أنحنى لأقبل يديها الكريمتين، و فى الخلفية كلمات صلاح جاهين البسيطة العميقة، بصوت السندريلا المرح: علشانك انهاردة الدنيا كارت معايدة ملا الربيع اركانها بمليون ألف وردة قد لا أكشف سراً حين أعترف أن حرصى الدائم على تقبيل يديها يحمل فى طياته سعادة ذاتية كبيرة… نعم، هو قبل ذلك و بعده تقدير و إجلال لهذه السنوات المتراكمة من العطاء اللامحدود و الرعاية المتميزة و إنكار الذات و الصبر و المثابرة، إضافة الى الحرص على تجاوز مسؤلية التربية و التعليم التقليدية الى رسم تفاصيل شخصية الأبناء بريشة شديدة الدقة و الخصوصية. لم تترك جانبا واحدا من ملامح تنمية الشخصية و تَميُّزها إلا و اعتبرته أساسيا: الدين، الأخلاق، العلم، الرياضات المختلفة، اللغات، القراءة، حب الجمال و الطبيعة، تذوق الفنون الراقية – باختصار، غذاء الروح و العقل و الجسد و القلب… و لكن تبقى لذة هذه السعادة الذاتية مصاحبة لى فى كل مرة أقبل فيها يديها: يغمرنى شعور بالأمان و الطمأنينة و الرضا و السعادة، تغلفه نشوة اقتناص نصيب أكبر من الَبَركة: بَرَكة سيل دعواتها المتدفق، الذى يفتح أمامى أبواب الأمل و السكينة، فاعيد الكَرَّة طلباً للمزيد.. و أدعو: اللهم لا تحرمنى نعمة تقبيل يديها ابداً، و نعمة رضاها يا رب العالمين، و أسألك سبحانك بفضلك و كرمك أن تبسط على والدتي من بركاتك ورحمتك ورزقك و عفوك و عافيتك.. هذا العام، و مع ما يحمله هذا اليوم من مشاعر الامتنان و العرفان للأم، يحمل أيضاً لافتة كبرى كُتِب عليها (كى لا ننسى)… لنتوقف فى غمرة هذه المشاعر أمام ما يحمله هذا اليوم لأمهات شهداء الثورة الذين سقطوا خلال عامها الأول. منهن من تمر عليها اليوم الذكرى الأولى لحرمانها من قبلة فلذة كبدها فى هذه المناسبة، و منهن من تتجرع هذه المرارة للسنة الثانية على التوالى. ما أقسى هذا اليوم عليهن، و هن يتخيلن الأبناء يحملوا الهدايا و يقبلوا اياديهن طالبين رضاهن و بركة دعواتهن. كلهن يسمعن صدى سؤالهن: من حرمنى من حقى فى احتضان زهرة عمرى فى يوم عيدى؟ مشاعر تزداد قسوتها مع واقع مرير يؤكد أن القصاص يبدو أملا بعيد المنال، و أن القتلة مازالوا طلقاء. لا نملك أمام عجزنا عن تقديم أى شىء يخفف عن هؤلاء الأمهات وطأة هذه المرارة إلا أن نذكرهم بمرتبة الشهداء عند الله سبحانه و تعالى، و أن نعيد التأكيد على أن ما فعلوه سيبقى تاجاً على رؤسنا جميعاً و مسؤلية نتمنى أن نكون على قدر تضحياتهم من أجلها… أيتها الأمهات الفضليات، قد تخذلنا الكلمات و لا تسعفنا فتعبر عن كل ما نحمله لكم، فقط نرجو أن تتقبلونا أبناءاً لكم، و أن تتقبلوا تهنئتنا و دعواتنا لكم فى هذا اليوم. و أخيرا، أعتقد أنى اتحدث بلسان الجميع و أنا أهمس فى أذنك يا أمى… قد تختلف اللغات و تتنوع المفردات و تتفاوت التعبيرات، و لكن تتشابه المعانى و تتطابق المشاعر: والدتى.. سيدتى.. مولاتى