«الرقابة المالية» والأكاديمية الوطنية للتدريب تتفقان على إطلاق حزمة برامج متخصصة    وزير الكهرباء يبحث مع سفير أوزبكستان سبل تعزيز التعاون بمجالات الطاقة المتجددة    مصر وجنوب إفريقيا تبحثان التعاون في صناعة السيارات وإقامة مناطق لوجستية مشتركة    استرداد أكثر من 2266 متر مربع و397 فدان فى أسيوط    الاحتلال الإسرائيلي يهدم منزلا جنوب المسجد الأقصى    موعد مباراة فرنسا وأوكرانيا في تصفيات كأس العالم 2026 والقنوات الناقلة    إحالة سائق توك توك للجنايات صدم طفلًا أثناء عبوره الطريق في الشرابية    وزير الصحة يدعو لزيادة الإنفاق الصحي من 4.7% إلى 9% من الناتج المحلي    محافظ الغربية: رفع درجة الاستعداد القصوى لانتخابات مجلس النواب 2025    استقرار سعر الريال السعودي في بداية تعاملات اليوم 12 نوفمبر 2025    بعد ارتفاع أسعار الزيت| الصناعات الغذائية: نتمنى المواطن يقلل القلي ويلجأ للشوي والسلق بدل الشكوى    شريف فتحي: صناعة السياحة تمثل إحدى أدوات القوة الناعمة في مصر    وزارة العمل تكشف نتائج حملات التفتيش على تطبيق قانون العمل الجديد في القاهرة والجيزة    المملكة المتحدة تشدد القيود على صادرات الغاز الروسي    المستوطنون المتطرفون يشنون هجمات منسقة ضد الفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية    لا يحدث إلا فى مصر    موقف ثابت وتاريخى    توجيه التربية المسرحية بشرق مدينة نصر يحصد المركز الأول في مسابقة إلقاء الشعر على مستوى القاهرة    موعد لقاء الأهلي وشبيبة القبائل الجزائري في دوري أبطال أفريقيا    بيزيرا: لم أقصد الإساءة لأحد.. وأعتذر عن الخطأ غير المقصود    الزمالك يكشف تطورات أزمة أرض النادي بأكتوبر    استبعاد جميع الأصوات بأحد صناديق الاقتراع في المنتزه بالإسكندرية    العناية الإلهية تنقذ سكان عقار الجمرك المنهار بالإسكندرية.. صور    مباحث الجيزة تكتشف جريمة بشعة داخل شقة مهجورة فى بولاق الدكرور    «الداخلية» تقرر السماح ل 42 مواطنًا مصريًا بالحصول على جنسيات أجنبية    تامر حسني يوجه رسالة ل مي عز الدين بعد زواجها    محاضرة تاريخية بجامعة القاهرة للدكتور أحمد غنيم حول "المتحف المصري الكبير وتعزيز الهوية الوطنية"    بعد نهاية الجولة الأولى.. الجدول الزمني الكامل لانتخابات مجلس النواب 2025 حتى موعد إعلان النتيجة النهائية    قصر العيني يحتفل بيوم السكر العالمي بخدمات طبية وتوعوية مجانية للمرضى    الصحة: لقاح الأنفلونزا لا يسبب الإصابة بالعدوى وآمن تماما    حمو بيكا يودع إسماعيل الليثي بكلمات مؤثرة: "يا وجع قلبي عليك يا أخويا"    اسعار الحديد فى الشرقية اليوم الاربعاء 12 112025    مصر تعزى تركيا فى ضحايا حادث سقوط الطائرة العسكرية    "فاطمة رشدي.. سارة برنار الشرق" ندوة بدار الكتب اليوم    زعمت أن أحدهم حاز طائرة لاسلكية .. أحكام قاسية على 9 معتقلين في قضية "اللجان الإعلامية للإخوان"    وزير الخارجية يؤكد تقدير مصر لدور المحكمة الدائمة للتحكيم    أسعار الفاكهة اليوم الأربعاء 12 نوفمبر في سوق العبور للجملة    عباس: الإجراءات القانونية بشأن تسليم الفلسطيني هشام حرب لفرنسا في مراحلها النهائية    حظك اليوم الأربعاء 12 نوفمبر.. وتوقعات الأبراج    دعمًا لمرشحيه بمجلس النواب.. «مستقبل وطن» ينظم مؤتمرًا جماهيريًا بدمياط    رسميًا.. موعد امتحانات شهر نوفمبر 2025 لصفوف النقل الجديدة بعد تعطيلها بسبب انتخابات مجلس النواب    انطلاق الدورة الأولى من مهرجان «توت توت» لكتب الأطفال في ديسمبر المقبل بالمعهد الفرنسي    خالد سليم يشعل ليالي الكويت بحفل ضخم ويحتفل ب«ليلة مِ اللى هيّا» مع جمهوره    دعاء الفجر | اللهم ارزق كل مهموم بالفرج واشفِ مرضانا    تحقيق عاجل من التعليم في واقعة احتجاز تلميذة داخل مدرسة خاصة بسبب المصروفات    سبب استبعاد ناصر ماهر من منتخب حلمي طولان وحقيقة تدخل حسام حسن في إقصاء اللاعب    حبس المتهم بالتسبب في وفاة والدته بعيار ناري أثناء لعبه بالسلاح بشبرا الخيمة    مواجهة قوية تنتظر منتخب مصر للناشئين ضد سويسرا في دور ال32 بكأس العالم تحت 17 سنة    النيابة تطلب تحريات سقوط شخص من الطابق ال17 بميامي في الإسكندرية    علشان تنام مرتاح.. 