كتاب أو رواية او سيرة ذاتية او قصص قصيرة كلها اوصاف يمكن ان نطلقها علي احدث مؤلفات الاستاذ الدكتور شريف قنديل المعنونة "حكاية لكل العصور" والتي اصدرتها مؤسسة دار الهلال في سلسلة "كتاب الهلال" وهي سلسلة رائدة تغذي فكر المصريين بل والعرب، وتصهر تراثهم صهرا لكي يستوعبوه بسهولة وسلاسة ويسر، وكتاب "حكاية لكل العصور" يسرد من خلاله المؤلف لمحات عن حياته منذ بداية تعليمه في مدارس مصر وحتي حصوله علي الدكتوراة في الكيمياء من جامعة لانكستر ببريطانيا، وكل ذلك عبر حكايات صغيرة موجزة من خلال حديثه عن شخصيات مصرية او بريطانية، او من دول اخري قابلها عبر تلك الفترة، ومن خلال عملية السرد، الذي ينتهج اسلوب السهل الممتنع، يقدم لنا المؤلف فكرة ورؤيته من خلال حواراته مع اصدقائه وزملائه من الصغر وحتي حصوله علي الدكتوراة واستمرار بعض تلك العلاقات حتي اللحظة الراهنة. من الصعب الاستعراض التفصيلي لمجموعة ممتدة من الحكايات عبر الزمن ولكن قراءة الكتاب تجعل المرء يحس براحة نفسية لعدة اسباب في مقدمتها الاسلوب السلس الذي لا يرهق القارئ بل يجبره اجبارا محببا للاستمرار في القراءة بشوق واستمتاع منقطعي النظير، وثانيها بساطة السرد التي تجعل القارئ يشعر انه جزء لا يتجزأ من حياة المؤلف او تجعل حكايات المؤلف هي جزء من حياة القارئ، انه امتزاج عجيب يندر ان يجده الانسان في كتاب السيرة الذاتية او كتاب الادب والرواية، ولعل ذلك سمة فريدة يتميز بها شريف قنديل، واخيرا فإن الكتاب هو سرد تاريخي وسياسي لحقبة مليئة بالاحداث حافلة بالعبر، حبلي بالمعاناة والمآسي من تاريخ مصر والعرب وقضية فلسطين. ويشير المؤلف بحق للمفارقة الواضحة بين موقف الجمعية العامة للامم المتحدة بوصف الصهيونية بأنها حركة عنصرية بقرارها رقم 3379 "1975" ثم قرار نفس الجمعية العامة للامم المتحدة رقم 4868 "1991" بإلغاء القرار الاول، ولعل كلا القرارين كان فريدا في نوعه سواء الوصف وما انطوي عليه من ادانة او الالغاء وما انطوي عليه من شعور بالخطأ والذنب ضد اسرائيل، وكلاهما في تقديري تعيير ليس عن مبادئ الحق والصواب والعدل والظلم بقدر ما هو تعبير عن تغير موازين القوي الدولية لفترة قصيرة لصالح العرب، ولفترات طويلة لصالح اسرائيل، نقول كما اشار الكاتب بحق "انه من المؤسف اننا رغم عدالة قضيتنا وامكانياتنا المتعددة متفرقون مبعثرون بينما يمكننا عمل الكثير ولكن ما يثير الاسي حقا اننا تشرذمنا نفسيا ولم يعد الجيل الجديد من الشباب يبالي بهذه القضية البعض يدرك انها مأساة ولكنها علي وشك الغياب في تلافيف التاريخ ويساهم العرب عامة والفلسطينيون خاصة قبل غيرهم في هذه المأساة بوعي او بغير وعي. حقا انها مأساة انسانية ولكنها في اطار مسيرة التاريخ ليست الا حادثة واحدة وكم في مسيرة التاريخ من مآسي مماثلة، وكم من شعوب ضاعت حقوقها، وكم من حضارات سادت ثم بادت، ومن ثقافات ازدهرت ثم اندحرت، المأساة الاعمق ليس فقط بالنسبة لفلسطيين، ولكنها لحضارة العرب والمسلمين، والتاريخ يسير في طريقه لا يتوقف عند حدث، ولا يرحم ضعيفا ولا يكترث كثيرا بمفاهيم الحق والعدل، لان مسيرته تدفعها عوامل ثلاثة هي القوة والعلم والارادة، وهذا ما جعل اليهود يعودون بعد انزواء لعدة قرون ذاقوا خلالها الويل والثبور ولكنهم عادوا للظهور بقوة وبعلم وبإصرار وارادة وتراجع الفلسطينيون كما تراجع العرب والمسلمون لتشرذمهم وتشتتهم وتخاذلهم وفساد عقولهم بالخرافات بدلا من البحث العلمي وضعف ارادتهم. ونفس الشئ يمكن ان نقوله علي حضارة الفراعنة العظيمة التي اصبحت ذكري واثارا ولم تعد للحياة سوي اثار واطلال وذكريات بعكس حضارة الصين القديمة التي اعاد مجدها قادة الصين الحديثة او حضارة الهند الهندوسية التي في سبيلها للعودة للحياة او حتي المحاولة التي تقوم بها ايران والمغلفة بالدين لعودة حضارة الدولة الفارسية وقوتها من خلال البرنامج النووي والاصرار علي التطور العلمي. هذه كلها شجون اثارها كتاب "حكاية لكل العصور" حيث استاذ الكيمياء يتحول الي مصلح للنظام التربوي غير القابل للاصلاح، وحيث معامل مراكز الابحاث تعاني شح المصادر العلمية والاجهزة واحدث المؤلفات ويعيش احد وزراء البحث العلمي السابقين حالة من تحضير الارواح أليس ذلك من سخريات الاقدار. ان كتاب "حكاية لكل العصور" يحكي مسيرة عالم من ابناء مصر مؤمن ببلاده ووطنه وقوميته ويعرض في ثناياه للمعاناة من ظلم العالم وتجاهله للمبادئ والقيم، ولكن العيب كما قالت ام كلثوم "العيب فينا او في حبايبنا اما الحب يا عيني عليه" ومن خلال التعبير الشعري الجميل الذي يعكس بلاغة الشاعر وبعد نظره وعذوبة كلماته يقتبس مؤلفنا من الشاعر احمد مطر بعض ابيات بالغة الدلالة يقول فيها: نسخر من عدونا لشركة ونحن نحيي وثنه ونشجب الإكثار من سلاحه ونحن نعطي ثمنه