إذا كانت إرادة الشعوب هى من توجد الفعل على الأرض، فإن تلك الإرادة لا بد لها أن تتجسد فى رأس للدولة تكون فى أعلى قمة هرم السلطة، وكثيراً ما حكى لنا التاريخ فى الماضى البعيد، والحاضر الذى نعيشه، عن قصص زعماء وقادة ورؤساء، استحقوا عن جدارة أن يكونوا تجسيداً لإرادة شعوبهم، وهؤلاء الزعماء دائما ما كانت تناديهم الظروف الصعبة المستعصية على الحل، فيأتون هم بدورهم ويغيرون الواقع مهما كان مستحيلا، ومهما كانت بلادهم فى حالتها الحرجة، فهم يقودونها إلى بر الأمان .. فهم القادة الذين أدركوا أين يكون الحسم السريع، ومتى يكون التريث الحكيم، فلا يضعون الحكمة والتريث والتمهل فى مكان الحسم ومواجهة الأخطار .. قلوبهم من قلوب شعوبهم، لا تخاف ولا ينتابها التردد والوجل، ولِمَ لا، وقد كانوا هم تجسيداً واقعياً لإرادة شعوبهم، وعقولهم، عقول مفكرى الأمة ومثقفيها .. ولِمَ لا ، وهم يتخذون من أرباب العلم والفكر حماة وحراسا لحكمهم .. والزعيم الراحل «هوغو تشافيز» رئيس فنزويلا، هو واحد من هؤلاء الذين تجسدت فى شخصه إرادة شعبه، وحلم وطنه، الذى كانت تستهدفه أمريكا وهى القريبة من فنزويلا جغرافيا، وكم أطلقت عليها المؤامرات ولم نسمع تشافيز يقول إننى عجزت لأن هناك مخططات تستهدفنى، أو أن الأمور صعبة مستحيلة لأن الفساد والرشى قد ساد فى المجتمع، جراء تحكم رءوس الأموال والتلاعب بتجارة النفط .. لا، لم يقل الرئيس الفنزويلى هذا، لأنه كان يملك القدرة على الحسم والضرب بيد من حديد على الفاسدين والطابور الخامس، كما يملك نصاب الحكمة فى إدارة الأزمات .. لقد قاد هوغو تشافيز فنزويلا متحديا سطوة أمريكا عبر عملائها فى الداخل، وهم أصحاب النفوذ فى قطاعات الاقتصاد، الإعلام، النفط والقادرون على تأليب الشعب على الحكم - فوجَّه الضربات المتتالية إلى هذا الثالوث فى الصميم، الأمر الذى وضعه فى مواجهة مفتوحة مع أعداء الشعب، فأقال تشافيز سبعةً من مديرى الشركة الوطنية للنفط فى فنزويلا، وأرغم 12 آخرين على التقاعد.. فقطاع النفط هو المسئول عن 80% من صادرات البلاد .. فاحتجت كوادر الشركة على هذا الإجراء، مما دفع النقابة العمالية الأساسية فى البلاد، «اتحاد عمال فنزويلا»، إلى اللجوء إلى سلسلة من الإضرابات التى اجتاحت البلاد، حتى وصلت الذروة فى 12 نيسان 2002، حيث كان هوغو تشافيز ضحية انقلابٍ أعدّه مالكو القنوات الخاصة ، وكوادر شركة النفط الفنزويلية، وكذلك حفنة من القادة العسكريين، وطلبوا من هوغو تشافيز الاستقالة، لكنه رفض. فتم اعتقاله، وأقيمت حكومة ترأسها زعيم المخطط الأمريكى ( بدرو كارمونا ) رئيس غرفة تجارة فنزويلا . لكن الشعب أدرك أن ما يُدبر له هو إقصاء هذا الزعيم الذى بيده مفاتيح تقدم فنزويلا، فثار الشعب فى الاتجاه الصحيح، وأعاد تشافيز بعد أن أطاحوا بكارمونا، ولم يلبث تشافيز أن عاود مسيره نحو البناء، وقد عفا عمن أطاحوا به، واستكفى بطردهم من أماكنهم فى السلطة .. ومنذ أن تسلم تشافيز السلطة بعد انتخابات ديمقراطية فى عام 1998، وهو يستلهم فى إدارته للبلاد أفكار سيمون بوليفار (1783 – 1830)، محرر معظم دول أمريكا اللاتينية من الاحتلال الإسبانى .. وشن هوغو تشافيز حملات عدة فى فنزويلا ضد الأمراض، والأمية، وسوء التغذية، والفقر .. لقد كانت فترة تشافيز مرحلة سياسية فريدة من عمر أمريكا اللاتينية، أعادت إلى القارة مجدها اليسارى، وتعاطفها مع قضايا المستضعفين فى العالم أجمع . تلك هى زعامة «هوجو تشافيز» التى لا تعرف سوى الحسم فى توقيته الصحيح قبل أن تنفلت الأمور، وحين تكون الحكمة ناطقة بلغة الحسم الفورى قبل تفاقم الأمور.