7 أعشاب طبيعية للتخلص من الكحة أثناء النوم    المستشار بنداري يشيد بتغطية إكسترا نيوز وإكسترا لايف ووعي الناخبين بانتخابات النواب    منتخب مصر يستعد لأوزبكستان وديا بتدريبات مكثفة في استاد العين    «ستأخذ الطريق الخاطئ».. ميدو يحذر حسام عبد المجيد من الانتقال ل الأهلي    أخطاء تقع فيها الأمهات تُضعف العلاقة مع الأبناء دون وعي    أمين بدار الإفتاء يعلق على رسالة انفصال كريم محمود عبد العزيز: الكلام المكتوب ليس طلاقا صريحا    هل يجوز تنفيذ وصية أم بمنع أحد أبنائها من حضور جنازتها؟.. أمين الفتوى يجيب    كيف نتغلب على الضيق والهم؟.. أمين الفتوى يجيب    هل الحج أم تزويج الأبناء أولًا؟.. أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثلاثة أوهام أمريكية حول تصدير الديمقراطية
نشر في نهضة مصر يوم 09 - 12 - 2007

تعتبر عبارة "الديمقراطية" هي العبارة الأكثر دفعاً بالولايات المتحدة الأمريكية إلي المآزق، من بين قلة من المصطلحات والعبارات تتكرر في قاموس خطابة البيت الأبيض.
ويتمسك الخطاب الرسمي الصادر عن واشنطن، بأن الديمقراطية نعمةٌ طالما تطلّع العالم كله إلي الحصول عليها، وأن غيابها في أي بلد وتحت أي ظرف كان، لا يمكن تفسيره إلا بسيادة القهر والحجْر علي الحريات فيه. ومما لا ريب فيه أن لعبارة "الديمقراطية" من القوة والثقل والإيجابية، ما أرغم حتي أكثر الأنظمة شمولية وعنصرية وفساداً واستبداداً علي "التمسُّح" بها من باب التظاهر، لا أكثر. وعلي رغم صحة الاعتقاد العام بخير الديمقراطية ونِعمها هنا في الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن ما ينبغي التأكيد عليه هو أنه ليس ثمة اتفاق علي الكيفية التي ينبغي التعامل بها مع الدول التي تفتقر إلي هذه النعمة. وها هم الأمريكيون ينقسمون علي أنفسهم اليوم، حول تحقيق ذلك الحلم الذي طالما راود الآباء المؤسسين لأمريكا في عام 1776، بأن تكون بلادهم قلعة لنشر الديمقراطية علي نطاق العالم بأسره.
ففي جانب من هذا الخلاف، هناك من يتشدد في موقفه الداعي إلي دور أمريكا القيادي في نشر الديمقراطية عالمياً. بينما يقف في المعسكر الآخر، أولئك الذين يعتقدون أن علي الولايات المتحدة الأمريكية أن تعمل علي خدمة مصالحها المادية والاستراتيجية، مثلما فعلت بقية الدول الأخري فيما مضي، وأنه كلما قل الحديث عن أجندة نشر الديمقراطية في الخارج، كلما كان ذلك خيراً لأمريكا ولمواطنيها.
وفي الحقيقة، فقد تكررت الحالات التي تحالفت فيها واشنطن مع أكثر طغاة الأرض عداءً للديمقراطية في كل من أمريكا اللاتينية، وكذلك مع الأنظمة العسكرية الشمولية في آسيا، ومع الحكومات القهرية في منطقة الشرق الأوسط، إلي جانب إقامتها لعلاقات تحالف وتعاون مع الأنظمة الفاسدة المنتشرة علي امتداد المعمورة كلها. وكان دافعها في كل ذلك بالطبع هو خدمة مصالحها المادية والاستراتيجية المذكورة، شأنها في ذلك شأن الكثير من القوي والدول الأخري.
وبالطبع تثير مثل هذه التحالفات مع الأنظمة القمعية المعادية للديمقراطية، احتجاج الكثيرين وقولهم إنه لا ينجم عنها شيء في نهاية الأمر،
سوي إقصاء الشعوب التي يقع عليها عبء التحالفات هذه ونتائجها الوخيمة. ويحتج المحتجُّون بالقول إنه وفيما لو كان لزاماً علي أمريكا أن تقف إلي جانب أحد طرفي النزاع في الدول التي تفتقر إلي الديمقراطية والحريات، فإنه يتعين عليها الوقوف دائماً إلي صف الشعوب والأمم المتطلعة إلي استبدال أنظمتها الاستبدادية الحاكمة، بأخري ديمقراطية ولائقة.
