محافظ شمال سيناء: طرح رفح الجديدة وقرى الصيادين والتجمعات التنموية أمام المنتفعين    عيد القمح    نائب محافظ البحيرة تبحث مع الصيادين وتجار السمك دراسة إدارة تشغيل ميناء الصيد برشيد    مقترح أمريكي لاستخدام عوائد الأصول الروسية المجمدة لدعم أوكرانيا    المغرب يستنكر بشدة ويشجب اقتحام متطرفين باحات المسجد الأقصى    الصين ترسل طاقما مكونا من ثلاثة أفراد إلى محطة تيانجونج الفضائية    الدوري السعودي، رياض محرز يقود أهلي جدة أمام الرياض    "كسر رقم جوزيه ومعادلة الترجي".. أرقام قياسية تنتظر الأهلي في مباراة مازيمبي بدوري الأبطال    "أنا مشجع كبير".. تشافي يكشف أسباب استمراره مع برشلونة    الأهلى يخسر أمام بترو الأنجولي فى نصف نهائى الكؤوس الأفريقية لسيدات اليد    طاقم تحكيم نسائي بالكامل لإدارة مباراة في الدوري الإيطالي    التصريح بدفن مدرس لقي مصرعه داخل أسانسير في المرج    عامل يتهم 3 أطفال باستدراج نجله والاعتداء عليه جنسيا في الدقهلية    بعد تكريم والدها.. ريهام عبد الغفور تتصدر التريند    الحكم الشرعي حول الأحلام؟.. خالد الجندي يجيب    «القطر مش هيتأخر».. مواعيد القطارات المتحركة بالتوقيت الشتوي بعد تطبيق الصيفي    وزارة التخطيط تشارك في الدورة العاشرة للمنتدى الأفريقي للتنمية المستدامة    10 ليالي ل«المواجهة والتجوال».. تعرف على موعد ومكان العرض    يمنحهم الطاقة والنشاط.. 3 أبراج تعشق فصل الصيف    الأسواق الأوروبية تغلق على انخفاض .. وارتفاع أسهم التعدين 1.9%    في اليوم العالمي للملاريا.. أعراض تؤكد إصابتك بالمرض (تحرك فورًا)    6 نصائح لوقاية طفلك من حمو النيل.. أبرزها ارتداء ملابس قطنية فضفاضة    "إكسترا نيوز": معبر رفح استقبل 20 مصابًا فلسطينيًا و42 مرافقًا اليوم    دعاء يوم الجمعة.. ساعة استجابة تنال فيها رضا الله    استجابة لشكاوى المواطنين.. حملة مكبرة لمنع الإشغالات وتحرير5 محاضر و18حالة إزالة بالبساتين    سبب غياب حارس الزمالك عن موقعة دريمز الغاني بالكونفيدرالية    بيان مشترك.. أمريكا و17 دولة تدعو حماس للإفراج عن جميع الرهائن مقابل وقف الحرب    وزير الرياضة يشهد انطلاق مهرجان أنسومينا للألعاب الإلكترونية    تفاصيل اجتماع المجلس الأعلى للمستشفيات الجامعية برئاسة وزير التعليم العالي    دعاء الاستخارة بدون صلاة .. يجوز للمرأة الحائض في هذه الحالات    مدرب صن دوانز: الفشل في دوري الأبطال؟!.. جوارديولا فاز مرة في 12 عاما!    رد فعل غير متوقع من منة تيسير إذا تبدل ابنها مع أسرة آخرى.. فيديو    مصادرة 569 كيلو لحوم ودواجن وأسماك مدخنة مجهولة المصدر بالغربية    التحقيق مع المتهم بالتحرش بابنته جنسيا في حدائق أكتوبر    إصابة سيدة وأبنائها في حادث انقلاب سيارة ملاكي بالدقهلية    جامعة حلوان توقع مذكرتي تفاهم مع جامعة الجلفة الجزائرية    تداول 10 آلاف طن بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    تحرير 498 مخالفة مرورية لردع قائدي السيارات والمركبات بالغربية    طريقة عمل مافن الشوكولاتة بمكونات بسيطة.. «حلوى سريعة لأطفالك»    ضبط عامل بتهمة إطلاق أعيرة نارية لترويع المواطنين في الخصوص    محافظ كفر الشيخ يتابع أعمال تطوير منظومة الإنارة العامة في الرياض وبلطيم    وزارة العمل تنظم فعاليات «سلامتك تهمنا» بمنشآت السويس    الكرملين يعلق على توريد صواريخ "أتاكمز" إلى أوكرانيا    مشايخ سيناء في