لا يمكن للإنسان أن يحيا على الأرض متدنيًا وقد أعلاه الله قدرًا، وميزه خلقا، إنها البشرية عندما تتهاوى فى درك أرادته لنفسها فكان لها الشقاء قرينا، والضياع رفيقا.. نحن لم نُخلق لنأكلَ ونتكاثر وينقضى أجلنا كما الدواب، حين تسعى هائمة دون هدف تحدده، أو سبيل يخط لها وجهة، تدرك فيها ما من أجله خُلقت.. فحياة الإنسان لا بد وأن تكون على هيئة تتناسب مع ما خصه الله واصطفاه به عن سائر مخلوقاته جمعاء.. فكيف تكون حياة الإنسان بدون هدف أو قضية - وهما مترادفتان لُغويتان يؤديان المعنى نفسه - اللذين يرتقى بهما الإنسان ويعلو قدره، بالتأكيد ستكون فارغة لا معني لها ولا قيمة.. وقد قيل فى نوادر الحكم «الحياة مبادئ.. ابحث عن مبادئك تجد حياتك». ونحن نقول «ابحث عن قضيتك تجد حياتك», «ابحث عن هدفك وهويتك تجد حياتك» فلا معنى لمن يحيا دون هدف يصرف همه نحوه باستماتة وإصرار لتحقيقه، ولا قيمة لحياة المرء دون قضية نبيلة يعارك أسباب الوصول دفاعًا عنها، فهذا هو الإنسان فى أجلى صوره.. وما حكى لنا التاريخ فيما حكاه إلا عن عظماء أناروا عتمة الجهل فى مجتمعاتهم التى عاشوا بين أهلها الذين أضاءوا ليس زمانهم فحسب، بل أناروا لنا حياتنا ، بأمثلة تحتذى فى الاقتداء بهم والسير على نهجهم بما قدموا للإنسانية من عطاء ذاخر طال حياة الناس، ولِمَ لا وقد كرَّسوا حياتهم من أجل أن ينعم غيرهم.. فمنهم الذين واجهوا الطغيان والظلم والجبروت، بأفكارهم التى كانت أسلحة فتاكة، تهاوت على إثر ضرباتها قلاع الجهل والتخلف، إنهم الذين أخذوا على عاتقهم أن تسري حياتهم بهدف أو قضية ينهمكون فيها.. وليست القضية فى المعنى محصورة فيما ينشده الوطنيون أصحاب دعوات التنوير فحسب، بل إن مفهوم القضية وتحديد الهدف ينسحب على هذه الأم التى تسهر على رعاية أبنائها وتربيتهم وتنشئتهم على الأخلاق والفضائل، حتى يتحول الأبناء إلى عناصر دفع للمجتمع والوطن نحو الأمام، فتلك الأم وهى المرأة التى رصدت هدفا نبيلا لرفعة مجتمعها، تحمل قضية.. كذلك الحال بالنسبة للطالب المثابر القائم على دروسه بجد واجتهاد، وقد رصد هدفا لمستقبله بأن يكون طبيبًا أو مهندسًا أو قائدًا، فهو فى سعيه ذاك صار يحمل قضية تمتد آثارها على من حوله بالنفع حين يكون عطاؤه من خلال علمه لوطنه.. على نفس الدرب يكون الشاب الذى ارتبط بفتاة وقام بخطبتها وهو معسر الحال ويرجو تحقيق حلمه فى إتمام زواجه ممن أحبها وأحبته، وراح يصارع الظروف القاسية لتحقيق هدفه النبيل، عندما يكون زواجه التربة الخصبة التى توضع فيها البذرة الطيبة، ومن ثمَّ تكون الثمرة فى ذرية صالحة تسعى إصلاحًا فى الأرض، ذلك الشاب إنما يحمل قضية.. والإعلامى حين يتخطى حدود الأداء التقليدى فى وظيفته ليتحول إلى داعية للأخلاق ومحفز للمبادئ وناشر للتوعية بل ويتحرى بدقة صحة وحقيقة ما ينشره، وكأنما هو جندى يدافع عن وطنه من هذا الثغر المهم الإعلام والذى هو من أخطر الثغور فى حروب الجيل الرابع، إنما يحمل قضية.. نعم كل هؤلاء ومن على خطاهم قد أدركوا أن الحياة لا معنى لها دون حمل قضية ما، والمثابرة على صعابها ومشاقها، وهؤلاء أرادوا لحياتهم بعدًا أعظم من شاهدها المألوف لدى الكثيرين ممن لا يكترثون بالمعانى والأهداف السامية.. فما أجمل أن يكون لك هدف فى هذه الحياة تسعى لتحقيقه، وقضية تحارب من أجلها، فالذى يحيا من دون قضية أو هدف فقد انسلخ من وجدانه جزء أصيل من تعريفه كإنسان اصطفاه الله سبحانه وتعالى عن سائر مخلوقاته.. وكمْ من عيون ساهرة تحمى حدود الوطنِ وتذود عنه بالدماء، فتبقى الأوطان قوية شامخة ما بقى رجال يفدونها فداءً لا خوف فيه ولا تردد ولا وجل، هؤلاء يحملون أسمى القضايا وهى قضايا أمن الوطن وأمانة.. لقد سار هؤلاء جميعا فى حياتهم وهم يرمقون هدفا ساميا يرجون بلوغه وإدراكه، هدفا حددوه فتحولت به حياتهم لمسار، تحكم فى أفعالهم ونهجهم فى شتى مناحيها، فمنهم من انقضى أجله قبل إدراكه الهدف، فأتى من هو على دربه ليتم هدفه الذى هو قضية سامية يتبارى الجهد فيها عزما وثباتا وإصرارًا حتى النصر، وقد حق قول الله تعالى فيمن نذر حياته لقضية يكون فيها مدافعا عن وطنه چ? ?? ? ? پ پ پپ ? ? ? ? ? ? ?? ? ? ? ? چ صدق الله العظيم