شكا لى رجل بسيط أن والدته المسنة قد تعرضت لأزمة صحية تطلبت نقلها إلى المستشفى، وحين حملها أفراد أسرتها فى مركز إدفو بمحافظة أسوان إلى أقرب مستشفى، لم يجدوا بها طبيبا واحدا يسعف السيدة، فانتقلوا إلى أخرى وتكرر نفس الشىء، وظلوا هكذا حتى بلغ عدد المستشفيات التى ترددوا عليها ستة ليس بها طبيب واحد يغيث السيدة ولا غيرها، حتى ذهبوا بها إلى مستشفى فى مدينة الأقصر وكان الأمر مختلفا!! فيما يبدو أن الأمر قد اختلف لأن الأقصر مدينة سياحية وربما يضطر أحد السائحين إلى اللجوء إلى مستشفياتها، لكن المصريين لن يسمعهم أحد ولن يشعر بهم أحد وهو أمر غريب اعتدنا عليه وهو العمل من أجل صورتنا أمام الأجانب وليس لأن هذا ما يجب أن نفعله، وهو أمر خطير أيضا يكرس من إهدار كرامة المواطن فى وطنه وفى غير وطنه كما هو حاصل! أما الأمر الأكثر غرابة - وهو ما دفعنى للكتابة فى هذا الموضوع - هو رد فعل طبيب شاب وأنا أروى هذه القصة التى أدهشت وصدمت كل الحاضرين إلا هو! فقد رد بهدوء: هذا الأمر عادى ومنتشر فى كثير من المستشفيات بل فى معظمها! كيف؟ قلتها جزعة، فقال: إن ما يتعرض له الأطباء من إهانات واعتداءات لفظية وجسدية من أهالى المرضى أثناء عملهم يفوق أي تصور. ثم راح يروى قصصا لأصدقاء وزملاء له أو يسمع عنهم تعرضوا لكل صنوف الإرهاب والبلطجة. روى عن طبيب كسرت جمجمته وآخر ضرب بالكراسى وأن بعض أهالى المرضى يأتون محملين بالسنج والمطاوى وغيرها من أدوات البلطجة. بل انه أقسم أن كثيرًا من الأطباء يضطرون لشراء بعض الإسعافات والأدوية خاصة الخيوط على حسابهم الخاص لأنها غير متوفرة بالمستشفى ولأنه لن يستطيع أن يطلبها من أهل المريض، وإذا رفض العمل بدون توفرها فإنه لا يعلم ما يمكن أن يتعرض له من إهانات واعتداءات! هكذا أصبحت الصورة يا سادة ولا عزاء للمواطنين الغلابة سواء مرضى أو أطباء الذين اعتقدوا أن الدولة هى سندهم والمدافع عنهم، فالحقيقة أنهم ليسوا فى الحسبان ولو كانوا كذلك ما كانت وصلت الأمور لأن يصبح المواطن الفقير مجرد كومبارس فى مشاهد هابطة لزيارة مفتعلة من مسئول لا يعرف حقيقة دوره، ولا أن يتحول الطبيب إلى شخص مهان لا يجد من يحميه أو يوفر له ظروف عمل مناسبة! لقد كنت وغيرى ضد قيام الأطباء بإضراب عن العمل على حساب مسئوليتهم تجاه مرضاهم، لكن أيضا هناك وظائف يجب حمايتها وحماية من يعمل بها بل والحفاظ على هيبتهم، ولعل القاضي والضابط والمدرس والطبيب هم فى صدارة هذا المطلب، بل هو فى مقدمة أولوياتنا.. هذا إن أردنا أن نكون دولة محترمة ذات هيبة.