عمرو خفاجى المؤشرات المبدئية للنتائج الانتخابية الرئاسية، لا تحمل أى جديد أو مفاجآت، فكل ذلك معروف ومعلوم سلفا، بما فى ذلك النسب المئوية للمرشحين وللأصوات الباطلة، ومن يُرِد أن يتأكد من ذلك فعليه العودة لتحليل بيانات نتائج انتخابات المصريين فى الخارج، كما أن الاكتساح للمرشح عبدالفتاح السيسى كان متوقعا حتى قبل أن يعلن ترشحه، وغالبا هذا ما دفع الكثيرين من عدم الترشح فى مواجهته، وأعتقد أن المرشح حمدين صباحى كان يعرف جيدا قوة منافسه، ورغبة المصريين فى تفويضه لقيادتهم خلال هذه المرحلة الحرجة، كما أعتقد أن جميع الأرقام التى حققتها هذه الانتخابات، هى بالضبط الطاقة القصوى لتصويت المصريين. وقد ذكرت قبل يومين فى هذا المكان، أن نصف من لهم حق التصويت غير موجدين على الخارطة الانتخابية، وبالتالى نحن نتعامل مع ما يقرب من 27 مليون ناخب، وهو رقم شديد الضخامة قياسا بعدد المشاركين فى أى استحقاقات انتخابية كانت تجرى قبل يناير 2011، وبالتالى نحن لدينا (فى أحسن الأحوال) ما يقرب من مليونى ناخب معترضين صمتا على هذه الانتخابات، وأكثر من مليون ناخب اعترضوا بإبطال أصواتهم، وهو التقدير الكلى الخالص لأصوات جماعة الإخوان وتيارات الإسلام السياسى وقوى المعارضة المتشددة، ولا أبالغ لو قلت إن كل ذلك كان متوقعا ومحسوبا، بل وكانت الغالبية من الناخبين فى انتظاره. ورغم كل ذلك، رغم منطقية الأرقام.. رغم توقعها، يبقى حصول المرشح عبدالفتاح السيسى على أكثر من 23 مليون صوت رقما صادما على المشهد الانتخابى، وعلى جميع أطرافه، وأولهم المرشح عبدالفتاح السيسى، فكيف سيواجه هذا الرجل هذه الثقة وهذا التفويض، كما أن هذا الرقم يجب ألا يفرح الرجل أو يذهب به للغطرسة أو للغرور بقدر ما يدعوه لاستيعاب صعاب دلالاته، وتفاصيل مهمته، التى صارت أكثر صعوبة. إن هذا الرقم (23 مليون صوت) فى تقديرى يضع الرجل فى مأزق حقيقى، أعانه الله على مواجهته، وعلى الخروج منه، لأن فى تقديرى أيضا، أن ملايين الأصوات ذهبت إليه ثقة فى قدراته على تأمين الحاضر وبلوغ المستقبل كما يحلم الشعب، كما ذهبت إليه هذه الأصوات لاعتقاد كثير من البسطاء أنه البطل والزعيم والملهم والمخلص، بالرغم من أن أول خطوات نجاح السيسى أن يدرك أنه ليس البطل ولا الزعيم ولا الملهم ولا المخلص، وإنما المفوض بإدارة بلاد كانت على شفا الانهيار والانكسار والفوضى، وتنتظر التخلص من كل ذلك، والتقدم نحو التماسك والثبات والاستقرار. من دون لف أو مواربة، أو الدخول فى تعقيدات قراءة الأرقام الأولية ودلالتها، إن هذه الثقة المفرطة من الناخبين فى شخص عبدالفتاح السيسى، ما هى إلا سيف بتار على رقبته، سيف ذو نصل حاد، لن يرحم تخاذل أو انحراف صاحب الثقة، إن حالة الاكتساح التى هيمنت على الانتخابات الرئاسية ما هى إلا مأزق عظيم وقع فيه السيسى قبل أن يبدأ مهمته، مأزق لا يمكن تجاوزه إلا بإنجازات تستطيع أن تطاول قامة الرقم المذهل الذى هو تقريبا يساوى ما حصل عليه المرشحون مجتمعين فى انتخابات رئاسة 2012، أى أن من كانوا فى أقصى اليسار ذهبوا إليه ومن كانوا فى أقصى اليمين ذهبوا إليه، ومن كانوا بينهما أيضا ذهبوا إليه، فأين سيذهب السيسى مع كل هؤلاء؟ فعلا أعانه الله على هذا المأزق، الذى هو أيضا مأزق الناخبين الذين تصرفوا بعاطفة ورومانسية غير مسبوقة (أقرب إلى الحماقة) فى واقع سياسى ثورى.