الإعلان الدستورى المكمل، وحل البرلمان، ومعركة الانتخابات الرئاسية ، الأحداث الثلاثة التى خلقت مشهد الصراع الحالي فى الساحة السياسية المصرية، وإن شئنا الدقة هى الأحداث التى صعّدت من وتيرة الصراع الكامن والموجود تحت السطح مثل الرماد، ووقوده القوى السياسية التى تسعى فى حالة سعار إلى السلطة. أما المجلس العسكرى - وعلى غير اختيار منه ومن واقع المسئولية التى ألقيت عليه - فقد لعب دور الحكم بين هذه القوى فى البداية قبل أن ينجرّ ليصبح طرفا أصيلا فى اللعبة. وإذا كانت القوى السياسية هى وقود الصراع فهناك طرف آخر خارجى يتدخل دائما عندما يحتاج الأمر تدخله ويتولى عملية التسخين أو التبريد حسب مقتضيات الموقف ، فينفخ ليشعل النار إذا وجد أن العملية السياسية لاتسير فى الاتجاه الذى يرغبه أو يهدد مصالحه القريبة أو الاستراتيجية ، وأعتقد أن هذا الطرف بات معروفا لجميع المصريين الآن.(1) الإعلان الدستورى المكمل، وحل البرلمان كان لهما تفسيران متناقضان تماما عند المصريين، وانسحب هذان التفسيران بالتبعية على ردة الفعل تجاههما بالقبول والرفض، وفى جانب آخر أثرا بشكل كبير على معركة الانتخابات الرئاسية التى انقسم المصريون بشأنها إلى معسكرين متناحرين (إسلاميون وفلول)، ومنذ أن تم الإعلان عن اسمى المرشحين لجولة الإعادة فى الانتخابات الرئاسية، صار هناك ما يمكن أن نطلق عليه معسكر أو فسطاط شفيق ومعسكر أو فسطاط مرسى، ودارت المعارك بين الفسطاطين بشكل فيه من النزق والطيش والخوف أكثر من العقل، وتمسك كل طرف بحججه وأسانيده لا يريد أن يتزحزح عنها إلى النهاية وجاء حكم المحكمة الدستورية حول انتخابات مجلس الشعب وقانون العزل السياسى ليرسخ عند معسكر مرسى الظنون والمخاوف ويحولها إلى ما يشبه اليقين إلى أن مخطط استبعاد الإخوان قد دخل مراحله الأخيرة، ومع صدور الإعلان الدستورى المكمل وحتى قبل خروج حملة شفيق بعد حملة مرسى تعلن فوز مرشحها بكرسى الرئاسة رأى الإخوان أن يتحركوا من خلال سلاح الحشد الذى يملكونه لإدراك ما يمكن إدراكه أو على الأقل وقف العجلة المتسارعة لعملية إقصائهم من كل السلطات سواء التى حصلوا عليها مثل البرلمان أو التى سعوا للحصول عليها فى المستقبل مثل الرئاسة والحكومة. (2) إذاً هناك مخطط وعملية ممنهجة لتقليم أظافر الإخوان وإبعادهم عن السلطة من خلال انقلاب ناعم، هذا يقين الإخوان الآن ويقين من أعطوا أصواتهم للمرشح الرئاسى مرسى، وترديدات قطاع عريض من الإعلام الليبرالى واليمينى الذى ساند مرسى باعتباره ممثل الثورة والأمل الأخير فى إنقاذها. أما معسكر شفيق فقد رأى فى حكم الدستورية وفى الإعلان الدستورى المكمل الخير كل الخير لمصر ومستقبلها واستقرارها الاجتماعى والسياسى، والاطمئنان إلى عدم جرها فى مغامرات لا قبل لمصر بها، وأهم من كل ماسبق التخلص من جماعة الإخوان التى باتت تمثل عند البعض بعبعاً وخوفا مرضيا (فوبيا) ليس أقل من خوف بعض الغربيين منها، ولن أعود إلى لوم الإخوان والإسلاميين على مساهماتهم الفعالة فى هذه الحالة التى زاد معدل المصابين بها وارتفعت درجتها على مستوى المشاعر. (3) والآن ننتقل إلى الطرف الآخر الخارجى الذى يؤثر بشكل كبير وإن كان غير منظور فيما يحدث فى مصر وبلدان الربيع العربى، بالطبع أقصد أمريكا التى تجر وراءها الغرب الأوروبى. (4) (فوبيا الغرب من الإخوان) إذا كان هذا الوصف حقيقيا فلماذا يريد الغرب أن يصعد الإسلاميون والإخوان لسدة الحكم؟!. معسكر شفيق يردد مثل هذا الكلام ويتخذه دليلا على أن الغرب وإسرائيل يريدان أن يجرا مصر إلى مواجهة لتدمير قدراتها العسكرية وأن سيطرة الإسلاميين على الحكم سوف تتيح بسهولة تنفيذ هذا المخطط ، والذين يرددون هذا الكلام لايقرأون الواقع ولا التاريخ ولا الصحف الغربية ولا حتى العربية، ويعتمدون غالبا فى تكوين آرائهم ومواقفهم على خيالهم وما يتردد أمامهم، أو يأتى لهم عبر الفضاء التخيلى الذى بات يشكل وعيا مشوهاً، وأنا هنا فقط أحيل هؤلاء وأذكّر من عرف ونسى منهم بما تداولته وسائل الإعلام العالمية