جاء قرار الرئيس بتشكيل لجنة تحت رئاسته لتحديث مناهج التعليم لجميع المراحل تحقيقا لأمل عمره نصف قرن. فقد عاصرت وشاركت فى ندوات مؤتمرات ولجان تقدم توصياتها لإنقاذ التعليم الذى لم يعد تعليمًا ولا تربية وتسبب فى كل ما نعانى منه من تخلف علمى وحضارى واجتماعى وثقافى واقتصادى.. وفى كل مناسبة نسمع خطبة عصماء تنتهى بالعبارة التقليدية المأثورة «قضية التعليم قضية أمن قومى» ويبقى كل شىء على حاله.الآن أشعر - ويشعر الناس - أن الوضع اختلف، لأن الرئيس السيسى لا يعرف الكلام بدون عمل، وإذا قرر فإن التنفيذ يبدأ على الفور وفى الموعد بالضبط دون تأخير ودون أعذار.. فى وجود قيادة مدركة للدرجة التى وصل إليها حال التعليم، والدرجة التى وصلت إليها الدول المتقدمة من التفوق العلمى والحضارى، قيادة تعلم كيف تحقق أهدافها وتتغلب على المعوقات، فى ظل هذه القيادة أثق - ويثق المصريون - أن التعليم سوف يتغير فعلا. وهذا هو المشروع القومى الكبير، بناء الإنسان المصرى الجديد على أساس يتفق مع العصر ويودع تعليم عصر التخلف والإهمال.. ولعلنا نذكر أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر هو أول من نبه إلى ضرورة العمل لبناء الشخصية المصرية العصرية، وأعلن فى نفس الوقت صعوبة هذا الهدف وقال لنا إن بناء المصانع سهل ولكن بناء الإنسان هو الصعب العسير، وبدأ فى التحرك على هذا الطريق الصعب ولكن المسيرة توقفت بعده وسار التعليم إلى الوراء بدلا من أن يتقدم إلى الأمام. ??? الرئيس السيسى حدد ثلاثة أشهر لعمل اللجنة لتنتهى من إعداد خطة وبرنامج زمنى فى ضوء الدراسات والتجارب العالمية الناجحة فى إعداد مدارس حديثة ومناهج تساير ما وصل إليه العالم من تقدم فى العلوم وتحقق ترسيخا للأخلاق، بحيث يجمع الانسان المصرى الحديث بين العقلية العلمية والأخلاق.. ولا داعى للعودة إلى الحديث عما وصلت إليه الأخلاق نتيجة فشل المدرسة فى أداء رسالتها. والغريب أن كل دول العالم تقريبا تعلن أنها مختلفة فى التعليم، حتى أن الرئيس الأمريكى الأسبق شكل لجنة لتحديث التعليم وأعلن أن أمريكا «أمة فى خطر»، ورئيس الوزراء البريطانى الأسبق تونى بلير جعل قضيته الأولى اللحاق بالتعليم فى بريطانيا إلى مستوى العصر، وأقامت سنغافورة معجزتها الاقتصادية والتكنولوجية بعد أن حققت تقدمًا حقيقيًا فى التعليم، والهند التى أصبحت مثلا يضرب على دولة متخلفة تقدمت وصارت فى الصدارة فى الصناعات التكنولوجية ومع ذلك فإنها تعقد اجتماعًا سنويًا لمناقشة ما يجب عمله للتقدم خطوات أكثر لتطوير قاعدة التكنولوجيًا المتطورة وفى آخر اجتماع كان الحوار يدور حول تقصير التعليم فى الهند عن تنشئة أعداد كافية من المبتكرين والمخترعين.. والصين التى أصبحت فى صدارة الدول الصناعية مازالت تعلق أن ما حققته من تفوق فى مجال التعليم الفنى ليس كافيا مع أن العالم يدهش من قدرة التعليم فى الصين على تخريج كل هذه الأعداد الهائلة من المهندسين والفنيين بكفاءة عالية. ??? بفضل التعليم أصبحت الهند فى صدارة الدول المنتجة للكومبيوتر والبرمجيات والمصدرة أيضا للمتخصصين فى هذا المجال.. وقد فاز بجائزة نوبل فى العلوم عدد من العلماء الهنود منهم (ف. نايبولز وأمارتيا سفيز) وفى حديث للمخترع الأمريكى المعروف (ستيف جونز) مصمم أول جهاز كمبيوتر ماكنتوش أرجع السر فى تفوقه إلى التعليم فى المدرسة وفى الجامعة، وكذلك قال المشاركون فى ابتكار أجهزة الكمبيوتر الحديثة والانترنت والآلياف البصرية والأقمار الصناعية وغيرها من معجزات العصر الحديث.. كلهم قالوا إن الفضل يرجع إلى التعليم الذى جعلهم يفكرون ويبتكرون ولا يقنعون بما يحققونه من تقدم ويؤمنون بأنه طريق الابتكار والتطور لا نهاية له. فى الدول المتقدمة يتحدثون عن إنشاء ما يسمونه (قاعدة المواهب البشرية) ويقصدون بها زيادة أعداد الكوادر المؤهلة تأهيلا عاليًا للبحث العلمى والابتكار والتحدى. وفى مؤتمر للتعليم فى الهند قال مدير شركة متخصصة فى البحوث العلمية «إذا لم نجعل أبناءنا يسألون: لماذا؟ ونكتفى بتعليمهم: كيف تحدث الأشياء فلن نتقدم عن النقطة التى وصلنا إليها». والملاحظ أن هناك عملية انتقال عالمى فى التعليم، ليس هناك دولة راضية أو قانعة بما وصلت إليه حتى الذين وصلوا إلى المريخ، فالهندوالصين يبحثان تطوير تدريس الرياضيات، والفيزياء أكثر وأكثر، وأمريكا تعلن عن مناهج جديدة ومراكز جديدة لرعاية الموهوبين فى العلوم والآداب والفنون. ??? لا يرضى عن نفسه إلا الفاشل والكسلان والمفلس من الطموح، والعالم يتحرك بسرعة ويخترع كل يوم ما يبهر الآخرين، ووصل إلى ما يسمونه (اقتصاد المعرفة) بمعنى أن المعرفة أصبحت هى مصدر القوة والثراء للدول، ومجتمع المعرفة هو الذى بدأت مصر التحرك نحوه.. أصبح فى مصر أكبر مكتبة للعلوم فى العالم يمكن الاستفادة منها عن طريق الانترنت والحصول على جميع المعلومات والأبحاث مجانًا.. وأصبحت فيها جامعتان لتخريج العلماء والمبتكرين (جامعة النيل وجامعة زويل). وأصبحت فيها لجنة ستقدم مشروعًا لتغيير مناهج التعليم بعد ثلاثة شهور وبعدها ينطلق العمل لبناء نظام تعليمى جديد لا يقل - بل يزيد - على الانجاز والاعجاز المصرى فى شق قناة السويس الجديدة وبناء عشرات الآلاف من المساكن وآلاف الكيلو مترات من الطرق وغير ذلك مما كان الحديث عنه من قبيل الأحلام. الآن مصر تستطيع تحقيق ما كان يبدو مستحيلا ومن ذلك أن يكون فيها نظام تعليم عصرى لا يقل فى مستواه عن مستوى التعليم فى الدول المتقدمة.. مصر تستحق ذلك مادامت تسير بفكر جديد وقيادة مخلصة وقادرة.