عيد تحريرها: نقف خلف القيادة السياسية لحفظ أمن مصر    أمين الفتوى لزوجة: اطلقى لو زوجك لم يبطل مخدرات    "ميناء العريش": رصيف "تحيا مصر" طوله 1000 متر وجاهز لاستقبال السفن بحمولة 50 طن    أبطال سيناء.. «صابحة الرفاعي» فدائية خدعت إسرائيل بقطعة قماش على صدر ابنها    «التعليم» تستعرض تجربة تطوير التعليم بالمؤتمر الإقليمي للإنتاج المعرفي    مستقبل وطن: تحرير سيناء يوم مشهود في تاريخ الوطنية المصرية    محافظ قنا: 88 مليون جنيه لتمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر خلال العام الحالي    فن التهنئة: استقبال شم النسيم 2024 بعبارات تمزج بين الفرح والتواصل    افتتاح وتشغيل 21 سرير عناية جديد بمستشفي الكرنك في الأقصر تزامنا ذكرى تحرير سيناء    حدث ليلا.. تزايد احتجاجات الجامعات الأمريكية دعما لفلسطين    الفندق عاوز يقولكم حاجة.. أبرز لقطات الحلقة الثانية من مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني    أول تعليق من ناهد السباعي بعد تكريم والدتها في مهرجان قرطاج السينمائي    أحمد موسى: مطار العريش أصبح قبلة للعالم وجاهز لاستقبال جميع الوفود    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    اختيارات النقاد.. بعد سيطرة الكوميديا ما هى الأفلام الأنسب لموسم العيد؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملامح العدوان والمقاومة فى رواية "توما هوك"
نشر في نقطة ضوء يوم 30 - 03 - 2017

“حين عاود “توما هوك” السقوط؛ إرتجت الأرض، تمايلت، سمعت صوت الشظايا تنغرز مثل السكاكين فى الجدران.. يجف الدم فى قلبى من الغليان.
كنت مصمماً فى الإنفتاح على شهية الولوج لمعالم توقظ داخلى بهجة الهواجس التى لا تقاوم.. أغمضت عينى، سمعت استغاثات موجعة وإطلاق رصاص.”
)رواية “توما هوك” للروائى صالح خلفاوى(
مدخل :
تعد التجربة الحربية من أقصى التجارب الإنسانية الخاصة بالأفراد والعامة للجماعة، ومنذ الأزل وإلى الأبد سوف يبقى الصراع سمة بشرية، لا حيلة للأفراد والجماعات أمامها، سوى مواجهته ومحاولة تجاوزه.
فالتجربة الحربية معقدة، ومنبه غير تقليدي.. لا هي أحادية ولا هي بسيطة، ومع ذلك لا تكتسب دلالتها إلا بوجود دوافع داخلية.. مثل دوافع القيم العامة للمجتمعات، ودوافع الإنضباط والخضوع لأوامر الجماعة؛ تلك التى تجعلنا نستقبلها بأشكال متفاوتة سلبا أو إيجابا.
عادة درجة استجابة المرء, إما مباشرة أو غير مباشرة لحدوث اللذة أو الألم، فتكون جملة الإنفعالات التي يعانيها المرء (أثناء الحروب) هي التي ستحدد سلوكه. وقد يلجأ إلى “الخيال”, تلك القوة السحرية الساحرة القادرة على إنجاز الفن أو الأدب بأشكاله المختلفة.
ما سبق لا يعنى أن أدب الحرب في جوهره وسيلة للخلاص الفردي، ولكن يعنى قدرة “الصفوة” من الناس الذين خاضوا التجربة (الحربية)، وقد إمتلكوا الخيال والقدرة على التعبير، يحفظون لنا خصوصية تلك التجربة.. بحيث تصبح دوما نبراسا هاديا.
يأتي “أدب الحرب” في النهاية للتعبير عن هول التجربة ذاتها: يكفى القول بأن النفس البشرية جبلت على حب الحياة، بينما يخوض الأفراد التجربة الحربية مدفوعا بأمر الجماعة، وبناء على رغبتهم، وقد يباركون موته. فالتجربة الحربية ليست ذاتية بالكامل، وتحمل بين طياتها التناقض، فالمقاتل يسعى لإثبات الوجود وتحقيق الأهداف السامية، بينما الواقع المعاش فظ وقاس. لكل ما سبق نحن في حاجة إلى رصد التجربة الحربية وتأملها.
