يظل بناء الإنسان هو الهدف الاستراتيجي للدولة المصرية، فالدول لا تصنع قوتها بمشروعات البنية التحتية فقط – رغم أهميتها – بل عبر تشكيل عقل واعٍ، وروح منتمية، ومواطن قادر على المشاركة الفاعلة فى صناعة المستقبل. ولهذا اختارت مصر أن يكون الإنسان هو محور مشروعها الوطني. منذ 2018 وخلال كلمة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي أمام البرلمان عقب أداء اليمين الدستورية أكد أنه يؤمن أن كنز أمتنا الحقيقي هو الإنسان ويجب بنائه بشكل كامل، مشددا على أن ملفات التعليم والصحة والثقافة على رأس أولوياته. ففي زمن تتدفق فيه المعلومات من كل اتجاه، وتتشابك الحقيقة مع التزييف، أصبح الوعي ليس رفاهية فكرية، بل ضرورة.
الدولة المصرية تدرك أن مجتمعا بلا وعي يتحول إلى فريسة سهلة للشائعات والتحريض وخطابات الكراهية، ولهذا تعمل على تعزيز ثقافة التفكير النقدي، وإتاحة المعلومات، وتطوير الإعلام، وتحديث الخطاب الديني، لتكوين مواطن قادر على الفرز والفهم واتخاذ القرار. ولا يوجد مشروع وطني يكتمل دون تعليم قوي؛ كما أن الدولة المصرية قطعت شوطًا كبيرًا فى إعادة هيكلة المنظومة التعليمية، عبر تحديث المناهج، وتطوير البنية التكنولوجية، والاعتماد على الميكنة والاختبارات المعتمدة على الفهم لا الحفظ. الهدف ليس مجرد "طالب ينجح"، بل جيل يفكر ويبتكر، ويملك أدوات العالم الجديد، الذكاء الاصطناعي، البرمجة، الرقمنة، واللغات. خلال الأسبوع الماضي حرص الرئيس على حضور اختبارات كشف الهيئة لطلبة الكليات العسكرية بالأكاديمية العسكرية، ليدير حوارا مع الطلبة المتقدمين للكليات العسكرية.. حوار من القلب يرسخ مبادئ، ويؤكد على مسارات اتخذتها الدولة المصرية، ويشرح رؤية تعمل عليها لمواصلة بناء الدولة والنهوض بها لاستكمال المشروع الوطني المصري، لبناء دولة قوية قادرة على مواجهة التحديات تبنى مستقبل أفضل لأبنائها. (1) الرئيس خلال حواره مع الطلبة أشار إلى عدة رسائل هامة: إن اختيار العناصر للالتحاق بالكليات العسكرية يتم وفق معايير علمية دقيقة تتميز بالشفافية والموضوعية والتجرد ليحقق توفير فرص متكافئة ومتساوية للجميع، من خلال منظومة مميكنة، بما يحقق انتقاء عادلاً إلى أقصى درجة. ما يقدم فى كلية الطب العسكري يضاهي مستوى التعليم فى أفضل كليات الطب العالمية، وخريجوها ينافسون خريجي أفضل جامعات العالم، نتيجة المستوى المتقدم للغاية من المناهج والتعليم والتدريب الذي يحصل عليه طلبة الكلية. فقد حصل فريق البحث العلمي لكلية الطب بالقوات المسلحة على الميدالية الذهبية وترشيحه ضمن أفضل الفرق تحقيقاً لأهداف التنمية المستدامة فى المسابقة العالمية للهندسة الوراثية (IGEM) التي أجريت فعالياتها بالعاصمة الفرنسية باريس نوفمبر 2025، وذلك بمشاركة أكثر من 5 آلاف طالب يمثلون 415 فريقاً بحثياً من أكثر من 50 دولة على مستوى العالم، وتتنافس فيها الفرق المشاركة على استخدام أحدث تقنيات الهندسة الوراثية لإيجاد الحلول العلمية المبتكرة للمشكلات التي تواجه عالمنا المعاصر فى مختلف المجالات. بعد أن نجح الفريق فى إثبات نظرى ومعملى لكفاءة نوع بكتيريا معدل جينياً يستطيع مريض الربو تناوله من خلال بخاخ يستخدم مرة سنوياً إستناداً على نتائج المحاكاة المعملية، وتم عرض مدى ملائمة الفكرة وواقعيتها العلمية وإمكانية تطبيقها، وسط إشادات واسعة من المحكمين بأهمية المشروع البحثي الذى يمثل خطوة على طريق اكتشاف علاج يسهم فى التخلص من مرض يعانى