بعد تعرض فرنسا لأكبر هجوم إرهابى فى تاريخها، باستهداف 6 مواقع مزدحمة فى العاصمة الفرنسية باريس، مما أسفر عن مقتل أكثر من 128 شخصًا، وإصابة 300 آخرين، وتزايد العداء الغربى للعرب والمسلمين، وفى ظل الضغوط المتزايدة على الولاياتالمتحدة لتغيير استراتيجية الحرب على داعش، بعد أن أثبتت فشلها حتى الآن فى القضاء على التنظيم الإرهابى، طرحت تساؤلات عديدة حول إمكانية نشوب حرب عالمية ثالثة، فى الوقت الذى فرضت فيه فرنسا حالة الطوارئ ضمانا لأمنها ليثير الإجراء حفيظة المعارضين خشية إهدار الحريات.منذ أكثر من 14 عامًا، وتحديدًا فى الحادى عشر من سبتمبر 2001، تعرضت الولاياتالمتحدة لأكبر هجوم إرهابى فى تاريخها، عندما تم خطف طائرتين بواسطة تنظيم القاعدة الإرهابى، اقتحم بهما برجى التجارة، ما أدى إلى انهيارهما، وسقوط مئات القتلى والجرحى. لم يكن هذا الهجوم مجرد عمل إرهابى تتعرض له جميع الدول، بل يمكن القول إنه أدى إلى تغيير فى مجرى العلاقات الدولية، حيث قامت الولاياتالمتحدة تحت إدارة الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش بخوض حربين ضد أفغانستانوالعراق، لا تزال تداعياتهما مستمرة حتى الآن. واليوم يشهد العالم 11 سبتمبر جديدًا، ولكن هذه المرة تختلف الدولة التى تتعرض لهذه الاعتداءات الإرهابية، وإن كانت الأحداث متطابقة، ففى 13 نوفمبر الماضى، تعرضت فرنسا لأكبر هجوم إرهابى فى تاريخها، والحق أنه لم يكن هجومًا واحدًا، بل عدة هجمات نفذها ثمانية انتحاريين، وطبقا لما نشرته الصحف ووكالات الأنباء، فقد استهدفت سلسلة من الهجمات 6 مواقع مزدحمة فى العاصمة الفرنسية باريس، من بينها ملعب رياضى وقاعة حفلات ومطاعم وحانات، واستغرقت حوالى ساعتين، وأسفرت عن مقتل ما يزيد على 128 شخصًا، وإصابة 300 آخرين، وقد بدأ الهجوم حوالى الساعة التاسعة والنصف مساء الجمعة، عندما سُمعت انفجارات قرب الاستاد الواقع فى شمال باريس. وفى وقت لاحق، أكدت الشرطة أن ثلاثة تفجيرات متزامنة من بينها اثنان انتحاريان وقعت قرب الاستاد خلال مباراة ودية بين فرنسا وألمانيا كان يحضرها الرئيس أولاند الذى غادر على الفور الاستاد، بينما هرعت الجماهير من المدرجات إلى أرض الملعب وسادت الفوضى، وبعد ساعة من الهجوم الأول وقع إطلاق نار فى مطعم بشارع ألبرت على بعد خمسة أميال من ستاد فرنسا، وسقط 14 قتيلا فى إطلاق النار العشوائى فى مقهى كاريليون ومطعم كمبودى قريب، أما حوالى الساعة 11 مساء، فقد وردت تقارير بأن القاعة الموسيقية الشهيرة فى مسرح «باتاكلان»، تعرضت لهجوم، وقُتل 15 شخصا فى القاعة، وقام المسلحون باحتجاز عشرات الرهائن داخل القاعة. وبعد وقت قصير، شنت قوات الأمن هجوما على المسرح، وفى تلك الأثناء، فجر اثنان من المهاجمين نفسيهما بحزامين ناسفين، بعدها بوقت قصير، أعلن عن مقتل 100 شخص على الأقل داخل القاعة، وأخيرًا على مقربة من القاعة الموسيقية (أقل من ميل)، سقط 18 قتيلا من زبائن كانوا يتناولون العشاء فى مطعم «لابيلا ايكويب». وكما كان متوقعًا، أعلن تنظيم داعش تبنيه لهذه العملية الإرهابية، التى تعد أسوء هجوم تتعرض له القارة الأوروبية بعد اعتداءات قطار مدريد فى 11 مارس 2004. وبعيدًا عن التصريحات الرسمية سواء للرئيس أولاند الذى أعلن أن بلاده فى حالة حرب بلا هوادة ضد الإرهاب، وبدأت قواته فى شن غارات جوية مكثفة على معقل تنظيم داعش فى الرقة السورية، أو باقى زعماء العالم الذين أعلنوا إدانتهم الشديدة لهذا الهجوم، ومساندتهم ودعمهم لأى خطوة تتخذها فرنسا لمحاربة داعش، يبقى هناك تساؤلات عدة، أهمها يتعلق بكيفية نجاح التنظيم فى القيام بهذه العملية فى قلب إحدى أهم عواصم العالم، وهل تؤدى هذه العملية الإرهابية إلى قيام الدول الكبرى بإعادة النظر فى طريقة التعامل مع الإرهاب، وكيف ستؤثر هذه الكارثة على وضع العرب والمسلمين فى فرنسا، بل فى العالم الغربى بشكل عام. حرب شاملة مئات من التحليلات السياسية نشرتها كبرى صحف