وفى الفترة الأخيرة ابتليت بلادنا ليس فقط بطوفان من النوع الثانى الهدمى والتدميرى، بل وبتمكن هذا الطوفان لفترة من مقدرات البلاد ومفاصلها، هذا الطوفان هو جماعة الإخوان الإرهابية، أما الابتلاء فهو مشروعها المقصود به التمكين لها فى جميع أرجاء الدولة المصرية، فيما عرف إعلاميا بمشروع «الأخونة»، وقام على هذا المشروع الخطير الغريب عن مصر مجموعة من الشخصيات أغرقت البلاد فى فوضى لا مثيل لها، حتى لفظت مصر شعبيا هذا الكيان الإرهابى غريب النبت، ونحن نهدف هنا بالأساس لمحاولة فهم ما يدور فى نفوسهم، وبعض الديناميكيات لهذه الشخصيات التى تقود الجماعة الإرهابية، نتساءل: ما هو التكوين النفسى لهذه الشخصيات؟ هل هى شخصيات سوية أم بها خلل ما؟ سنحاول جاهدين بلا إفراط ولا تفريط أن نوغل برفق فى تحليل نفسى بسيط لهذه الشخصيات، والتى ظلت طوال عام كامل من حكم الإخوان تطل على الساحة تحت الأضواء حتى أفول نجم الجماعة، فضلا عن سيطرتها على مقاليد الأمور بالدولة بعد ثورة 30 يونيو. محمد بديع – شخصية اليوم – هو من أكثر الشخصيات جدلا فى جماعة الإخوان المحظورة، تفاصيل كثيرة جدا فى شخصية بديع تجعل له مكانة مهمة على المستوى النفسى على الأقل فضلا عن التفاصيل السياسية والفكرية التى جعلته بلا ريب أحد أهم الأسماء المطروحة فى تاريخ الإخوان، حديثنا عن بديع اليوم مختلف، يمكنك أن تلقبه «المرشد السابق» على اعتبار تولى محمود عزت مقاليد الأمور - ولو شكليا - لابعد أن استطاعت السلطات المصرية القبض عليه عقب فض اعتصام رابعة، ويمكنك أيضا أن تلقبه بالمرشد الحالى لنفس السبب تقريبا! -تولى محمود عزت الأمور شكليا- يمكنك أن تلقبه بالرجل الأول لموقعه، يمكنك أيضا أن تلقبه بالرجل الثانى بعد خيرت الشاطر عضو التنظيم الدولى منذ عام 2007 وهو أيضا المرشد الثامن للإخوان المسلمين المحظورة.. لنبدأ الولوج إلى هذا العالم إذن. الطبيب فى المجتمع المصرى قمة ينظر إليها المجتمع نظرة خاصة، نظرة احترام مع أى معايير أخرى ويظل الطبيب هو قمة المجتمع، تسعى الطبقات الدنيا للتشبث بهذه المكانة على سبيل الشرف، وتسعى الطبقات العليا للتمسك بها على سبيل الترف أنه يبقى المنطقة الذهبية التى يخرج منها الأطباء بشكل عام هى الطبقة الوسطى وتظل الطبقة الوسطى هى المورد الأساسى لهذه الفئة المهنية فى المجتمع وأقول هذا الكلام تحديدا لتفسير ظاهرة ما وهى أن عددا ضخما جدا من كوادر الجماعة، وبالتالى قياداتها هم فى الأساس من الأطباء وفئات أخرى راقية اجتماعيا وتجدهم مسيطرين على عدد معين من النقابات كنقابة الأطباء والمهندسين مثلا، الأطباء القادمون من مستويات اجتماعية بسيطة ودرجة معيشية متواضعة تجدهم دوما يميلون إلى الانتماء والانضمام إلى جماعات أكثر تشددا وهم السلفيون - لا أميل إلى هذا الاسم وإنما أفضل الوهابيين فهو من وجهة نظرى مصطلح أدق تعبير عن هذه الطائفة- أما هؤلاء القادمون من طبقات متوسطة أو ميسورة الحال تجدهم ينتمون فى الغالب إلى الإخوان وهو أمر بديهى، سأتناول هنا بعض التفسيرات الاجتماعية والنفسية بخصوص الوهابيين غير المستندين على أى قدر من الحماية الاجتماعية – جاه أو أسرة أو مال – فإنهم يجدون أنفسهم قد وصلوا إلى مكانة مميزة – حديثى هنا عن الأطباء يمكن أن ينسحب فى بعض نقاطه على عموم الفئات – وهو غير مستند إلى أى شيء فينشأ أمران، الأول هو ضرورة الاستناد إلى جاه فيحدث نكوص إلى الأوليات - المقدس / الدين -، الأمر الثانى وهو فى غاية الدلالة واللأهمية يكمن فى تكوين منظور عدائى تجاه المجتمع الذى لم يعطه حقه والذى ينعم فيه آخرون ربما لا يساوونه علما أو فكرا وهنا خطورة أن ينتمى شخص يحمل بذور التميز إلى تنظيم دينى لذلك تجدهم دوما قيادات وتجدهم أيضا فى غاية الشراسة، وذلك حادث مثلا مع الظواهرى وعبدالمنعم أبو الفتوح وشخصية اليوم محمد بديع المرشد الثامن لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة وعضو التنظيم الدولى للإخوان أيضا.. بلا شك. أفردت هذه النقطة بالتحديد للحديث عنها للتأكيد