منه ملايين البشر. شدد الرئيس على أهمية اتخاذ كل ما يلزم من إجراءات لتحسين الصحة العامة لدى المواطنين خاصة فيما بين الشباب. مع العمل على مواجهة البطالة من خلال المزيد من المشروعات التي ساهمت بشكل كبير فى انخفاض حجم البطالة. وتوجد خطة وطنية طموحة لتطبيق التحول الرقمي فى كل محافظات الدولة وفقا للقدرات والإمكانيات المتاحة. مصر دولة تحرص على الاستقرار لأنه لا توجد تنمية بدونه وتعمل على إيجاد حلول سياسية لكافة الأزمات فى المنطقة سواء فى السودان أو اليمن أو فلسطين أو لبنان أو ليبيا من أجل تحقيق الاستقرار لصالح شعوب تلك الدول ودون تدخل فى الشئون الداخلية لها. وهذه الجهود مقدرة من كافة دول العالم التي تشيد بدور مصر فى تحقيق الاستقرار فى منطقتها. لقد خسرت مصر حوالي 8 مليارات دولار من إيرادات قناة السويس على إثر الهجمات التي تعرضت لها السفن التجارية فى البحر الأحمر فى السنوات الماضية. الرئيس أكد أن ما قام به بشان الانتخابات البرلمانية هو بمثابة "فيتو" اعتراضاً على بعض الممارسات لعدم رضائه عليها، مشددًا على رغبته فى اتمام كل الأمور على خير وجه وهو ما يتماشى مع رغبة الشعب المصري، موضحًا فى هذا الصدد أن مصر كانت على حافة الهاوية عام 2011، وأنه يسعى منذ تولى مهام منصبه عام 2014 إلى اتمام الأمور بالشكل الأمثل وتغيير الوضع للأفضل، إلا أنه يتعين لإتمام ذلك أن يكون لدى الجميع القناعة والإرادة لتحقيق هذا الغرض، مشدداً على ضرورة مواصلة السعي والإصرار على التغيير وتحسين الوضع للأفضل، مؤكدا على أن هذا الهدف سوف يتم بفضل الله وعمل المصريين، وأنه سوف يمنع أية معوقات أمام تحقيق هذا الهدف. وحول مدى قدرة الدولة المصرية على تحقيق اكتفاء ذاتي فى السلع الأساسية وتوفيرها بأسعار مناسبة؛ أكد الرئيس السيسي أن عام 2026 سوف يشهد دخول 4.5 مليون فدان إلى مجمل مساحة الأرض المزروعة فى مصر التي تبلغ حاليا حوالي 9 ملايين فدان، موضحًا أنه لا يمكن عمليا تحقيق الاكتفاء الذاتي من كل السلع الأساسية، أخذًا فى الاعتبار أن 95 % من مساحة مصر هي أرض صحراوية، فضلاً عن تعداد سكان مصر الحالي، مشددا على أهمية ترشيد الاستهلاك فى مصر من السلع الأساسية قدر الإمكان. وخلال لقائه حاملي درجة الدكتوراه من دعاة وزارة الأوقاف الذين سوف يلتحقون بالأكاديمية العسكرية المصرية فى دورة علمية تستغرق العامين، كانت رسالة الرئيس أن عدد ساعات الدراسة التي سوف يحصل عليها هؤلاء الدارسين فى الدورة (10- 12 ساعة يومياً) تفوق عدد الساعات اللازمة للحصول على درجة الدكتوراه، مما يؤهل الحاصلين على تلك الدورة للحصول على درجة أكاديمية رفيعة تتجاوز درجة الدكتوراه. وهو ما يجعلنا نستهدف من تلك الدورة تحقيق استنارة حقيقية، وإعداد علماء ربانيين مستنيرين مفيدين لوطنهم، ومجابهة التخلف والتطرف والغث، وزيادة الفهم وتحقيق بناء عقلي جامع مختلف عن كل العقول السابقة، مع أهمية الاهتمام باللغة العربية كونها سوف تساعد على الفهم الصحيح للدين، مع إمكانية السعي كذلك لإتقان اللغات الأخرى. وأن يكون هؤلاء الائمة حراسا للحرية، بما فى ذلك حرية الاعتقاد، مؤكداً أنه ضد التخريب والتمييز أيا كان شكله. الرسائل التي جاءت فى لقاء الرئيس السيسي بالطلبة المتقدمين للالتحاق بالكليات العسكرية وكذا الأئمة من الحاصلين على درجة الدكتوراه هي رسائل للشعب المصري. (2) خلال الأسبوع الماضي شرفت بحضور المرحلة النهائية للتدريب المشترك ميدوزا 14 الذي جرى فى مسرح