العالم، منذ وقوع تلك الكارثة تحاول الإجابة عن هذه الأسئلة. البداية مع الصحف الفرنسية التى وصفت ما حدث بالحرب الشاملة، وفى هذا الإطار، كتبت صحيفة «لوبارسيان» تحت عنوان «هذه المرة، إنها الحرب» أنه بعد مرور أقل من عام على عمليات القتل فى «شارلى إبدو» تجد فرنسا نفسها مرة أخرى غارقة فى الرعب، مضيفة أن السيناريو الأسوء الذى تخشاه أجهزة الاستخبارات، وهو تعرض وسط باريس إلى هجمات متعددة، باعتبار أنه يحمل دلالة رمزية أصبح واقعًا معيشيًا ليلة الجمعة. صحيفة «ليزيكو» ذكرت أن هذا الهجوم الإرهابى الذى شنه تنظيم داعش يهدف لممارسة الضغوط على فرنسا من أجل حملها على وقف تدخلها فى سوريا، وأشارت الصحيفة إلى ما فعله تنظيم القاعدة الذى عاقب إسبانيا بسبب تدخلها فى العراق، فى إطار التحالف الذى أقامته آنذاك الولاياتالمتحدة، منوهة إلى أن إسبانيا لم تتعرض لأى هجمات بعد انسحابها من العراق، مضيفة أنه يجب التعود على مواجهة المخاطر، وليس الرضوخ للضغوط، واختيار السبيل الأسهل فى التعامل مع تعقيدات الشرق الأوسط. صحيفة «ليبراسيون» فى أحد تقاريرها ذكرت أن فرنسا لم تشهد مثل هذا المستوى من العنف، من خلال أشد المعارك ضراوة فى أوج الحرب الأهلية التى شهدتها الجزائر خلال التسعينيات من القرن الماضى، وأشارت الصحيفة إلى أن القتلة استهدفوا فرنسا، والسياسات التى تنتهجها، والدور الذى تقوم به، مضيفة أن المواقع التى أنشئت بهدف الترفيه عن الناس، وإقامة علاقات إيجابية معهم اختيرت عن عمد لارتكاب هذه المجازر، وهذا يعنى أن أكثر مظاهر الحياة العادية للفرنسيين أصبحت مهددة. وترى الصحيفة، أنه من المستحيل عدم ربط هذه الأحداث بالمعارك الجارية فى الشرق الأوسط، مضيفة أن فرنسا التى تضطلع بدورها هناك، يجب أن تواصل القيام بمهمتها دون تردد. لم تختلف باقى الصحف العالمية كثيرًا عن الصحف الفرنسية، فذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية أن هذه الهجمات أدت لنشر الذعر ليس فى فرنسا وحدها، وإنما فى باقى الدول الغربية التى تتوجس من الجهاديين الذين ازدادوا تطرفًا بسبب الصراع فى سوريا وغيرها من المناطق، مضيفة أن هجمات باريس يمكنها أن تمنح المزيد من الثقل للحجج المناهضة للمهاجرين. من جهة أخرى، تحدثت العديد من الصحف العالمية عن احتمال تغير سياسة فرنسا الخارجية، وخاصة تجاه سوريا بعد أحداث باريس، وفى هذا الإطار، ذكرت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية أن هذه الأحداث ربما تدفع فرنسا للتنازل عن مطلبها بتنحى الرئيس السورى بشار الأسد، ووصفت ذلك بأنه لا يشكل سياسة جيدة فى هذا الوضع المعقد، قائلة إن تأييد الأسد وحزب الله وحليفتهما إيران لن ينتج عنه إلا المزيد من استبعاد الأغلبية السنية فى سوريا وتعزيز حملة التجنيد لتنظيم داعش وغيره من التنظيمات الجهادية.. وقالت الصحيفة إن انتصار «الإرهاب» أو هزيمته لا تُقاس بعدد الضحايا، بل باستجابة المجتمع المستهدف. التمسك بالحرية أما صحيفة «إندبندنت» البريطانية فدعت إلى القضاء على «داعش» دون الوقوع فى أيديه، مشيرة إلى أن الاستجابة الخاطئة سينتج عنها عدد لا يُحصى من المجندين الجدد، وأضافت «يجب ألا نُستفز ونأتى بالاستجابة التى يتوقعون الحصول عليها منا، هذه حرب عالمية وربما تستغرق جيلا بأكمله». ورأت الصحيفة البريطانية أنهم يريدون تصعيد التوتر وخلق انقسامات داخل المجتمعات الغربية متعددة الأعراق والثقافات، كما يرغبون فى أن يشعر المسلمون الغربيون بأنهم غير مرغوب بهم فى أوروبا، والأفضل لهم الالتحاق بتنظيم داعش سوريا، وأن يشعروا أنهم فى ديارهم هناك فقط. وأشارت الصحيفة إلى أن تنظيم داعش يستهدف بهجماته على باريس أن تتحول المجتمعات الغربية إلى مجتمعات مغلقة واستبدادية وتعيش فى خوف منهم، وأوردت أن الإرهابيين يكرهون القيم الغربية ويستفزون مجتمعاتها لتغييرها، ودعت إلى التمسك بقيم الليبرالية، والعلمانية، والانفتاح، وحرية التعبير والمساواة.