أراد محمد رمضان أن يغيّر قليلا من أدوار البلطجى التى ارتبطت به من "الألمانى" الى "عبده موتة" و"قلب الأسد"، قرر أن يقدم دورا كوميديا مؤديا شخصية الصعيدى التى أجاد لهجتها، ولكن بدلا من أن يقدم فيلما من إخراج إسماعيل فاروق ، جاء عمله الذى عرض فى موسم عيد الأضحى بعنوان "واحد صعيدى" أقرب ما يكون الى النكات التى تبدأ بهذه العبارة :"مرة واحد صعيدى" .. ليس فى الفيلم دراما متماسكة، ولا يوجد سوى مجموعة مشاهد مفككة ، وإفيهات مسجوعة، فوضى شاملة بلا رأس أو قدمين، رغم أن تترات الفيلم تكتظ بأسماء المشاركين فى الكتابة، فهناك قصة افتراضية من تأليف أحمد جمال، ومعالجة سينمائية كتبها لؤى السيد، وسيناريو وحوار كتبه عبد الواحد العشرى، ومع ذلك هناك ثغرات بالجملة، وتناقضات عجيبة، وفشل حتى فى ضبط ولو خط درامى واحد، بل إن الفيلم نسى حبكته الأصلية، وانطلق الى حبكة ثانية، هذا طبعا بافتراض أن هناك هدفًا آخر سوى أن يستغل رمضان شخصية الصعيدى فى تنويعاتها الساذجة الضاحكة، ولكن لايوجد أدنى مقارنة بين هذا الفيلم وأفلام سابقة استغلت نفس الشخصية كما فيلم "العتبة الخضراء" من بطولة اسماعيل ياسين وصباح وأحمد مظهر، وهو عمل بالأبيض والأسود فيه شكل كاريكاتورى للشخصية الصعيدية، ولكن فيه أيضا قصة وسيناريو متماسك، وموضوعه عن النصب والنصابين. محمد رمضان، شاب من إحدى قرى أسيوط، أمضى سبع سنوات طالبا فى كلية الحقوق، يحصل أخيرا على الليسانس بعد مشقة، ويحتفل به والده (محمد متولى) الذى يكرر كلمة "الأسانس" لإضحاك الجمهور، يقوم عمدة البلدة بالاتصال بشقيقه عضو مجلس الشعب (عبد الله مشرف) لتوفير وظيفة لابن البلدة "فالح عبد السميع فالح" الحاصل توا على الشهادة الكبيرة، وبدوره يقوم عضو المجلس بالاتصال بمدير فندق فى العين السخنة (سامى المغاورى) لكى يلتحق فالح بالعمل عنده .. تتوالى اسكتشات تثبت فشل فالح المتوقع سواء فى العمل كجارسون ينقل المشروبات الى جميلات حمام السباحة الأجنبيات، أو العمل فى مجال خدمة الغرف، أو فى المطبخ. يعتقد صناع الأفلام التى يطلق عليها ظلما وعدوانا لقب "كوميدية"، أن أقرب طريقة الى الإضحاك هى إلغاء المنطق، والمبالغة "على قد ما تقدر"، وهكذا يطلب من فالح مثلا أن يقوم بعصر تل من الطماطم، فيسحقه بقدميه بصورة مقززة ، وبعد الكثير من العك، يدخل الفيلم الى موضوعه، بتعيين فالح( الذى كان يحلم بأن يصبح ضابط مباحث، والذى يحل مسابقات المفتش كرومبو) كأحد أفراد أمن الفندق الذى يعمل فيه. منذ تلك اللحظة، يتحول فرد الأمن الغلبان الأحمق الى ما يقترب من مدير للأمن تتبعه، وتأتمر بأمره أربع شخصيات من رجال الأمن(!!) وعن طريق الصدفة البحتة يستمع فالح الى أحد النزلاء( شاب رياضى عملاق يدعى وسيم) وهو يخبر شخصا آخر من خلال المحمول بأنه سيقوم بالتخلص من نزيلة اسمها سماح، وبالمصادفة البحتة، يمتلئ الفندق بعدة نزيلات تحملن نفس الاسم الأول، منهن مثلا مغنية اسمها سماح (نرمين ماهر) خلعت زوجها فجاء ليطاردها فى الفندق، ومذيعة اسمها سماح (إيناس النجار) جاءت لتسجيل حلقة مع رجل قادم من أمريكا (صبرى عبد المنعم) سيفضح الجمعيات الممولة من الخارج فى حديث تليفزيونى خطير، وفتاة اسمها سماح برضه (راندة البحيرى) جاءت هربا من رجل يغار عليها (محمد سليمان)، ومعها صديقتها (ميار الغيطى). رغم هذا الحشد من الممثلين، يفشل الفيلم فى أن يأخذ متفرجه حكاية قتل سماح المفترضة باهتمام، إنها مجرد وسيلة لكى يقدم محمد رمضان، أو الشاب فالح أغنية وهو متنكر فى ديسكو الفندق، أو لكى يقول عبارات مسجوعة يفترض أنها إفيهات مثل: "اللى يخاف/ يتاكل حاف" و"الرجولة وراثة/ مش كلام فى كراسة"، والحقيقة أنها عبارات منقولة مما يكتب على التكاتك، وستكون هناك أيضا فرصة لمبالغات كثيرة بلهاء سواء فى مطاردة العملاق وسيم ومراقبته طوال اليوم، وصولا الى مبالغات محمد رمضان التى لا علاقة لها باللهجة الصعيدية من قريب أو بعيد، كأن تتحول كلمة "الأوضة" الى "الجوضة" باللهجة الصعيدية، وأن يقول "أجمورى حضرتك" بالصعيدى باعتبارها تعنى "أؤمرى حضرتك" .. هزل حقيقى لا يجعلك تأخذ ما تراه بأدنى قدر من الاهتمام، مع الدخول فى تفريعات فى قصة كل فتاة اسمها سماح، وبعد أن شغلنا الفيلم بحكاية مكالمة وسيم، يفاجئنا العمل باكتشاف أن هناك شخصًا يعمل مع فالح فى الأمن يريد اغتيال الرجل الذى جاء لفضح الجمعيات الأهلية الممولة ، أى أننا أمام حبكة أخرى لا علاقة لها على الإطلاق بالحبكة الأصلية، التى بطلها (لو كنتم فاكرين) رجل اسمه وسيم يعطى التمام بأنه سيتخلص من فتاة اسمها سماح، معنى ذلك ببساطة أن الفيلم، الذى شارك ثلاثة فى كتابة خطوطه العريضة، نسى فى غمار النكات والتريقة حبكته الأصيلة، ولم يجد مبررا أن يتعب نفسه لتفسير مكالمة وسيم، فيلم آخر دخل فى فيلمنا، المهم فقط أن يقدم رمضان شخصية الصعيدى بشكل كوميدى، والمهم أن يغنى أهزوجة من أغانى "المهرجان" الشعبية، وأن يقول إن ما فعله فى الفندق قد أنقذ السياحة من الانهيار .. كيف أنقذها وهناك محاولة اغتيال، وتهديد بالقتل لا نعرف شيئا عن أطرافه؟ الله أعلم .