فالصراع باق.. والأفراد الموهوبون لتسجيل التجربة فرصتنا كي تقف مؤشرات الزمن عند تلك اللحظات أو الأزمنة الخاصة لتصبح عونا ودعما. فضلا عن أهمية تلك الأعمال في تغطية الجانب النفسي والتربوي الضروري للأجيال الجديدة، حتى تصمد أمام تحدياتها.
إن “أدب التجربة الحربية” الحقيقي (الجيد) هو أدب إنساني، يرفع من قيمة الإنسان وشأنه، ويزكى القيم العليا.. إنه أدب الدفاع عن الحياة، والمتأمل قد يجد أن أجود الأعمال الحربية (الإبداعية) هي التي دافعت عن الحياة، ولم تزكى القتل من أجل القتل.
وحول التجربة الحربية.. تعددت الأقوال ووجهات النظر.. قال الناقد الإنجليزي “ستيفن سبندر”.. “لا شك أن الألم والشر ليسا من الأمور الجديدة، وإن كانا يزيدان وضوحا في أثناء الحرب، وربما زاد الألم في الحرب الحديثة”
وقال “هيمنجواى “.. “إن حياة المحارب مصارعة من أجل الأمعاء المفتوحة”
وقال “مارتن فان كريفلد”.. “الحرب هي الشيء الوحيد الذي يتيح ويقتضي في نفس الوقت إظهار كل ملكات الإنسان وتوظيفها”
قال “فوكوياما”.. “أن إنتصار الليبرالية الديمقراطية الغربية لا يدعو للابتهاج..لأن الزمن المقبل يدعو للملل وهو زمن حزين، لأن “الصراع” من أجل إثبات الذات واستعداد المرء للمخاطرة بحياته من أجل هدف مجرد، والصراع الأيديولوجي العالمي يدعو إلى الجسارة كالإقدام، ويثير الخيال والمثالية …”
قال “هيجل”.. “تعتبر الرواية مجالا ملائما لوصف الصراع بين شاعرية القلب ونثرية العلاقات الاجتماعية معلنا في الآن نفسه، وظيفتها الاجتماعية.”
قال “باختين”.. “جنس الرواية يتلازم مع التعددية اللغوية..أي تقتضى تعدد وجهات النظر من مواقع اجتماعية مختلفة وهو لا يتم إلا في مناخ قسوة الحرية”
قال “فتحي غانم”.. “التجربة الحربية توازى الأحداث فى الرواية الجيدة”
قال “السيد نجم”.. “التجربة الحربية تعبر عن المفارقة في الحياة، فالنفس البشرية جبلت على حب الحياة، لكن الناس تريد بطلا!”
التجربة الروائية
ترى كيف عبر الروائى “صالح خلفاوى” عن تلك التجربة القاسية المثيرة؟
إجمالا إبداع المقاومة/ والحرب على ثلاثة أحوال.. تلك التي تكتب قبل المعارك.. أو أثناء المعارك.. أو بعد المعارك.
فتلك التي تكتب قبل المعارك، تكشف الحقائق ومواضع الألم، وتهىء العقول والأنفس للمتوقع من شدائد. بينما ما يكتب أثناء الحروب، كثيراً ما يبدو منفعلا, معبأة بالتحذيرات التي قد تبدو مباشرة أحياناً, وقد يصل الأمر إلى حد رفع الشعارات وإبراز الإيديولوجيات السياسية (ولا غضاضة من ذلك، فلا يبقى للأدب من دور، إن لم يشارك بالتعبئة والتحفيز على الفعل الصعب، إن لم يشارك في فترات الخطر الداهم/الحروب).
أما النمط الثالث فهو الذي يكتب بعد المعارك.. حيث يعلن المنتصر أنه الأقوى وأفكاره هي الأبقى, وتزدهر الأفكار المنتشية بالنصر لتعضيد عناصر قوتها. أما المنهزمة فيبقى على حال أهبة الاستعداد للمقاومة.
تعتبر تلك الرواية “توما هوك” من تلك الروايات التى تخضع للنمط الثالث (كتبت بعد معارك الحرب على العراق فى 2003م).