على خطورة الأمر، أن يتحول أشخاص متميزون فكريا أو عقليا إلى تيار منغلق فالمبتكر أو المتميز سيوجه كل آلات الإبداع نحو هدفه حتى لو مال الهدف أو مالت الأفكار وهو ما يهدد المجتمع، تصور أنك لو صوبت فوهة بندقيتك نحو هدف خشبى للتدريب وفجأة حولت اتجاه البندقية إلى أحد الواقفين بالقرب منك لتنطلق الرصاصة وترديه قتيلا.. إذا إما أن تقوى درجة إجادتك للتصويب لأداء عمل مفيد اجتماعيا وإما أن تنطلق لتؤذى أحدا. الملامح العامة والرئيسية فى الشخصية الإخوانية تحدثنا عنها كثيرا لكننى أفضل أن أوجزها هنا على سبيل الذكر فقط وهو أمر سيفيد لاحقا فى الحديث عن الأفعال المبنية على أبعاد نفسية فى الأساس فقد تحدثنا فى السابق عن طبيعة الشخصية الإخوانية وتحدثنا عن كونها مزيجا من الشخصيات البارنوية والسيكوباتية، النوع الأول دوما لديه حالة من جنون العظمة وإحساس عام بالاضطهاد وشك فى الآخرين بشكل مستمر ويتجلى ذلك بالنسبة للإخوان فى علاقتهم المباشرة وغير المباشرة بالمحيط الأكبر وهو المجتمع أعنى به الدولة بشكل عام – مصر بالنسبة لحالتنا تلك – أى أن المجتمع الإخوانى أو أفراده لا يثقون بأى صورة من الصور بالمجتمع الكبير وهو مصر ولا يندمجون فيه ويتعاملون معه باستمرار بشك وريبة كما أنه ينظر بحالة من الاستعلاء لهذا المجتمع ويتصور بشكل يكاد يكون ضلاليا – لايقبل النقاش او الخطأ على غرابته وبعده عن الحقيقة – أنه على صواب وأن الآخرين جميعا على خطأ ويتخيل أنه الأعلى من الجميع وأن الجميع فى درجة أدنى، بالنسبة للشخصية السيكوباتية فهى منفلتة هما وهدفها الأوحد هو الايذاء بل وتتلذذ أحيانا بهذا الأذى بشكل يصل بها إلى الانحراف الجنسى فى بعض المواضع لا مجال لذكرها الآن، الخلاصة أن هذا التكوين للشخصية الإخوانية يجعله شخص غير سوى اجتماعيا هذا بالنسبة إلى عموم الكوادر فما بالك بالقيادات والقيادات الكبرى وإذا تحدثنا عن المرشد فى زمن صعب للغاية على كل المستويات فما ترانا نجد من أذى أو ميل اليه؟ تحدثنا أيضا عن المكونات الاساسية للنفس وهى «الهو» أى مجموعة الغرائز الجامحة، و«الأنا» العليا وهى مجموعة القوانين الكابحة وتمثل السلطة الأبوية والمكون الثالث وهو الذات أو «الأنا» وينشأ صراع رهيب بين الغرائز والسلطة الأبويه ينتج عنه حاله من القلق العصبى يسحق النفس فتقوم النفس بمحاولة تكوين بعض الدفاعات أو الحيل للنجاة من هذا الانسحاق للاستمرار، الملفت هنا أن بديع كغيره من الإخوان يعيش نفس حالة الصراع، لكنه فى بعض الأحيان يمارس الدور الأبوى تجاه آخرين فيمثل هنا الدورين معا، وطبقا لعقدة أوديب نجد أن الإنسان يصارع الأب ويتمنى صرعه للفوز بالأم ويمنعه من تحقيق ذلك خوفه من الخصاء -الأذى النفسى -هنا الأمر الملفت بديع يمارس دور الأب القوى المسيطر على الجماعة فى حين أنه يمارس فى نفس الوقت دور الابن الخائف من الأب القوى وهو فى بعض الأوضاع يكون سلطة قوانين الجماعة أو الشاطر بما له من سطوة أو التنظيم الدولى أعنى هنا بالطبع الأب النفسى وأيضا وهذا مثير للاهتمام جدا تجاه الجيش أو النظام المباركى أو سمه ما شئت، سنأخذ هنا مشهدا لافتا فى أحد الحوارات التى أجريت معه قبل أحداث 25 يناير، يقول بديع أن مبارك أب لكل المصريين - لاحظ هنا لفظة الأب ليست عبثية أبدا - ثم انتقل إلى مشهد يكمل الصورة وهو مشهد وصوله إلى اعتصام رابعة العدوية متخفيا فى نقاب وصعوده على المنصة والبدء فى التهديد والوعيد للجيش وللسيسى ولما اسماه بالانقلاب العسكرى والجميع ينظر له مشدوها ينظرون إلى الأب - بديع- يتوعد الطائرة المحلقة من بعيد والتى تصور المشهد والتى قرر قائدها فجأه الاقتراب بشدة من المشهد، هنا تلعثم بديع وأخذ يتحدث - بطريقة تخالف تماما ما كان يذكره من تهديد وويل وثبور للجيش - عن أن عداءه ليس للجيش وصراعه ليس مع الجيش لأنه مؤسسة وطنية لو ربطت رمزية مبارك /الأب والجيش / الأب الذى يتكرر ذكر حمايته للثورة فى كل حين وعلاقة بديع بشخصه وموقعه ستتضح لك الأمور بشكل جلى. ونكمل مع تفاصيل أخرى فى الجزء الثانى.