الحرب تجربة لا تتكرر كل يوم، كما أنها مُكلفة بدرجة عالية ماديا وبشريا، لذلك تستغلها بعض الدول خاصة المُنتجة للسلاح كحقل تجارب لأسلحتها الجديدة، وأيضا لأساليب القتال المُبتكرة، وأحيانا للاثنين معا. وليس معني ذلك أن تُشعل الدولة حربا من أجل تجربة سلاح جديد، ولكن يضاف هذا النشاط ضمن التخطيط للعملية العسكرية داخل الإطار الشامل للحرب، وتتم هذه التجارب تحت أعين القادة والمساعدين التكنولوجيين لتقييم طبيعة الأداء، وحجم التأثير عند الهدف، ومدي سهولة الاستخدام بالنسبة للجندي العادي والقائد المحترف. وبسبب أن إسرائيل من بين الدول الكبري المُنتجة والمصدرة للسلاح (5 بلايين دولار في العام)، فهناك من يري أنها تستخدم حروبها لتجربة أسلحتها وتحسين خصائصها، ويؤكد ذلك أن شركاتها المُنتجة للسلاح تروج له تحت شعار "مُختبر في الميدان" وهو شعار يحمل معاني كثيرة لأن حروب إسرائيل لا تتوقف منذ نشأتها، كما أنها تأخذ أشكالا مُتنوعة من الحرب التقليدية إلي الحرب ضد الإرهاب، مرورا بحروب المدن التي خاضتها في أكثر من مدينة فلسطينية وعربية. في حرب غزة الأخيرة، اعتقد كثير من المحللين أن إسرائيل تستخدم أسلحة مُحرمة دوليا ضد الفلسطينيين، وأشاروا بالتحديد إلي طلقات الذخيرة الفسفورية المُستخدمة لأغراض إخفاء تحركات القوات الإسرائيلية داخل المدن، ولإنارة أرض المعركة في أحيان أخري، لكن هناك شكوكا حول استخدامهم هذه الذخيرة كسلاح ضد المدنيين من خلال ما تُحدثه من حروق شديدة عندما يلامس دخانها الأبيض جلد الإنسان. فعندما تنفجر هذه الذخيرة تنتشر منها جُزيئات بيضاء دقيقة من مادة الفوسفور تشكل نوعا من الستارة البيضاء المُضيئة والتي يمكنها إحداث أذي شديد لمن يلامس جسده هذا النوع من الدخان. وقد اعترف الإسرائيليون أنهم قد استخدموا طلقات الفسفور الأبيض في الحرب اللبنانية 2006، كما استخدمتها أيضا الولاياتالمتحدة وبريطانيا في العراق. والمشكلة في غزة أنها من أكثر المناطق كثافة للسكان علي مستوي العالم، ولا يمكن التفرقة بسهولة بين استخدام هذا السلاح عن قصد ضد الفلسطينيين المدنيين، وبين استخدامه لأغراض أخري مشروعة. وبشكل عام، عندما تنفجر طلقة الفوسفور تتحول إلي نُتف صغيرة من الفسفور المُشتعل بنار صفراء اللون، تتحول إلي دخان أبيض عندما تتعرض للأكسوجين الجوي. وإذا لامست جلد الإنسان، تُحدث فيه حروقا من الدرجة الثانية والثالثة، ولا يتوقف اشتعالها بمجرد ملامسة الجلد، بل يستمر الاشتعال حتي تنتهي نتفة الفسفور الصغيرة من الاحتراق الكامل. وهناك أيضا انقسام في مدي سُمية هذه المادة، وهل لها تأثير كيماوي قاتل، وبذلك يمكن اعتبارها سلاحا كيماويا وليس سلاحا حارقا. وهناك اتفاقيات مُختلفة تُحرم المواد التي تسبب الاختناق لسميتها الشديدة، كما يوجد اعتراض علي استخدامها كسلاح حارق ضد المدنيين المحميين بمظلة القانون الدولي أثناء العمليات العسكرية. وبالنسبة للتأثير الكيماوي، يشير البعض إلي أن إسرائيل ليست مُوقعة علي اتفاقية الأسلحة الكيماوية. ولقد ثار جدل قانوني حول مدي تحريم طلقات الفسفور الأبيض من عدمه طبقا لمعاهدة جنيف 1980 التي تنص علي أن الفسفور الأبيض غير مسموح به كسلاح لإحداث ضرر في الخصم في المناطق المدنية، لكن لا يوجد تحريم قاطع له تحت القانون الدولي في حالة استخدامه لإخفاء تحركات القوات أو لإضاءة أرض المعركة. والمفاجأة، إعلان إسرائيل أنها لا تستخدم مادة الفسفور في ذخيرتها، ورفضوا الإفصاح عن المادة المستخدمة، وأصروا علي أنهم يحترمون القانون الدولي. وبعيدا عن قصة الفسفور الأبيض وتأثيراته الحارقة، أكد عدد من الصحفيين والأطباء الغربيين الذي عملوا في غزة خلال الحرب الأخيرة أن إسرائيل تستخدم غزة كمعمل تجارب لأسلحتها الجديدة. ويؤكد بعض الأطباء النرويجيين الذين أُرسلوا إلي غزة في 31 ديسمبر وأقاموا بها عشرة أيام أن إسرائيل استخدمت نوعا من الذخيرة التي تحتوي علي متفجرات معدنية عالية الكثافة والقادرة علي تحويل الجسد إلي أشلاء صغيرة. وهي مختلفة تماما عن الشظايا التي تنتج من القذائف التقليدية حيث تنزع الجلد من اللحم، وتؤدي إلي مرض السرطان إذا لم تقتل في بعض الحالات. هناك في الحقيقة فيض من المعلومات والمعلومات المضادة في الساحة، وحتي الآن لم تخرج منظمة دولية محترمة بتقييم مُحايد لتلك الاتهامات. إسرائيل من جانبها تقول أنها مُلتزمة بكل القواعد والقوانين الدولية وأن ما يقال عنها مجرد تشويه إعلامي وتعبئة للمشاعر ضدها، وهناك من يقول ان إسرائيل نفسها تروج لهذه الأنباء من أجل تخويف العدو وردعه وللتأثير المعنوي علي المدنيين الموجودين بكثافة في ميدان القتال. لذلك هناك واجب مُهم علي المنظمات الدولية المحترمة أن تقوم به، وهو أن ترصد مثل هذه الأشياء وتسجلها وتحللها للمستقبل، كما أن علي مصر من خلال ما تُرسله من أطباء وصحفيين وغيرهم من الخبراء، أن تعطي اهتماما خاصا لهذه الظواهر والمتغيرات في أسلحة القتال الإسرائيلية وأسلوب استخدامها، لأن الحرب فرصة لا تتكرر كثيرا، والحصول علي دروسها وسط اشتعال النار وحركة الجماهير تستحق العناية والاهتمام، لأن جزءا كبيرا من معارك المستقبل سوف تحدث داخل المدن.