تشكلت الرواية فى مائة صفحة (حجم صغير)، غير مرقمة فى 12 فصل، غير ساردة لتفاصيل الأحداث التاريخية والإخبارية حول المعارك والحرب، إنشغل الروائى أكثر بإنعكاس تلك المعارك على الشخصيات، وإبراز البعد النفسى والجسدى، تعبيرا عن الحرب وأثرها.
وهو ما تبدى فى توظيف تيار الوعى وإستحضار الماضى والإسترجاع، مع البنية النفسية. “يستفيق جسدى كعادته يهذى، أجلس أمام شاشة التليفزيون، الأخبار تختلط مع الليل، وفقاعات دمى تطبق بفزع على مواقع الصواريخ حين ترمل وطنى” ص11 “أردت التعبير بلغة مسهبة عن معاناة تتفادى التكرار، جينات تشكل وعيا مبهما، يرفض الاعتراف بوصفة تميزنى، وتجعلنى لا أغادر الصمت” ص78
الشخوص الواقعية والمتخيلة
: هو.. فلما أقبل العيد وهو فى الأربعين من عمره، بدا أنه يمارس حياته بنمط هش يخشى الإنحدار، تكتفى حواسه بدحرجة مشاعر خرقاء.. وعندما تابع الحبيبة التى لم يبح لها عن حبه! ورغم تعثر الحبيبة تتابع السير، “إنها ملاصقة روحى..”ص6
يتذكر حلم البارحة، لرجل طويل القامة، لحيته الصفراء تعكس حدة، زرقة عينيه تتلمس الدرب بوهج مرسوم على امواج مياه ابتلعت قوارب لا حصر لها، فسأله: “أظنك شارلمان”ص8
لكنه كثيراً ما ينتبه وينظر من حوله، عندما يبتلعه هاجس الرعب بسبب جلجلة صواريخ “توما هوك”: “عند منتصف الليل نسمع أزيز “توما هوك” يعبر من فوق رؤوسنا، تتصاعد تمتمة نائمة لاحلام تكتشف أسرار القلق”ص23
وبعد كل تلك السنوات عرف أن أمه وأبيه مطلقان منذ ثلاثة عقود- لعلها عدد سنوات حكم صدام حسين للعراق- كما تعرف على “أمال”، تلك التى جسدت الشهوة وأغرقته فيها: “أمال صارت عندى جرأة تستبيح عواطف جياشة، تنحنى عند سخرية المواقف المتبادلة حتى تصبح دبقا يغزونى” ص39
وبعد تلك السنوات ما زال يتذكر المارد غير المألوف فى وجه أبيه! يوم أن سأله صبيا: “هل تتردد على الخان خلسة؟”ص48.. مثلما تذكر يوم هرب الاب مع الام وأخية الرضيع الى الهوز، حيث ظل الرضيع يبكى، حتى صاح الجنوبى الذى يقود القارب الذى يقلهم وقال: “إما أن تسكت الرضيع أو أغرقه فى الهور”ص49. وبعدما كان الخان محل ممارسة ملذته قال: “أحسست أن حماقاتى لا تمنحنى البهجة”.
كونه صاحب مخزن أخشاب، قرر متابعة عمله، بعد أن عجز عن الجلوس الى حبيبته كى تقص على مسمعه أسباب طلاقها، ومشاكلها مع أمها. بينما كانت طائرات العدو تغير على بغداد.
