«حلّق وحيداً» رواية عليها الامتثال للتصنيف المسمى ب «الروايات التاريخية»؛ ذلك أن فيها سرداً مفصّلاً لأحداث حقيقية. غير أنها ليست ملحمة تاريخية، ولا عسكرية، ولا سياسية، وليس عليها أن تكون كذلك، إنما هي سردٌ تاريخي من خلال الذات المنفردة للراوي والذي هو بطل الرواية في الوقت ذاته. وهي تمثل حقبة مهمة في التاريخ الإسلامي والإنساني بعامة، ألا وهي حقبة سقوط غرناطة؛ آخر معاقل المسلمين في الأندلس. يروي «يوسف» كيف حكم أبو عبد الله (الزغل) مملكة غرناطة بعد تمزق مملكة الأندلس إلى ممالك متفرقة على يد بني الأحمر الذين عجّلت خلافاتهم بزوال حكمهم. كيف هادَن أبو الأحمر ملك قشتالة وانضوى تحت حمايته، فأدى ذلك إلى سقوط القواعد والحصون الواحدة تلو الأخرى. كيف عملت المصالح الشخصية والخلافات بين العرب والبربر، والخيانات والمؤامرات إلى زوال مملكة عظيمة وتمزقها إلى ممالك متفرقة، سقطت الواحدة تلو الأخرى على يد الإسبان، الذين حاصروا غرناطة سبعة أشهر، حتى فعل الجوع فِعل الوباء فيها، فلم تعد الأشياء كما كانت من قبل. حلّ الخراب مكان الحدائق الغنّاء والسواقي والنافورات، القلاع والأبراج والشوارع والميادين والساحات والأسواق، لم يبق شيء على حاله، صار الموت بديلاً للأشياء الجميلة، ومازال «يوسف» يناضل ويشدّ من عزم جنوده والناس ويعمل على رفع معنوياتهم ويحفزهم. ويروي لنا مع كل هذا حكايته مع حب عمره «ماريا» التي كان يلقاها في مكتبة الكنيسة فتبهره بعلمها والشعر الذي تحفظه تماماً كما أبهره جمالها. هو لم يفطن مع كل ما يعانيه إلى أنها ليست على دينه، بل لم يكن الأمر يشغله كثيراً أو يشكّل حاجزاً بينه وبينها. ففي وقت حديثه معها عن حربه مع الإسبان، كان يحضر معها احتفالاتهم. حتى اصطدم بالحاجز الذي لم يكن يفطن إليه، أو لم يكن يشعر بوجوده، فهو ليس عدواً للنصارى، ففي جنده وهو قائد الجيش مسلمون ومسيحيون، بل كانت المسألة بالنسبة له مسألة دفاع عن وطنه. وهو لم يكن في بادئ الأمر يصدق أنه بعد قرون طويلة من امتزاج العرب بالأندلسيين والنصارى بالمسلمين، مازال هناك من يفكر بغزو البلاد. هنا نجد الرواية تأخذنا إلى فلسفة بعيدة عن الحرب والحصار والجهاد، في حوارات متعددة مع «ماريا» والشيخ «عبد الغافرين» وغيرهما، عن الفرق بين الغزو والفتح، وهل كانت فتوحات المسلمين غزوات؟ وعن كيف يشعر أصحاب الأرض الأصليين بعد قرون من الفتح أو الغزو تجاه الفاتح أو الغازي؟