منتصف شهر إبريل من العام الماضى عن مساع ٍلمنظمات اللوبى اليهودى فى الولاياتالمتحدة لمنع وصول الإسلاميين للحكم فى مصر بعد ثورة 25 يناير، هذه المساعى التى قادها «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى»، الذراع البحثية لمنظمة «إيباك»، كبرى منظمات اللوبى الإسرائيلى فى أمريكا التى أودعت سجلات الكونجرس (برلمان الولاياتالمتحدة) بعد ثورة 25 يناير وثيقة طالبت فيها واشنطن بإجراء «اتصالات سرية» بالمجلس العسكرى المصرى لتحريضه على تحجيم الحركات الإسلامية قبيل الانتخابات القادمة، وكذلك إمداده بمعلومات استخباراتية عن تمويل خارجى لجميع الحركات الإسلامية بما فيها جماعة الإخوان المسلمين والحركة السلفية والجماعة الإسلامية وجاء فى الوثيقة أنه يتعين على الإدارة الأمريكية تحذير المصريين علانية من أن واشنطن ستقبل فقط التعامل مع حكومة لها مواصفات معينة، منها تحقيق الالتزامات الدولية مثل حرية الملاحة فى قناة السويس، والسلام مع إسرائيل، وتوسيع السلام فى المنطقة ليشمل دولا أخرى.. إلى آخره. الوثيقة التى تجاهلتها النخب المصرية الليبرالية والعلمانية ظنا منها أنها تصب فى مصلحتها ولم تناقشها وسائل الإعلام التى تملكها وتسيطر عليها هذه النخب ولا ينفى تجاهل الوثيقة أنها صدرت بالفعل تعكس التخوفات الحقيقية - من اللوبى اليهودى فى الغرب وكذلك إسرائيل - من صعود الإسلاميين وسيطرتهم على الحكم فى بلدان الربيع العربى، وهى نفس التخوفات التى كانت موجودة لدى الدوائر ومراكز صنع القرار الأمريكية التى ساعدت ودفعت لتفجر الربيع العربى، وإذا اتفقنا أن هذه التخوفات كانت ومازالت موجودة فلماذا يقبل الغرب الآن أن يصل الإخوان أو السلفيون إلى الحكم والسلطة؟ هل يريد بالفعل أن يستخدمهم كأداة لتوريط مصر فى مواجهة عسكرية؟! الإجابة: هذا خيار بعيد لكنه بالطبع غير مستبعد، أما سكوت الغرب وأمريكا على صعود الإسلاميين للسلطة وأخذ نصيبهم منها فهو خيار تكتيكى أى مرحلى وهو أمر مجبر عليه، فالغرب الذى أزاح الحكام الديكتاتوريين ليسمح بتداول السلطة ونادى بالديمقراطية لا يمكن أن يسمح بالعودة إلى الخلف فيما يخص العملية الديمقراطية حتى لو أتت بالإسلاميين، وعندما يتولى الأخيرون السلطة فهناك أساليب أخرى لمحاربتهم، فى داخل بلدانهم ومن بنى جلدتهم وعقيدتهم، ومن خلال أسلحة ووسائل كثيرة أولها سلاح الإعلام، وهناك تفاصيل كثيرة فى هذا الصدد، المهم أن تصل المعركة فى النهاية إلى إقناع الشعوب العربية أن الإسلاميين غير مؤهلين للحكم وأنهم أسباب للخراب والإرهاب، ومن ثم تستبعدهم الشعوب، فى ذات الوقت الذى تكون فيه كوادر أخرى جاهزة للاستيلاء على السلطة من خلال آلية الديمقراطية أيضا الممثلة فى صندوق الانتخابات، وهذه الكوادر لها صفات خاصة أهمها بالنسبة للغرب أن تكون مرتهنة أو مقتنعة بمشروعه، ومرتهنة بالمصالح الرأسمالية العالمية فى داخل بلدانها العربية مقابل أن يساندها الغرب ويقويها سياسيا من خلال تكوين أحزاب وجمعيات وشركات المجتمع المدنى، وامتلاك أدوات الإعلام، ويدعم أفرادها اقتصاديا من خلال توفير فرص ومشروعات مشتركة للمستثمرين ورجال الأعمال منهم، وإلى حد التمويل المباشر أحيانا حتى تمتلك هذه النخب شعبية الشارع وتستطيع تكوين جماعات ضغط ومصالح تساعدها فى الوصول إلى السلطة، فى الوقت الذى ينهزم فيه المشروع الإسلامى فى بلاده.. ومن فضلك قبل أن ترفض هذا التفسير حاول أن تجيب عن سؤال واحد هو: كيف يصل الرئيس الأمريكى للبيت الأبيض.. أوكيف يتحكم يهود العالم فى هذا الأمر؟! (5) وأخيرا يمكن أن نفهم انزعاج واشنطن الشديد من مسألة الانقلاب الناعم أو بمعنى آخر النكوص فى عملية تداول السلطة وتحذيرها للمجلس العسكرى لأنها تتخوف أن يمنع العسكريون فى بلدان الربيع العربى تداول السلطة.. الغرب واليهود يعملون بهدوء وبنفس طويل جدا لتمرير مخططاتهم وتنفيذها والإخوان هددوا العالم بدولة الخلافة حتى قبل أن يثبتوا أنفسهم على كراسى مجلس الشعب فى مصر.. لذلك فإن رسالتى الأخيرة لهم: «افهم يامؤمن».