نعم.. أنا مشتاق وعندى لوعة ولكن مثلى لا يذاعُ له سر وفيت.. وفى بعض الوفاء مذلة لفاتنة بالحى شيمتها الغدر تسألنى من أنت؟ وهى عليمة وهل لشجى مثلى على حاله نكر؟ هكذا صرخ شاعرنا القديم أبو فراس الحمدانى، معلنا عن حبه الدفين ل «فاتنة فى الحى»! ولكن مشكلة أبو فراس أنه أحب فتاة (شيمتها الغدر)، قالت سائلة «من أنت»؟.. وهى عليمة بحاله.. فقد كانت جوانحه «تكاد تضىء» من نار الحب، كما أنه كان يعتقد أن الاعتراف بالحب ضعف.. ومثله «لا يذاع له سرُ». فهل كلنا «أبو فراس» نشعر بالحب.. وتظهر علينا أعراضه.. ولا نرغب فى الاعتراف به؟.. أم أن لنا «بين الضلوع دم ولحم» ولا سلطان على القلب.. حيث يعشق قبل العين أحيانا؟.. وهل صحيح أن «فى بعض الوفاء مذلة»..خاصة إذا أنكرتك من كنت وفيا معها.. وادعت أن أحبابها كثر؟... أم الحب حالات.. وحظوظ؟ فى الحقيقة لست خبيرا فى أمور الحب.. ولكنى أعتقد أنه جميل.. وبشرط ألا يكون من طرف واحد! واقرأ معى الأبيات التالية.. والتى يتغنى بها «صداح الشرق» صباح فخرى: جاءت معذبتى فى غياهب الغسق كأنها الكوكب الدرى فى الأفق فقلت نورتنى يا خير زائرة أما خشيت من الحراس فى الطرق؟ فجاوبتنى ودمع العين يسبقها من يركب البحر لا يخشى من الغرق قبلتها.. قبلتنى وهى قائلة قبلت خدى فلا تبخل على عنقى أرأيت.. هنا الأمر يختلف.. محبوبة تذهب إلى لقاء محبوبها فى ظلام الليل الدامس، وهى تعلم أنها معرضة للخطر.. ولكن لوعة الحب ومتعة لقاء الحبيب تدفعها لتجاوز كل الأخطار.. كما أن الحبيب سعيد بلقاء محبوبته.. واصفا إياها ب «الكوكب الدرى فى الأفق».. ورغبة منه فى الاطمئنان عليها يسألها «أما خشيت من الحراس فى الطرق»؟ فتدمع عين الحبيبة بفرحة اللقاء الذى تحقق رغم كل الصعاب المحيطة، وتحسم الأمر بقولها «من يركب البحر.. لا يخشى من الغرق». وتأمل معى أيضا هذه الكلمات الجميلة.. والتى يتغنى بها ناظم الغزالى: أى شىء فى العيد أهدى إليك.. يا ملاكى.. وكل شىء.. لديك أساور؟ لا أحب القيود فى معصميك أم خمور؟ ليس فى الأرض خمر كالتى تسكبين من عينيك.. أم ورود؟ الورد أجمله عندى الذى نشب من خديك. أم عقيق؟ يا مهجتى.. قلبى يتلظى.. والعقيق الثمين فى شفتيك ليس عندى أعز من الروح وروحى مرهونة فى يديك. هنا الحبيب محتار.. أى الهدايا يهديها لمحبوبته فكل شىء لديها.. دمعها خمر.. وخداها ورد.. وشفتاها عقيق.. كما أنه لا يحب القيود فى معصميها.. ولذلك لن يهديها أساور! ولم يجد غير «روحه» وهى أغلى وأعز ما عنده.. ومع ذلك فهذه «الروح» مرهونة عندها بسبب حبه العميق لها. *** نعم.. الحب عاطفة سامية وضعها الله- سبحانه وتعالى- فى خلقه من الكائنات.. وعلى رأسها الإنسان.. حتى تستمر الحياة على وجه الأرض! أما من لا يحركه الربيع وأزهاره.. والعود وأوتاره.. فهو فاسد المزاج ليس له علاج!