هى الفوضى التى تملكته فيما بعد: “فوضى فى عقلى، فقدت القدرة على التركيز، ممزق تحت وابل الدمار الذى تخلفه الحرب”ص64
وهى التلصص والتجسس والريبة التى يعيشها، يقول: “اعتادت جثتى السعى لفك رموز منحرفة، يدعى “فائز حسون” حرصه على، ويسلم تقاريره لشعبة الاستخبارات”ص75
نال منه ضعف البصر، وعدم القدرة الجسدية على الحركة، لكنه لا يدرى إن كان ذلك بسبب كبر السن، أم بسبب دمه الذى لا يسرى فى عروقه بصورة صحيحة.. بينما يفهم القارىء أنه ما زال فى الاربعين! فهو القائل: “لكنى كنت متأكدا أن النخلة ما زالت موجودة، حيث زرعتها قبل أربعين عاما، حملتها داخلى”ص91
أخيرا شعر بأن أعضائه تسيل على الرصيف، وإمرأة سمراء تطلب منه الاقتراب، قد تكون “أمال”!. بينما فى الصباح التالى وقف فى إنتظاره –ذلك الرجل الخفى ولعله هو هو الراوى- وقص على مسامعه ما كان مع زميله.. فقد مارس أحدهم الجنس مع أم زميله وهو ضيفهم وصديق الاب أثناء تواجده فى ليبيا. إلا أن القدم طلب أن يبقى وحده فى غرفته، وفى الصباح تم تشييعه، وإتهمه الاشقر من فوق حصانه باغتصاب القادم، وهناك أخبره الزميل مبتهجا أن أمه حامل. أخيرا يخبرنا الرجل بعدم إمكانية الرجوع، فتلك النخلة التى بعمر أيام حياته لم تعد فى مكانه
: هى.. تزوجت من العجوز الذى يكبرها بعشرين سنة، الزوجة الثانية له، تمل لعبة الفراش لكنها تواقة إلى طفل فى أحشائها (مثل بذرة برية)ص15، تهيم شوقا لطفل يكبر. أثناء المرحلة الثانوية، إرتبطت بعلاعقة غير سوية مع صديقتها “أمال” المتمرسة فى لعبة الحب.
وحملت ومع ذلك ما زالت تحن إلى ابنة الحاج “شلتاغ”. ودوما الصاروخ “توما هوك” يفزعها كما يفزع غيرها: “يبتلع هاجس الرعب الملاصق لجلجلة صواريخ (توما هوك)ص21.. “عند منتصف الليل نسمع أزيز (توما هوك) يعبر من فوق رؤوسنا، تتصاعد تمتمة نائمة لأحلام تكتشف أسرار القلق”ص 23
ويخبرنا الرواى تقريرا بأن الحرب تبرر الحزن، وإندلاع حروق الكراهية: “وأيقنت أن فوضى الحرب تخلف شهوة لا مسؤولة”ص29
وعلى طرف آخر أرسلت “صونكول” رسالة وأخبرتها بأنها أجبرت على قبول خطبتها من سردار صديق والدها! عاشت معه مع مشاعر متناقضة، بدت كثيرة النفور منه ومع عواطفه المتزايدة تستجيب لطلباته، ثم تعود وترفضه.
“حياتنا المشتركة حشد صاخب لمشاعر تعتريها البرودة بسبب وطأة الحرب، وتوافقه الموحش مع زوجتيه خصوصا زوجته الثانية التى تعانى الطلق، شاركت الجميع متعة الولادة بعربدة منهكة، وزفرة تخفى بين طياتها حسرة”ص68
هكذا كانت ويلات الحرب، والفوضى، والتلصص، حتى نال الألم منه، حتى عجزت أعضائه عن التقدم أو التراجع: “.. عرفت مشكلات مستعصية، حاولت التخلص منها، راقبت وجوها بانت عليها ملامح باهتة حصيلة إدراك رهيب، عجزت من التعامل معها بحذر”ص79
: شرلمان.. شخصية خيالية القى بها الروائى ووظفها لدلالات يسعى لتوصيلها إلى القارىء. ومع ذلك فهى شخصية تاريخية معروفة.
هو ملك الفرنجة بين عامي (768- 800م) وإمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة بين عامي (800- 814م). وهو الأبن الأكبر للملك پپن الثالث، حكم مملكة الفرنجة مناصفة مع شقيقه كارلومان حتى موت الأخير عام 771م. عندها أمسى شارلمان الملك الوحيد لشعبه، فقام بحملات واسعة للسيطرة على الأراضي الأوربية المجاورة لمملكته ولتبشيرها بالمسيحية.
هزم اللومبارديين في شمال إيطاليا وضم إقطاعياتهم عام 774م، وحاول طرد المسلمين من أسبانيا ولكنه فشل في ذلك، ونجح في السيطرة على بافاريا عام 778م.
حارب شارلمان السكسون لسنوات عديدة فهزمهم وأدخلهم في المسيحية عام 804م، وأخضع أيضا الآفاريين المقيمين على الدانوب وسيطر على العديد من الدول السلافية. وتمكن من إنشاء إمبراطورية ضمت معظم الأراضي المسيحية في أوروبا الغربية باستثناء الجزيرة البريطانية، جنوب إيطاليا وجزء من اسبانيا.
دعا شارلمان الكثير من العلماء والأدباء والشعراء لمساعدته في البدء بنهضة دينية ثقافية فى أوروبا عرفت بالنهضة الكارولنجية. كما قام أيضا بسن القوانين وبتنظيم الأمور الإدارية في إمبراطوريته وأدخل الكتابة في الشؤون الحكومية.
