جالس بلا حراك.. من يراه يظن أنه جثة هامدة.. ولكن حركة العين تؤكد أنه حى يرزق.. يبلغ من العمر الثالثة والأربعين على الورق.. ولكن الذى ينظر إليه يؤكد أن عمره أكثر من ذلك بكثير.. يجلس غير قادر على الحركة.. يفكر فقط.. يتذكر نعم.. تمر سنوات حياته أمام عينيه كأنها شريط سينمائى.. يبتسم دقيقة ويبكى ساعات.. هاهوذا يرى نفسه شابا يخرج إلى عمله الشاق كل يوم.. نعم يوميا ولكن العمل الفعلى قد يكون يوما أو يومين.. وكثيرا ما كان ينتظر بالأسابيع ليجد العمل.. عمله يعتمد على قوة يده وشبابه.. فهو عامل وعندما كان يرزقه الله بالعمل كان يجتهد فى إدخار بعض الجنيهات القليلة فهو فى حاجة إلى أن يبنى بيتا ويكون أسرة وكان يتمنى أن يرزقه الله بالأولاد.. ولكن الحياة صعبة.. ظل سنوات يدخر ويبحث عن بنت الحلال التى ترضى أن تعيش معه كما هو.. وأثناء البحث وجدها ترضى بالقليل وعلى استعداد أن تبنى معه وتزوجته وكانت بالفعل تحاول أن تدبر حياتهما وخاصة أنها شعرت بجنينها الأول يتحرك داخل أحشائها.. وبمجرد أن عرف كان يحاول أن يحفر من الصخر حتى يوفر لطفله حياة هانئة بعيدة عما يعكر صفوها.. رزق بأول مولود له وجاء الثانى ثم الثالث حتى الرابع وزادت الأعباء عليه.. كان يبحث عن العمل يوميا ويحاول أن يوفر الجنيهات ويضع الجنيه على الآخر من أجل أولاده.. كانت لديه أمانى وأحلام كثيرة لحياة سعيدة لهم.. ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه.. فقد بدأ يشعر بآلام فى بطنه وكعادة مثل هذه الفئة المطحونة لا تلقى بالا ولا تهتم مجبرة فليس فى يدها ما تدفعه لطبيب أو لدواء.. كل ما يدخل جيبهم يضيع على الطعام وإن استطاع أن يلبى هذا الغرض دون غيره.. كان يواجه آلام القولون والمعدة بقليل من المشروبات الساخنة.. وهكذا ظل يعانى وبالرغم من ذلك لم يفكر فى الذهاب إلى المستشفى.. ويوم وراء يوم والآلام تتزايد إلى أن تطورت الحالة وأصبح يشعر بميل دائم للقىء.. وأصيب بنزيف شرجى.. طلبت منه الزوجة الذهاب إلى المستشفى التى ظل يرفض دخوله.. ولكنه فى النهاية استسلم وتحامل على نفسه وبعد أن فحصه الطبيب وصف له علاجا على أن يعود مرة أخرى بعد أسابيع.. خرج من المستشفى وعيونه دامعة وقلبه يتمزق.. هل يشترى الدواء بثمن العيش الحاف الذى يأكله أولاده؟.. ولكن زوجته أكدت له أن عليه أن يتبع ما وصفه الطبيب وإلا فلن يستطيع توفير حتى ثمن لقمة العيش.. وبالفعل استدان وبدأ العلاج وبمجرد أن شعر بالتحسن «عادت ريمة لعادتها القديمة» ورفض شراء الدواء ولم تمض أيام إلا وكانت الحالة الصحية فى تدهور وعادت الأعراض والآلام تداهمه.. كان يبيت الليل يتوجع وكانت آهاته وآناته توقظ جيرانه.. أكثر من مرة كان الجيران يحاولون أن يذهبوا به للطبيب ولكنه كان يرفض.. وأكثر من مرة كان يخضع لهم وكان الطبيب يصف له بعض المسكنات ولكن الحالة تدهورت أكثر وبدأت تسوء.. فى إحدى المرات طلب الطبيب بعض التحاليل واضطر الرجل إلى إجرائها فربما يجد فيها سبب هذه الآلام ويجد الطبيب الدواء الشافى.. وكانت المفاجأة.. الرجل مصاب بأورام سرطانية بالقولون.. هذا ما ظهر بالأشعة التى طلبها الطبيب للتأكد.. وتأكد أيضا أن العلاج غير مجد بل الحالة تحتاج إلى استئصال القولون.. عندما أخبره الأطباء بما ينوون عليه بكى وبكت الزوجة والأولاد.. فليس لهم فى الدنيا إلا الأب المكافح الذى حاول أن يوفر لهم حياة بسيطة ولكنه توقف فى وسط الطريق.. طلب منهم أن يسامحوه وخاصة ابنته الوحيدة لأنه لن يستطيع بعد الآن أن يقف بجوارها وأن يساعدها كما كان يتمنى ويزوجها.. ودخل غرفة العمليات ليخرج بعد ساعات وقد قام الأطباء باستئصال أجزاء من القولون وهكذا أصبح عاجزًا عن الحركة والعمل وكسب الرزق.. تقدم بطلب لوزارة التضامن الاجتماعى بمساعدته فتم ربط معاش ضمان فئة عجز كلى 300 جنيه ولكن ماذا تفعل هذه الجنيهات القليلة فى ظل الحياة الصعبة التى يعيشها الرجل وأسرته فهو مطالب بشراء دواء وطعام خاص به ولكنه غير قادر.. يعيش حياة البؤس فهو كسير النفس.. يمد يده يطلب من أهل الخير مساعدته.. فهل هناك من يقف بجواره؟.. من يرغب يتصل بصفحة مواقف إنسانية.