احتفلت إسرائيل مؤخراً بالذكرى ال 44 لاحتلال القدسالشرقية.. لا أفهم معنى الاحتفال باحتلال وطن لكنها إسرائيل التى تخالف كل القواعد والقوانين والأعراف الدولية وتخالف المنطق أيضاً.. المهم أن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو انتهز كعادته المناسبة وأطلق تصريحات تشبه إلى حد كبير دخان عوادم السيارات.. سموماً ضارة.. فقال إن القدس بشطريها الغربى والشرقى ستظل عاصمة موحدة وأبدية للشعب اليهودى!.. وكعادته أيضاً لم يكن لوقاحته حدود فقد قال فى تصريحه إن العام القادم سيشهد تكثيفا فى أعمال البناء والتطوير فى مدينة القدس التى يطالب الفلسطينيون بشطرها الشرقى عاصمة لدولتهم المأمولة!.. على الجانب الآخر وكرد على وقاحة رئيس الوزراء الإسرائيلى.. أعلن سلام فياض رئيس حكومة تصريف الأعمال الفلسطينية أن القدسالشرقية لن تكون إلا عاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية.. مؤكداً أن السلطة الفلسطينية ستعمل على حماية مدينة القدس ودعم صمود أهلها لتكون - على حد تعبيره - تاج دولة فلسطين وعاصمتها الأبدية.. نتيناهو يقول القدس كلها.. وسلام يقول نصفها الشرقى لنا.. كلام يرد على كلام.. غير أن الحقيقة أن هناك فارقاً كبيراً بين هذا الكلام وذاك الكلام.. والفارق أن هناك طرفاً يقدر ويعمل ويخطط لتحويل كلامه إلى واقع.. وطرفاً آخر كل ما يملكه هو “الأمل” لتحويل كلامه إلى واقع!.. ولست فى حاجة إلى أن أوضح للقارئ أن الطرف الذى يقدر ويعمل ويخطط هو إسرائيل.. وأن الطرف الذى لا يملك إلا الأمل هو الفلسطينيون.. ولست فى حاجة إلى تذكير القارئ بأن الطرف الذى يقدر ويعمل ويخطط.. بدأ بالفعل ومنذ زمن طويل فى تحويل مخططاته الشيطانية إلى واقع، وأنه مستمر حتى هذه اللحظة فى تنفيذ هذه المخططات.. قبل أسبوعين أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن بدء تنفيذ مشروع استيطان جديد فى القدسالشرقية تصل مساحته إلى 1400 وحدة سكنية.. هل يشك أحد بعد ذلك أن إسرائيل تقدر وتعمل وتخطط وأن الفلسطينيين - ومعهم العرب - يتكلمون؟!.. وأضع بعد ذلك نقطة فى آخر السطر وأنتقل إلى سطر جديد بمضمون جديد.. أنتقل إليه مؤقتاً لكى يتأكد القارئ أننا نتكلم وأنهم يعملون ويخططون!.. السطر الجديد عنوانه خلاف «مكتوم» بين حماس وبين مصر.. ويشير المضمون إلى خلاف بدأ يظهر على السطح بين مصر وحماس بسبب معبر رفح.. وقد وصلت درجة الخلاف إلى أن حكومة حماس فى غزة هددت بإغلاق معبر رفح من جانب واحد بزعم أن السلطات المصرية تراجعت عن التسهيلات التى أعلنت عنها فى معبر رفح، وأن هناك تباطؤا غير مبرر فى آلية العمل المتبعة من الجانب المصرى فى المعبر.. من جانبها أعلنت مصر أنها لم تتراجع عن قرار فتح معبر رفح ولم يطرأ أى تغيير على شروط العبور.. وأن المسألة كلها لا تخرج عن كونها مطالبة فلسطينية بزيادة أعداد العابرين يوميا.. لكن مصر متمسكة بأن يظل الوضع كما هو حتى يتم الاتفاق على الأعداد المسموح لها بالدخول يوميا.. ونفت مصر أن يكون أى مريض فلسطينى قد منع من الدخول منذ تاريخ صدور قرار فتح معبر رفح كما تزعم حكومة حماس.. أو أن تكون مصر قد طلبت أى كشوف مسبقة بأسماء الفلسطينيين العابرين.. خلاف «مكتوم» كما وصفته الأنباء لكنه بهذه التصريحات المتبادلة مرشح لأن يكون خلافاً له صوت عال.. لا أناقش هنا أى الجانبين على صواب وأيهما على خطأ لكن فى النهاية نحن أمام خلاف جديد يتصاعد.. والسؤال: هل نحن فى حاجة لمثل هذا الخلاف فى هذا التوقيت؟.. هل ننشغل بخلافات كلامية ونترك الفرصة لإسرائيل وحكومتها ورئيس وزرائها لتنفيذ مخططاتهم.. هل نضيع السلام الذى تكرهه إسرائيل وتحارب من أجل عدم تحقيقه.. وننشغل بالكلام؟!.. ومرة أخرى أضع نقطة فى نهاية السطر الجديد وأعود للسطر القديم الذى بدأت به!.. *** ليس خافياًعلى أحد الظروف المعقدة التى تمر بها مصر.. وليس خافياً على أحد الظروف المعقدة التى تمر بها المنطقة كلها.. وليس سراً أن ظروف مصر وظروف المنطقة تصب فى مصلحة إسرائيل ومخططات إسرائيل التى يهمها أن نظل مشغولين بظروفنا حتى تنفذ مخططاتها.. إسرائيل لا تريد السلام وتعمل من أجل إجهاض فكرته.. ببساطة لأنها لا تريد