنا عن بداياتك الشعرية فى الجنوب وأثر بيئة وثقافة الجنوب على قصائدك؟ - بالطبع فى البداية هناك اشخاص أدين لهم بالفضل كثيرا لانهم اصحاب التوجيه الاول فى المراحل الاولى أذكر منهم الشاعر أمجد ريان أول مستمع حقيقى لما كتبته فى بداياتى ووجهنى كثيرا، وهناك أيضا الروائى يوسف القعيد الذى شجعنى بحماس فى أول زيارة له لصعيد مصر فى عام 1980، ومن مبدعى الصعيد الرواد لنا فى هذه الفترة سيد عبدالعاطي، عطية حسن، والأديب الشامل محمد نصر يس ومحمد عبده القرافى وغيرهم. كما يظل لثراء المكان عطاءات لا حدود لها من خلال الموروث الشعبى والسيرة الهلالية والمنشد الشعبى فى الموالد الشعبية ذات الثراء المدهش والغني، كل هذا شكل الكثير فى بداياتى وأضاف الى روحى وشخصيتى زخما عظيما، واعتبر نفسى محظوظا بكل هؤلاء منهم من على قيد الحياة يشارك فى الفعل الابداعى ومنهم من رحل الى عالم الخلد فى هذا المناخ تعرفت عن قرب على إبداعات الكبار أدونيس وسعدى يوسف وعبدالمعطى حجازى والبياتى وصلاح عبدالصبور والسياب وأمل دنقل والأبنودى ونازك الملائكة محمود درويش وغيرهم. ■ هل لديك اهتمامات فنية أخرى غير الشعر؟ - بالتأكيد هناك اهتمامات اخرى عديدة من أهمها القراءة منذ الطفولة، السفر ومن الاهتمامات التى أخلصت لها فى السنوات الاخيرة الفن التشكيلى خاصة التصوير الضوئى واصبحت اشارك فى بعض المعارض التشكيلية، وتوطدت صداقتى مع فنانين تشكيليين فى مصر والوطن العربي. ■ ما سبب قلة إصداراتك الشعرية؟ - أنا واحد من المهتمين منذ صغرى بالكيف وليس الكم، لا تغرينى الكثرة، بقدر القيمة، كل ما أصدرته من مجموعاتى له صدى طيب لدى بعض النقاد وله قبول حسن عند القارئ ليس فى مصر وحدها بل امتد الى القارئ فى الوطن العربى، وأيضا خارج الوطن العربى من نشر قصائدى ومشاركاتى فى المؤتمرات الخارجية، وكذلك من خلال الترجمات الى اللغات الاخرى، التى كان لها فضل ان تصل بقصيدتى الى قارئ جديد، لذا استعد الآن لاصدار مختارات من قصائد مجموعاتى مترجمة الى الفرنسية، قامت بترجمتها الشاعرة المغربية مريم البقالى، وايضا قدم اشعارى مترجمة الشاعر والمترجم قادر ربيع والشاعر منير مزيد، والشاعر حسن حجازى والأديبة التونسية آسيا السخيرى والدكتور الشاعر سعيد الصادق. ■ غالبية المبدعين قادمين من الجنوب إلا أن صوت الجنوب لايزال غير مسموع... لماذا؟ - الجنوب عموما فى مصر وايضا فى كثير من بلدان عالمنا الثالث يظل مهملا، والاهمال يصل الى مرحلة الجريمة، ظل جنوب مصر مهملا لسنوات طويلة، وكان قديما منفى، والاهمال لا ينصب فى تفاصيل بعينها، بل الى كل شىء بدءا من اسفلت الشارع الى آخره..لذا اتمنى ان يستعيد الجنوب وجهه الحقيقى فى المرحلة المقبلة، وليعلم الجميع ان الجنوب كانت به لقرون عواصم مصر القديمة الفرعونية، واتمنى ان تستعيد مصر كلها شمالها وجنوبها وشرقها وغربها كل الاهتمام الذى يليق بحضارتها على مر العصور. ■ ماذا عن دور الفن فى كسر الحواجز التى صنعتها السياسة بين الشعوب؟ - بالفعل كنت ومازلت محظوظا لانى استطعت بالخروج من دائرة الجنوب والصعيد الى دوائر اكبر فى مجتمعاتنا العربية الثقافية، ويظل الانترنت فضل كبير فى هذا فقد شاركت فى فعاليات فى الامارات العربية المتحدة وفى دول المغرب العربى المملكة العربية المغربية وتونس والجزائر وغيرها، وأعتقد أن هذا الفعل أضاف لى الكثير، وأيضا كفيل بكسر الحواجز بين الشعوب، المجتمع الأوربى أصبح فى وحدة وبلا حواجز، أتمنى أن يأتى اليوم الذى يصبح فيه الوطن العربى الكبير بلا حواجز أو عراقيل وفى توحد ليس ثقافيا بل اقتصادى واجتماعى وتنموى وساعتها فقط يمكن ان نستعيد امجادنا، وبغير ذلك سندخل النفق المظلم لنصبح فى خبر كان. ■ حدثنا عن تكريمك من جماعة «بصمات» الفنية؟ - كان تكريمى ضمن فعاليات الدورة الثانية لصالون الشرق الاوسط للاعمال الصغيرة، الذى نظمته جماعة بصمات التشكيليين العرب بالقاهرة، الذى أقيم فى الفترة من 30 يناير إلى 4 فبراير بمركز شبابيك الثقافى 20 شارع المقطم الرئيسى، بمشاركة كوكبة من فنانى مصر والوطن العربى من 12 دولة عربية ليقدموا 200 عمل فنى فى مجلات النحت، والجرافيك، والتصوير الزيتى والفوتوغرافى، والخزف، والرسم وايضا تم تكريم صديقى الشاعر سعيد شحاته فى هذه الاحتفالية، وهذا فعل رائع ان يكرم الشاعر فى محيط الفنانين ويحلق جسر من التواصل الحميم، وأنتهز هذه الفرصة أتوجه بالشكر للفنان الكبير وحيد البلقاسى رئيس الجماعة، والفنان أحمد غويبة المنسق العام والتحية للحفاوة من كل فنانى مصر والوطن العربى، والتكريم كان فرصة للقاء اصدقاء وفنانين من خارج مصر منهم الفنان الكبير الليبى يوسف معتوق، وومن فنانى السعودية فهد الجابرى، عارف الغامدى، نورى العتيبى ومن فلسطين الفنان طالب دويك بالاضافة الى كوكبة فنانى مصر فى مقدمتهم القدير مصطفى بط رئيس شرف الصالون وغيرهم وتحية ليست باخيرة للمبدعة ضحى عاصى رئيسة مجلس ادارة شبابيك الثقافى لاستضافتها فعاليات الصالون والاحتفالية. كانت الصالونات الثقافية تضم شخصيات بارزة بمختلف المجالات .. لماذا أصبحت منغلقة على فئة المبدعين فقط؟ بالفعل الصالونات الثقافية فى كثير منها منغلق على ذاته ولكن يظل لبعضها الكثير من روح الانفتاح على الاخر والفنون الاخرى وفى هذا اقول على سبيل المثال تواصلى ومشاركاتى مع (جماعة بصمات للفنانين العرب) وتكريمهم لى فى فعالياتها الاخيرة التى اقيمت فى مركز شبابيك بالمقطم فى حضور ومشاركة اكثر من 200 فنان وفنانة من كل الدول العربية ويظل لجهد الفنان المصرى الكبير وحيد البلقاسى عنصرا فعالا فى خلق حالة من الثراء الفنى والثقافى والجماعة تقيم فعالياتها ليس فى مصر فقط بل تمتد الى بلدان عربية مثل المغرب وتونس واليمن والسعودية وغيرها من بلداننا، وهناك نماذج مضيئة لها تأثير ونشاط مهم، وقد لمست هذا فى دور الجمعيات والجماعات الثقافية فى المملكة المغربية اثناء دعوتهم لى ومشاركتى معهم فى الفعاليات الثقافية الفنية، ويظل مجتمعاتنا فى حاجه على الانفتاح اكثر من اجل الرقى ببلداننا العربية وتظل الجماعات الادبية والصالونات الثقافية والفنية ضرورة لانها تظل باكثر حرية وحركة بيعدا عن المؤسسات التى يظل لبعض القائمين عليها توجهات اختلف كثيرا معها. ■ كيف استفاد الجنوب من الثورة الإلكترونية؟ - بالفعل يظل للانترنت فضل كبير فى كسر الحواجز بين الجنوبى والعالم المحيط وعن تجربتى أقول: عندما دلفتُ إلى عالم الانترنت فى بداية 2007 بدأت نشر قصائدى ومشاركاتى هنا وهناك فى بعض المواقع والمنتديات، وإذا بى أجد إقبالاً كبيرًا عليها، حتى أن مجلة «أسرة مغربية» التى ترأس تحريرها الإعلامية منال شوقى بالمملكة العربية المغربية، بادرت باستضافة قصائدى تباعًا، بل خصصت لنشرها واحدة من صفحاتها، ويعد الانترنت واحدة من أهم آليات التواصل بين الأرواح فى كل مكان وزمان، وبفضل ثورة التقنية وعالم الاتصال اصبح العالم قرية صغيرة، وكسر الحواجز التى تفضل بين الشعوب، من خلال الانترنت نشر لى حوارات فى صحف كبيرة فى ليبيا وتونس والمغرب والامارات وايضا ترجمت لى مختارات من شعرى فى مجلات فى فرنسا، كذلك تمكن الاخر من الاطلاع على تجربتى، ورشحت مؤتمرات خارج مصر فى الجزائر وتونس والمغرب وفى أوروبا، اذن للانترنت فضل كبير على الابداع والانسانية، والان فى كل بقعة من العالم استطيع ان اجد اصدقاء وصديقات لى يضمنا الفن والابداع والانسانية واخيرا شبكة الإنترنت هى بصدق إعجاز العصر الحديث الذى توفر لكل الناس، من خلالها أعتقد بأن الإبداع أصبح أكثر رواجا وفتحت أمامه الأبواب المغلقة وكسر الحواجز هنا وهناك تماما يعنى أن الشبكة لها فضل كبير على حركة النشر والتواصل بين الكتاب والقراء وبين الكتاب وبعضهم البعض، هى لها جهد خارق فى تواصلنا مع كتابات الآخر، فى كل بقاع المعمورة، إذن نحن مع شيء سحرى يدهشنا ويقدم الجديد كل يوم ويظهر لنا الجديد فى كل المجالات،