رغم تراجع الدور الأمريكى فى السياسة العالمية إلا أن الكثير من صفحات المستقبل مازالت سطورها تكتب فى واشنطن، ومازال دور الجالس على المكتب البيضاوى مؤثرًا بتدخله سلبًا أو إيجابًا فى كثير من قضايا العالم، وبخاصة فى الشرق الأوسط.. فكثير من نكباتنا ومصائبنا صناعة أمريكية. وبعد 48 ساعة فقط يحل موعدنا مع «الثلاثاء الكبير» حيث تجرى الانتخابات التمهيدية فى 10 ولايات دفعة واحدة قد تحسم نتيجتها بشكل كبير سباق الترشح فى انتخابات الرئاسة الأمريكية. فيخوض المرشحون فى المعسكرين الجمهورى والديمقراطى معركة شرسة للفوز فى الانتخابات التمهيدية التى يتم إجراؤها فى الولايات المختلفة حتى يونيو القادم، لتنتهى بفوز مرشح واحد يمثل كل معسكر، يتم إجراء الانتخابات الرئاسية بينهما فى الثامن من نوفمبر القادم. وبنظرة سريعة على الجولات الثلاث التى تمت حتى الآن نجد أن المعسكر الديمقراطى أكثر وضوحًا فى الرؤية، فقد فازت هيلارى كلينتون بجولتين فى أيوا ونيفادا، وفاز منافسها بيرنى ساندرز فى نيوهامبشير، الأمر الذى يجعل المنافسة بين المرشحين تحتدم بشكل كبير فى محاولة لكسب تأييد الولايات العشر فى معركة «الثلاثاء الكبير»،أما فى المعسكر الجمهورى فما زالت كثرة عدد المرشحين تلعب دورًا فى تفتيت الأصوات بينهم. ففى الجولات الثلاث الماضية حل السيناتور تيدكروز أولًا فى ولاية تكساس، وتراجع الملياردير دونالد ترامب للمركز الثانى، وجاء سيناتور فلوريدا ماركو روبيو فى المركز الثالث. وفى نيوهامبشير احتل ترامب المركز الأول، وحل حاكم أوهايو جون كاسيك ثانيًا، والسيناتور تيدكروز ثالثًا، وجاء جيب بوش رابعًا، وماركو روبيو خامسًا. وفى الجولة الثالثة فى ساوث كارولينا فاز ترامب بالمركز الأول، وسيناتور فلوريدا ماركو روبيو ثانيًا، وتيدكروز فى المرتبة الثالثة. ترامب فاز فى جولتين وحل ثانيًا فى واحدة، وهو ما يجعله الأوفر حظًا قبل «الثلاثاء الكبير» للفوز بلقب المرشح الرسمى عن الحزب الجمهورى ولا يمكن تجاهل ترامب المتفوق على بقية المرشحين الجمهوريين، فهو بلا شك مختلف عن الآخرين.. فهو المرشح الذى يتكلم بلا رقابة.. وأثارت تصريحاته العالم ضده وجلبت عليه اللعنات، فعندما أراد ترامب منع المسلمين من دخول أمريكا وصفه رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون بأنه «مسبب للخلاف وغبى ومخطئ». وعندما أراد بناء جدار لمنع المهاجرين المكسيكيين من دخول أمريكا وصفه رئيس المكسيك بأنه «شنيع وجاهل وغير مسئول» ووصفه البابا فرانسيس بأنه «ليس من شيم المسيحية»، حتى شريكه السابق الأمير الوليد بن طلال وصف ترامب بأنه «عار»، الوحيد الذى مدحه كان الرئيس الروسى بوتين الذى وصفه ب «الرجل الموهوب متعدد الأطياف». وترامب الذى يبلغ عامه السبعين فى يونيو القادم، وتقدر ثروته ب 4 مليارات دولار،يقدم نفسه على أنه مدير عظيم ويقدر على إدارة أمريكا بنجاح، ترامب الذى درس الاقتصاد فى كلية وارتون التابعة لجامعة بنسلفانيا، وهو أيضًا كاتب ناجح حيث تصدر كتابه «فن إتمام الصفقة» المبيعات فى أمريكا وزاد من نجاحه تقديمه لبرنامج «المبتدئ» على قناة «NBC»، وهو واحد من الشخصيات الأعلى أجرًا تليفزيونيًا. وعن توجهات ترامب نحو الشرق الأوسط فإن دعمه ومحبته لإسرائيل حالة استثنائية، حتى بمقاييس الحزب الجمهورى الذى يعد مناصرًا لإسرائيل بشكل عام، ترامب من كبار مناصرى إسرائيل فى أمريكا، ورأس مسيرة «أداء التحية لإسرائيل» عام 2004 وهى مسيرة أصبحت تعقد سنويًا فى نيويورك وشارك عام 2013 فى فيديو دعائى خاص لدعم نتنياهو وحزب الليكود. ويؤكد ترامب أن الدخول إلى العراق كان خطأ من البداية لأنه أخل بالتوازن بين إيرانوالعراق وأن الانسحاب زاد الطين بلة. وانتقد الإدارة الأمريكية بشأن الاتفاق النووى مع إيران، وأن أمريكا أرسلت مفاوضين فاشلين وأكد أنه لن يكون أحد أشد منه بطشًا على «داعش»، وفى المجمل يقول إن الولاياتالمتحدة أدت إلى فوضى كبيرة فى الشرق الأوسط. أما شعار ترامب فى الحملة الانتخابية فهو «إعادة العظمة لأمريكا من جديد». ورغم أن مشوار الحملة الانتخابية مازال طويلًا حتى نوفمبر القادم، عندما يصبح للأمريكيين رئيس جديد.. إلا أن رئيسًا مثل ترامب بتصريحاته وتوجهاته المجنونة سيجعل العالم يعيش فى كابوس أسود، يارب سلم.