حالة غريبة لا تصادفها في أي بلد في العالم، وكأن الحكومة تتعمد بالفعل أن تترك الناس نهبًا للشائعات، بل هي أحيانا تساعد علي انتشارها، إما بالمعلومات الخاطئة، أو بالتصريحات المتضاربة!. الشتاء علي الأبواب، شتاء السياسة وشتاء الأمراض،.. موسم أنفلونزا الخنازير والطيور، هل تتذكرون كيف عاشت مصر، حكوماتها وإعلامها وصحافتها قبل عامين هستيريا المرض، وكيف نجح الضغط الإعلامي الهائج في ارتكاب مذبحة الخنازير، والتي شاهدها العالم بذهول؟!، وكانت أنفلونزا الخنازير في ذلك الوقت تجتاح العالم من المكسيك وأمريكا حتي أوروبا وآسيا، ومع ذلك كانوا يتعاملون مع المرض بمنتهي الثقة والهدوء، كان الهلع عندنا وكان العلم والطب عندهم، .. وهذا هو الفرق!. انتهت هوجة انفلونزا الخنازير، وقبلها الطيور، ولم يعد أحد يهتم بأعداد الضحايا ولا بإجراءات الحكومة في التعامل مع المرض!. ثم جاءت رياح هذا الشتاء محملة بمرض في العين، ظهرت إصاباته الأولي في الدقهلية ثم ظهرت حالات أخري في أنحاء الجمهورية ونقلت الصحافة عن مسئولين وأطباء بأن المرض الذي أطلقوا عليه اسم "ملتحمة العين" قد يتحول إلي وباء وأنه يهدد تلاميذ المدارس، وكالعادة تركت الحكومة الهلع ينتشر، وبدأ الأهالي يمنعون أبناءهم من الذهاب الي المدارس التي ظهرت بها الإصابات!. ووسط الضجيج تبددت أصوات أطباء كبار متخصصين أكدوا بأن ملتحمة العين هو ذات المرض الذي يطلق عليه المصريون منذ الأزل أسماء الرمد أو الرمد الربيعي.. إلخ، أو أنه علي الأقل إحدي إصابات العيون التي اعتاد عليها المصريون في الريف طول عمرهم،.. وأخيرًا قرر د. حاتم الجبلي - الذي تذكر بأنه طبيب قبل أن يكون وزيرا- أن يدلي بدلوه انطلاقا من ضميره العلمي وقال بأن ملتحمة العين مرض تافه وأنه يختفي بعد أيام وقد لا يحتاج إلي علاج!. والحقيقة أن كلام الناس الذي رافق المرض منذ البداية لو سمعه المسئولون سوف يخجلون من هذه الهستيريا التي يتركونها تنتشر عند ظهور أي مرض، حالة غريبة لا تصادفها في أي بلد في العالم، وكأن الحكومة تتعمد بالفعل أن تترك الناس نهبًا للشائعات، بل هي أحيانا تساعد علي انتشارها، إما بالمعلومات الخاطئة، أو بالتصريحات المتضاربة!. وإذا كانت الحكومة قد تركت شائعة "ملتحمة العين" الساذجة ليتلهي بها الناس قليلا في عام الانتخابات، أظن بأن المناخ السياسي الذي يزداد سخونة وتعقيدًا يوما بعد يوم لن تفلح معه بعد ذلك أي "أمراض" قد تخترعها الحكومة فيما بعد!!