أما وقد تعرف عليه فى الحلم ليلة بلوغه الأربعين من عمره، كان ذلك على مقربة من مياه البحر التى ابتلعت قوارب لا حصر لها (قوات شارلمان): “فسأله: أما زال “هارون الرشيد هناك؟”.. رغبة جامحة جعلته يسألنى، سطوة تعاود النطق، وعجث خطواته بالحنين، بحث فى الفضاء عن نقطة تكوين تبدد ضمور الصبر عنده، قلت: “أظنك شارلمان” ص8
مع المزيد من مشاعر الهول بسبب “توما هوك”، صار من المألوف أن تتكرر حالات الهذيان: “حركاتى اللاشعورية، أيقظت سكونا ثقيلا، فز من وطأتها (شارلمان) فبرز شاهرا سيفا من جمر… صراخه يملأ الوادى، بقيت أبكى..”ص37
ومع الوقت وإمتداد الزمن، كان “شارلمان” جاثما حتى رؤه مرتديا لباسا تقليديا مثل سكان المدينة: “وقف ينتظر الحافلة ممتعضا، يفرك يديه بنفاد صبر باديا على محياه، تقدمت صوبه، أفزعنى صراخ صبية، يحملون حقائبهم على ظهورهم، يتناقشون حول الدورى الاسبانى بحرقة، وزعيق بفصح عن غلاظة تفيض خشونة، عبارات بذيئة”ص97
قراءة عامة
إن رواية “توما هوك” تسعى لرصد فترة قاسية وتتسم بالشراسة والبغض من تاريخ العراق المعاصر، بسبب العدوان الامريكى عليها عام 2003م. وهى الرواية الاولى تقع تحت يدى تتناول تلك التجربة، وأرجو أن تكون الغفلة عندى.
أهم ما اتسمت به الرواية: .. هى مجموعة من الرموز والتناولات النفسية، وهو ما تجلى فى توظيف فى توظيف أسلوب وصفى جعل من الراوى العليم قادرا على بث أفكاره ورؤيته.
.. توظيف الجنس توظيفا نفسيا وإجتماعيا، بحيث يبرر مقولة قديمة/ جديدة بكون زمن الحروب هو زمن الفوضى والضلال.
.. لا توجد “حدوتة أو حكاية” بالمعنى التقليدى فى النص، بل بدت الأحداث رد فعل ظاهر على اسحياء، معبرا عن المعاناة النفسية والجسدية والاضطراب.
.. لا تعنينا الأسماء، فأغلب الشخصيات لم نتعرف على أوصافها تفصيلا، يعنينا أكثر الرصد الجوانى لتلك الشخصيات، وهو ما سعى إليه الكاتب مع الصفحة الأولى.
.. وإن بدت الرواية غامضة، لا تكشف عن نفسها إلا بعد أكثر من قراءة، قد يبرره الحالة الوصفية التى تبناها الكاتب، لابراز “حالة” وليس “حدثا” محددا.
.. بقى توارد ذكر الصاروخ “توما هوك” وأفاعيله، مبررا منطقيا، ورمزا دالا يغنى عن تفاصيل وصف سردى للحرب التقليدية.
.. أوجزت الشخصية المتخيلة/ الواقعية التاريخية “شارلمان” الكثير مما يمكن أن يقال للتعبير عن الغزو الغربى للأراضى العربية.
.. عنوان الرواية “توما هوك” أوجز الكثير مما يمكن البحث عنه داخل الرواية، على حضور المتفرق والقليل نسبيا بين طيات النص.
.. بدت الخاتمة معبرة عن رفض كل ما قال به النص، حينما قال: “أخيرا توصلت إلى فكرة، طمثت آثار أحلامى التى كانت حافزا للاثارة التى أودعتنى أسير انعكاس متباين.. لكن لا يمكننى الرجوع؛ لأنه لا توجد شجرة بانتظارى”ص100
.. تعبر الرواية عن التجربة الحربية، ضمن معطيات أدب المقاومة.
أخيرا تعد الرواية من الأعمال الجادة التى صبر عليها كاتبها “صالح جبار خلفاوى”، لتضيف إلى مكتبة “أدب المقاومة” العربى نصا يستحق القراءة، وإن لزم الأمر المزيد الجهد!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.