أية دولة فلسطينية على حدودها.. ولذلك لم يخجل رئيس الوزراء الإسرائيلى نتيناهو ولم يتردد لحظة واحدة فى الرد على الرئيس أوباما عندما أعلن أن الدولة الفلسطينية يجب أن تقوم على حدود ما قبل 1967.. رئيس الوزراء الإسرائيلى قال رداً على الرئيس الأمريكى أن كلامه ليس أكثر من سحابة دخان فى الهواء وأنه من المستحيل على إسرائيل العودة إلى ما قبل 67.. والأخطر من كل هذا أنه راح يتحدث عن إيجاد حل لقضية اللاجئين الفلسطينيين بعيداً عن حدود إسرائيل!.. رئيس الوزراء الإسرائيلى لم يحدد مكان هذا الحل ولم يتحدث عنه صراحة لكن الأمر المؤكد أنه يقصد سيناء!.. هل أدرك القارئ أن هناك ارتباطا بين السطر الأول الذى بدأت به وبين السطر الثانى؟!.. هل أدرك القارئ المعنى الذى أستهدفه من الربط بين خطط ومخططات إسرائيل لمنع إقامة الدولة الفلسطينية وبين خلاف يتصاعد بين الفلسطينيين فى غزة والمصريين فى سيناء؟!.. وليس جديداً أن نعرف أن إسرائيل رددت ولا تزال فكرة أن تكون سيناء - أو جزء منها - هى الدولة الفلسطينية.. ففى فبراير من عام 2008 وفى أعقاب حادث اقتحام معبر رفح.. تحدث حاخام يهودى متطرف يدعى «يونا متنجر» وكان يشغل منصب رئيس طائفة اليهود الأشكيناز.. تحدث عن ضرورة التخلص من غزة بنقل سكانها إلى سيناء وتوطينهم فيها.. وبذلك تكون هناك دولة فلسطينية - على حد تعبيره!.. هذا الكلام بالطبع ليس من بنات أفكار الحاخام المتطرف.. لكنه فكرة قديمة تنطق بها ألسنة بعض المسئولين الإسرائيليين بين الحين والحين.. ليس جديداً أيضاً أن نعرف أن هناك كاتباً يدعى «جوناثان كوك» قام بتأليف كتاب أطلق عليه اسم «فلسطين تختفى».. قال فيه إن هناك عملية إسرائيلية منظمة وممنهجة لإخفاء ما يسمى بفلسطين.. سواء من الخريطة الجغرافية أو من ضمير وذاكرة العالم!.. ماذا نريد بعد ذلك.. هل نظل مشغولين بخلافاتنا لكى «تختفى فلسطين» من أمام أعيننا؟!.. خلافات بين الفلسطينيين والفلسطينيين.. مصالحة فلسطينية.. خلافات بين مصر وحماس.. مصالحة بين مصر وحماس.. فتح معبر رفح فى إطار هذه المصالحة.. خلاف جديد بين مصر وحماس.. أين ذهبت عقولنا؟!.. *** و إذا كنا نتحدث عن العقل أو نتحدث بالعقل فعلينا أن ندرك أن الولاياتالمتحدة - على الأقل فى ظل الوضع العالمى الراهن- هى الأمل الوحيد فى إجبار إسرائيل على قبول السلام وقبول الدولة الفلسطينية.. لسوء الحظ أن طبيعة العلاقات الأمريكية الإسرائيلية - لأسباب كثيرة - لا تصب فى مصلحة الفلسطينيين والعرب.. وليس معنى ذلك أن نستسلم لهذا الواقع الذى ليس فى صالحنا.. وإنما علينا أن نبحث عن البديل.. والبديل المتاح أمامنا الآن هو أن يلجأ الفلسطينيون إلى الأممالمتحدة.. إلى الجمعية العامة لكى يستصدروا منها قراراً بإعلان الدولة الفلسطينية.. القرار بالطبع لن ينشئ الدولة فعلياً لكنه على الأقل سيحفظ فى ذاكرة العالم أن الدولة الفلسطينية موجودة وقائمة.. ثم أنه يمثل ضغطاً على إسرائيل.. الرئيس الأمريكى أوباما أعلن أنه ضد فكرة توجه الفلسطينيين إلى الأممالمتحدة مؤكداً أن المفاوضات بين الطرفين الإسرائيلى والفلسطينى وحدها هى السبيل الوحيد لوجود الدولة الفلسطينية.. لكنه مع ذلك ومع أنه قال بصراحة إنه سيصوت ضد إعلان الدولة الفلسطينية.. إلا أنه أعلن أنه يتفهم دوافع ومبررات الفلسطينيين للجوء لهذا الإجراء ويأسهم من استجابة إسرائيل لعملية السلام.. كأن الرئيس الأمريكى يقول للفلسطينيين: عندكم حق لكن اعذرونا فظروفنا لا تسمح بتأييدكم والمضى معكم فى نفس الاتجاه!.. وإذا كان لهذا الكلام معنى فمعناه ألا نضع فى حساباتنا ونحن مقدمون على خطوة إعلان الدولة الفلسطينية.. غضب أمريكا!.. الشىء الوحيد الذى يجب أن نركز فيه كل حساباتنا هو: ماذا بعد إعلان الدولة الفلسطينية؟.. ما هى الخطوات العملية والإجراءات والخطط التى سنتبعها لكى نحول قرار الأممالمتحدة إلى واقع.. إلى دولة فلسطينية؟!.. *** التاريخ علمنا أن أى شعب لا يستطيع أن يقيم دولته وهو ممزق ومنقسم.. وكذلك الأمم لا تستطيع أن تمضى إلى أهدافها وهى ممزقة ومنقسمة.. كما هو حال الأمة العربية ولن تتحقق أهدافنا.. ولا هدف واحد منها.. إذا استمر انشغالنا بالخلاف.. والكلام!..