عمليات البحر المتوسط وبالتحديد قاعدة محمد نجيب العسكرية ومنطقة العميد. التدريب المشترك ميدوزا 14 أصبح من أهم وأقوى التدريبات العسكرية فى حوض البحر المتوسط بل والشرق الأوسط، كونه يتطور بشكل متسارع وتتزايد اعداد الدول المشاركة فى التدريب ففي هذا العام كان عدد الدول المشاركة بقوات 5 دول (مصر اليونان قبرصفرنسا السعودية) بالإضافة إلى 12 دولة مشاركة بصفة مراقب. لا يعتبر التدريب المشترك ميدوزا 14 تدريبا دوريا فقط، بل ركيزة مهمة فى تعزيز الاستقرار وبناء قدرة قتالية متكاملة بين مصر والشركاء، كما يساهم فى تعزيز التعاون العسكري وتبادل الخبرات بين الدول المشاركة. كما يعمل على دعم العلاقات العسكرية والدبلوماسية بين الدول المشاركة عبر تنفيذ تدريبات واقعية. التدريب جمع بين القوات البحرية والجوية، والقوات الخاصة، والقوات البرية وضم سيناريوهات معقدة: حماية خطوط ملاحة، هجوم على سواحل معادية، بحث وإنقاذ، عمليات "زيارة وتفتيش" لسفينة مشتبه بها، وطلعات جوية ومدفعية، وإبرار بحري والذي يعد من أعقد وأهم العمليات العسكرية. هذه العمليات متعددة الأفرع تحاكي مواجهة فعلية، ما يمكن القوات من التعامل مع تهديدات متنوعة بفعالية. وفى ظل تداعيات الأزمات الإقليمية وتأثر الملاحة البحرية والأمن البحري بالاضطرابات، يظهر ميدوزا 14 كأداة استراتيجية لضمان أمن المنطقة. كما يرسل التدريب رسالة مفادها أن هناك قدرة مشتركة للتصدي لأي تهديد، ما يعزز من الاستقرار الإقليمي ويدعم سلام الملاحة والتجارة عبر البحر المتوسط. إن تنفيذ تدريب بهذه الاحترافية وهذا العدد من القوات الذي بلغ 2000 مقاتل والتنسيق بينهم فى تنفيذ المهام يكشف قدرة مصر وقوتها. إن نجاح القوات البحرية المصرية فى تنفيذ عملية إبرار بحري من خلال حاملة المروحيات أنور السادات ضمن أعمال التدريب لتنفيذ مهمة على الشاطئ للقوات البرية والقوات الخاصة والتي تعد من أعقد العمليات لهو دليل على احترافية المقاتل فى تنفيذ المهام. إن تنفيذ مثل تلك التدريبات يعزز من جهازية القوات للتعامل مع كافة السيناريوهات، كما يساهم فى نقل الخبرات بين القوات المشاركة. (3) تنطلق هذا الأسبوع الدورة الرابعة للمعرض الدولى للصناعات الدفاعية إيديكس 2025 والذي أصبح من أهم وأكبر معارض الأسلحة الدفاعية فى منطقة الشرق الأوسط والعالم لما شهد من تطور كبير خلال الدورات الثلاث الماضية من عدد الصفقات واللقاءات التي تعقد خلال المعرض. المعرض هذا العام سيشهد أكثر من 450 عارضا من 50 دولة تعرض أحدث ما لديها من الصناعات العسكرية وهو ما يساهم بشكل كبير فى التعرف على أحدث الأسلحة كما يساهم فى تعريف العديد من دول العالم بالتطور الذي شهدته الصناعات الدفاعية فى مصر، وهو ما ستعرضه الهيئة العربية للتصنيع ووزارة الإنتاج الحربي وعدد من الإدارات الأخرى. معرض إيديكس هذا العام تنظمه شركات مصرية دون الاعتماد على شركات أجنبية كما حدث فى النسخ الثلاث السابقة. يساهم المعرض فى إتاحة الفرص لتوطين الصناعات فى مصر من خلال الاتفاقيات التي تعقد مع العديد من الشركاء الدوليين، وعرض الإمكانيات المتاحة لدى قطاع الصناعات العسكرية المصرية. سيشهد المعرض هذا العام عرضا للتطور الكبير الذي حدث فى صناعة المسيرات ونظم القيادة غير المأهولة. إن النسخة الجديدة من المعرض الدولي للصناعات الدفاعية 2025 تعد بمثابة نقلة نوعية فى المعارض العسكرية تضع مصر فى مصاف الدول الكبرى فى تنظيم مثل تلك المعارض المتخصصة.