وبهذا نصل إلي تناول الفئة الثالثة المتمثلة في مجموعة "الديمقراطيين الغلاة" أو "الغلاة المتدثرين بثياب الديمقراطية" الذين يعتقدون ليس بإمكان، وإنما بضرورة، فرض الديمقراطية فرضاً علي الشعوب التي تفتقر إليها، أي بتصديرها لها من خارج الحدود. وبعد أن التحق الرئيس جورج بوش بهذه الفئة الأخيرة في أعقاب هجمات 11/9، قطع علي نفسه عهداً بنشر الديمقراطية في كل من أفغانستان والعراق، اللذين كانا في قبضة نظامين قهريين باطشين. وكما نعلم فقد حدث تغيير النظامين السابقين في كلتا الدولتين بفوهات مدافع وبنادق الجنود الأمريكيين وقوات التحالف الدولي. وبما أن بوش قد توصل إلي قناعة لا تتزعزع بأن كلاً من
العراق وأفغانستان يشكلان تهديداً للأمن الأمريكي والدولي معاً، فقد كان رأيه أن السبيل الوحيد لتجنب هذا الخطر، هو تغيير نظاميهما الحاكمين وفرض الديمقراطية فيهما بالقوة. فذلك هو الخيار الوحيد لتحويل منطقة الشرق الأوسط إلي منطقة خالية من الخطر والمهددات الأمنية.
لكنْ، في إطار مناقشتنا لنزعة تسويق الديمقراطية هذه والترويج لها بالقوة، تتكشف لنا ثلاثة أوهام خاطئة في هذا الاعتقاد. أولها إمكانية نشر الديمقراطية أو غرسها حرفياً في ثقافة أي بلد كان وتحت كل الظروف والأوقات. وثانيها أن الدول التي تجري فيها العمليات الانتخابية، هي دول ديمقراطية أو حرة بالضرورة. أما الوهم الثالث والأخير -بل الأكبر في واقع الأمر- فيتمثل في الاعتقاد بوجود تعريف أزلي وثابت للديمقراطية، وأنه صالح لكافة الأزمنة والعصور.
وفي مناقشتنا للوهم الأول، فقد تمكنت إدارة بوش من دفع العراقيين إلي إجراء انتخابات عامة عقب سقوط نظام صدام حسين، وتشكيل حكومة وطنية منتخبة في وقت قصير نسبياً. ولكن علينا أن نذكر أن الطاغية صدام حسين نفسه كان قد تدثر
بثياب الديمقراطية، وأجري انتخابات عامة في بلاده عام 2002، فاز فيها بنسبة 100 في المئة من أصوات الناخبين، باعتباره مرشحاً وحيداً فيها. والملاحظ أن صدام حسين لم يهدد علناً أحداً من مواطنيه بعواقب ما سيحل به في حال التصويت ضده في تلك الانتخابات. وفي معرض مناهضتها للقول بعدم إمكانية تصدير الديمقراطية إلي الشعوب والأمم من الخارج، كثيراً ما قارنت إدارة بوش بين مشروع تحولها الديمقراطي في العراق، وما حدث من قبل في تحويل كل من اليابان وكوريا الجنوبية إلي نظامين ديمقراطيين. ولكن ما يلزم التنبيه إليه في دحض هذه المقارنة، أن أياً من اليابان وكوريا لم تكن بذاك الحطام الداخلي الذي حل بأفغانستان، ولا هما كانتا علي كل هذا القدر من الدموية والانقسام الطائفي السائدين في عراق ما بعد الحرب.
أما في تفنيد الوهم الثاني، فنكتفي بالقول إن مجرد إجراء الانتخابات العامة، لا يشكل ضمانة لتحول بلد ما نحو الديمقراطية، طالما أن هذا التحول لم يحم النساء والأقليات الإثنية والأعضاء المنتمين إلي طوائف دينية بعينها وغيرهم، من سوء المعاملة التي يتعرضون لها في حال عدم انصياعهم لإرادة الأغلبية. وهذا هو ما يحدث الآن في العراق.
وبهذا نصل إلي دحض الوهم الثالث والأخير المتعلق بالاعتقاد بوجود تعريف أزلي ثابت لمفهوم الديمقراطية في كافة الأزمنة والأمكنة. وهنا يلزم التأكيد علي حقيقة أننا نعيش في القرن الحادي والعشرين، الذي يشهد تسارعاً هائلاً في التطور التكنولوجي، وتزداد فيه أعداد الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 10-12 عاماً، من الذين يتفوقون في معارفهم وخبراتهم التكنولوجية المتقدمة علي آبائهم أنفسهم. وفي هذا ما يحدث تغييراً جوهرياً علي مفهوم الديمقراطية وممارستها بكل تأكيد.بل الذي نتوقعه وفق هذا التحول المتسارع للفهم، ألا يظل تعريفنا للديمقراطية اليوم، كما هو خلال السنوات المقبلة الحاشدة بالتطورات والمفاجآت.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.