يتضمن كتاب "تجليات أبنية الخطاب الشعري عند أحمد مشاري العدواني" دراستين عن الشاعر العدواني يقول عنهما مؤلفه الدكتور عبدالله أحمد المهنا أنهما كُتبتا في وقتين وظرفين مختلفين، الأولى كتبت عام 1996 وقدِّمت في دورة أحمد العدواني (الدورة الخامسة) التي أقامتها مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري في مدينة أبوظبي اكتوبر/تشرين الأول 1996. وتوقف المهنا في هذه الدراسة عند بنية المضمون في شعر العداوني بحسبها ظاهرة مهمة في شعره، لما تنطوي عليه هذه البنية من قضايا وإشكالات شديدة الحساسية لارتباطها بقضايا الواقع اجتماعيا وسياسيا وثقافيا وفكريا، بيد أن الشاعر بمهارته الفنية واللغوية استطاع أن يقدم لنا مشاهد شعرية حية، تنبض بالحركة والحياة. ويشير المؤلف إلى أنه لا مراء في أن الوقوف عند بنية مركزية في أي عمل إبداعي يعد ضربا من المغامرة النقدية التي تأخذنا إلى آفاق أبعد من بنية مغلقة على مضامين محددة، لذا يرى المهنا أن هذه الدراسة ضربا من المغامرة النقدية التي يتمنى أن يكون قد نجح في اقتحامها وتقديم شعر العدواني بالصورة التي يستحقها على الرغم من أن العدواني لم يكن له غير ديوان واحد هو "أجنحة العاصفة". أما الدراسة الثانية التي يحتويها كتاب "تجليات أبنية الخطاب الشعري عند أحمد مشاري العدواني" فتأتي بعنوان "أنماط وصور من البنية الشعرية عند العدواني" وهي تأتي بعد مضي أكثر من عشر سنوات من تاريخ كتابه الأول، بعد أن نشر جميع المخطوط من شعر الشاعر، ويرى المهنا أنه زمن طويل نسبيا تغيرت فيه الكثير من المفاهيم والرؤى النقدية في معالجة الشعر. وقد حاول المؤلف أن يوظف ما تحصَّل له من ذلك في هذه الدراسة التي تم نشرها من قبل في الكتاب التذكاري الذي أصدره قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الكويت عام 2010 عن فقيد اللغة العربية أ. د. مصطفى النحاس. لقد حاول د. المهنا في هذه الدراسة الثانية أن يقدم صورة غير نمطية عن شعر العدواني بالوقوف عند الأبنية الشعرية التي تتعاقب بصور وأشكال منتظمة في معظم قصائد العدواني حتى بدا للدارس كما لو أن الشاعر كان يتقصدها تحديدا، لإكساب تجربته الشعرية ملامح خاصة، غير أن الواقع النقدي لهذه التجربة الشعرية يكشف أن العدواني لم يتقصد شيئا من هذه المظاهر الفنية، وإنما كانت تنساب بصورة طبيعية في أنسجة شعره، وبصورة مكثّفة أحيانا تدعو للدهشة والانبهار. ويرجع المهنا ذلك إلى ثقافة العدواني الشعرية الواسعة من جهة وإلى طول تجربته الشعرية التي تعود جذورها إلى الأربعينيات من القرن الماضي، أيام عهد الطلب في مصر، حيث شهد حركات شعرية مختلفة، ابتداء من حركة الديوان، وجماعة أبوللو، إلى حركات الحداثة التي قلبت مفاهيم الشعر رأسا على عقب، وامتد أثرها إلى معظم المشتغلين بالشعر، ووسط هذا الضجيج الشعري تمكن العدواني من أن يصنع له موقفا وسطا يحفظ له أصالته الشعرية، فلم يتنكر للقصيدة العمودية التي تهيمن على الكثير من قصائده، ولم يرفض قصيدة التفعيلة، فله فيها قصائد في القمة من الإبداع الشعري. وفي تصديره للكتاب الذي صدر عن مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري وجاء في 242 صفحة، يؤكد البابطين أن كتاب د. عبدالله المهنا يدخل إلى عمق الأعمال الشعرية للعدواني ويسبر أغوارها ويأخذ بأيدينا إلى عالم العدواني الشعري ليكشف لنا رؤاه وجمالياته في آن معا، مرتكزا في ذلك على منهج نقدي يجمع فيه المؤلف بين الدرس الأكاديمي المنضبط والذائقة الفنية المدهشة، صادرا في تحليله عن نصوص العدواني ذاتها عبر نهرين متعانقين تجري في أحدهما بنية المضمون ذات الطبيعة الجدلية الحاكمة لرؤية الذات والموت والواقع وما وراءه والخيال والتصوف وغيرها من الرؤى التي يطرحها شعر العدواني. أما النهر الآخر الذي يتحدث عنه البابطين في كتاب المهنا فينصرف إلى دراسة أنماط البنية الشعرية وصورها عند العدواني متناولا إشكالية تجربته الشعرية من خلال تحليل شعرية التوازي وشعرية التكرار في إبداعه. يذكر أن الشاعر أحمد مشاري العدواني (1922 1990) أسس في الكويت سلسلة "عالم المعرفة" ومجلة "عالم الفكر"، ومجلة "الثقافة العالمية"، كما أسس معرض الكتاب العربي، وأنشأ المعهد العالي للموسيقى العربية والمعهد العالي للفنون المسرحية ومعهد المعلمين، وغير ذلك من جهود تحسب له في حقل الثقافة العربية في الكويت. وينتمي العدواني إلى جيل الشعراء العرب الذي ظهروا بعد الحرب العالمية الثانية، وحملوا راية التجديد والدعوة إلى الإصلاح والتبشير بحركة التنوير التي أخذت تسري بين شباب العرب بعد أن رأوا ما وصل إليه حالهم من ترد وتخلف في كثير من مناحي الحياة. ويؤكد د. المهنا أن الشعر ظل خيار العدواني الأول في معركة التنوير، لم يتخل عنه حتى بعد أن أثقله المرض.