أزمة دبلوماسية غير مسبوقة تعيشها السعودية ولبنان، على خلفية قرار المملكة بوقف المساعدات العسكرية للجيش اللبنانى بسبب مواقف لبنانية مناهضة لها، القرار السعودى أثار ردود فعل غاضبة داخل المكونات السياسية اللبنانية وعلى مستوى دول مجلس التعاون الخليجى، ورفع من جديد حرارة مناخ الانقسام السياسى والمذهبى على الساحة اللبنانية، إلى حد بات يهدد بتمدد التداعيات فى أكثر من اتجاه، وصولا إلى الشارع المحتقن. ولعل من أهم التساؤلات التى تلت «العقاب» السعودى للبنان، ما يتعلق منها بدلالات وقف العمل بالهبة، فهل ما جرى مؤشر إلى أن المظلة الإقليمية والدولية التى قيل إنها تحمى الحد الأدنى من الاستقرار اللبنانى قد ثقبت، فهل قررت الرياض توسيع جبهة المواجهة مع إيران وحلفائها لتبلغ لبنان، بعد تحييده نسبيا طيلة الفترة الماضية؟ كما فتح الباب أمام سيناريوهات عديدة لمستقبل لبنان المرهونة ارادته بالمواقف الإقليمية لاسيما السعودية وإيران، فالأزمة السعودية اللبنانية تأتى فى إطار الصراع السعودى – الإيرانى، والذى تعد لبنان ساحة خلفية لهذا الصراع، فإيران تدعم حزب الله اللبنانى الشيعى للسيطرة على الأمور فى لبنان، فيما تدعم المملكة العربية السعودية التيار السنى هناك، وتقدم الدولتان إمدادات المال والسلاح بغية تثبيت أقدام حلفائهم فى لبنان. المنحة العسكرية السعودية البالغة 4 مليارات دولار، جاءت بعد اتفاق الرياض وباريس فى ديسمبر2013 على صفقة لشراء أسلحة فرنسية بقيمة 3 مليارات دولار لصالح الجيش اللبنانى، يضاف إليها مليار دولار آخر أعلن عنه رئيس الوزراء اللبنانى الأسبق، رفيق الحريري، وقال إنه هبة سعودية لصالح قوات الأمن الداخلى والجيش اللبنانى من أجل مواجهة قوى التطرف التى تؤرق قوات الأمن داخل الأراضى اللبنانية، وبررت السعودية قرارها بأنها تقابل بمواقف لبنانية مناهضة لها على المنابر العربية والإقليمية والدولية فى ظل مصادرة ما يسمى حزب الله اللبنانى لإرادة الدولة، كما حصل فى مجلس جامعة الدول العربية وفى منظمة التعاون الإسلامى من عدم إدانة الاعتداءات السافرة على سفارة المملكة فى طهران، وفى ظل استمرار هجوم حزب الله وأمينه العام حسن نصر الله وأعضائه ووسائل الإعلام المحسوبة عليه، على السعودية وخاصة دورها فى حرب اليمن والأزمة السورية، وقالت إن القرار اللبنانى صار «رهينة فى يد قوى أجنبية خارجية» فى إشارة إلى إيران. وأثار القرار السعودى ردود أفعال داخل الساحة اللبنانية، فرد الفعل اللبنانى الرسمى على قرارالسعودية، أبدى حرصه على العلاقة بين لبنانوالرياض، و محملا حزب الله مسئولية قرار المملكة الذى اتخذته، وكلف مجلس الوزراء رئيسه تمام سلام إجراء الاتصالات اللازمة مع قادة المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجى تمهيدًا للقيام بجولة خليجية على رأس وفد وزارى لبنانى لهذه الغاية ووزارة الخارجية اللبنانية، قالت إنها حريصة على علاقتها «التاريخية العميقة» مع السعودية، وشددت على «أهمية أن تتفهم السعودية تركيبة لبنان وظروفه، وموجبات استمرار عمل حكومته واستقراره»، فى إشارة إلى الخلافات السياسية بين فريقى «14 آذار» المؤيد للسعودية و«8 آذار» الذى يتزعمه تنظيم «حزب الله» اللبنانى المؤيد لإيران. وناشد رئيس الوزراء اللبنانى الأسبق، سعد الحريرى، الملك سلمان بن عبدالعزيز، عدم التخلى عن جمهورية لبنان، والاستمرار فى دعمه، واحتضانه، مؤكدا أن الإساءة للسعودية تعنى الإساءة للبنان، وإن أى إهانة توجه للسعودية سنردها لأصحابها، وأن «من يتهجم على السعودية لا ينطق باسم لبنان»، وأكد الحريرى أن «الأيادى البيضاء» التى قدمتها السعودية ودول الخليج إلى لبنان لإعادة الإعمار وإعطاء فرص العمل، واحتضان أبنائه على مدى العقود الماضية، واصفا المواقف والأصوات التى استهدفت السعودية ومكانتها فى لبنان أنها أصوات «نشاز» لا تريد سوى تشويه صورة السعودية لصالح إيران، كما شدد الحريرى على أن «أحدا لن يتكمن من إلغاء عروبة لبنان»، مضيفا «لن نسمح أن نسلِّم لبنان لمشروع الفتنة وتقسيم المنطقة». وفى المقابل اعتبرحزب الله اللبنانى، القرار السعودى غير مفاجىء لأحد بلبنان، وأن المسئولين المعنيين فى الحكومة والوزرات المختصة والمؤسسة العسكرية وإدارات القوى الأمنية كانوا على إطلاع تام بأن هذا القرار قد اتخذ منذ فترة طويلة، وهذا أمر متداول على نطاق واسع وترددت أصداؤه عدة مرات فى كثير من وسائل الإعلام المحلية والعالمية.