تعد مشكلة البطالة واحدة من أعقد المشكلات التي تواجه الكثير من الأسر المصرية وتؤرقهم في وقتنا الحالي وذلك خوفا منهم علي مستقبل أبنائهم هؤلاء الأبناء الذين يجدوا فرصة عمل ويحلمون صباح مساء بالسفر إلي الخارج للعمل هناك حتي إنه أصبحت هناك ظاهرة معروفة رصدها بعض علماء الاجتماع وأسموها الحلم الأمريكي حيث حلم السفر إلي الخارج والهجرة إلي البلدان الأوروبية والأمريكية بل والعربية أيضا. ولكن بتحليل بسيط للواقع فإننا نكتشف أن الصورة مختلفة تماماً وأنها ليست بكل هذه القتامة التي يصورها البعض، ذلك أننا قد نجد شاباً وبعد أن يحصل علي مؤهله العلمي فإنه يبحث عن دور الحكومة في تعيينه في المجال الذي درسه وهو يتمني كذلك من كل قلبه ان يتم تعيينه في احدي هيئات الحكومة، إذ يظن هنا أنه الأمر الأكثر أماناً وضماناً لحياة إنسانية كريمة، ولكنه لايجد استجابة من الحكومة في تحقيق أمنيته الخاصة بتعيينه، حيث توقفت الحكومة ومنذ سنوات بعيدة عن القيام بهذا الدور. ومن جهتي أري أن هناك حلولاً عاجلة لهذه المشكلة وحلولاً آجلة.. فعلي مستوي الحلول العاجلة، أقول أنه قد آن الآوان لأن يغير الشباب المصري من طريقة تفكيره في إيجاد فرص عمل مناسبة لمتطلبات سوق العمل المحلي والعالمي، فقد بليت تلك الافكار القديمة المتعلقة بحتمية دور الدولة في توظيف الشباب وبالتالي لم يصبح هناك وجود لمقولة: "إن فاتك الميري تمرمغ في ترابه"، ذلك أن أمام الشباب فرص عمل جادة مقبولة اجتماعياً يساهمون بها في تنمية مجتمعاتهم كما يتغلبون بها علي مشكلة البطالة المتفاقمة، وهي فرص يوفرها مجموعة من رجال الأعمال المصريين المخلصين للوطن، وعلينا ارشاد الشباب وتوعيتهم بسبل ذلك. وهنا فإنني أعلم أن السيدة الفاضلة النشيطة دائما عائشة عبد الهادي وزيرة القوي العاملة والهجرة تهتم بالاعلان عن فرص العمل التي تطلبها منها جهات عديدة، ولكن المؤسف هنا أن السيدة الوزيرة تشتكي من عدم إقبال الشباب علي مثل هذه الوظائف بحجج واهية منها عدم ملاءمة تلك الوظائف للشهادات الدراسية التي حصلوا عليها وأن المرتبات غير مناسبة.. إلخ وكأن الجلوس في البيت أفضل إلي قلب هؤلاء الشباب من العمل الجاد والمثمر!! ولكنني اذكر هنا وكمثال يبعث علي السعادة والسرور أنني قرأت مؤخراً في الصحف قصة شاب مكافح يتحلي بروح الابداع والابتكار من خريجي إحدي كليات العلوم، حيث قام بعمل مشروع جاد يتلخص في أنه يقوم بجمع قمامة القرية التي يسكنها ثم إنه يفرز هذه القمامة إلي زجاج وبلاستيك وخلافه.. وتوزيع كل نوع علي المصنع المناسب لإعادة تدوير وتصنيع هذه المخلفات ومع الوقت كبر المشروع وانضم للعمل معه بعض شباب القرية بمرتبات شهرية تبدأ من 300 جنيه. وعلي مستوي الحلول الآجلة فعلي معاهد التعليم ان تربط بين نظام التعليم وحاجة السوق المحلي والعالمي، هذا من جانب ومن جانب آخر فإنه عليه ايضا ان تقدم لسوق العمل خريجا متميزاً مبدعاً يجيد العمل ويجيد احدي اللغات الاجنبية ان لم يكن اكثر كتابة وقراءة حتي يكون مؤهلا للعمل في الدول الاجنبية التي تطلب عمالا مصريين للعمل بها وحتي تعود سمعة العامل المصري إلي مكانتها الاولي من حيث الكفاءة والخبرة والتميز. ولعله يتبقي أمامنا ضرورة العمل متكاتفين من وسائل الاعلام ومؤسسات ثقافية وتعليمية علي تغيير نظرة المجتمع للأعمال والمهن الحرة والحرفية ايضا بما يؤدي إلي احتراف تلك الاعمال وتقديرها فلا يتقدم مثلا احد الشباب لمصاهرة إحدي الاسر ويفاجا بأنهم يفضلون عليه من يعمل في الحكومة، إذ أتصور أن رب الأسرة سوف يهتم أولاً بالتأكد من جدية هذا الشاب وقدرته علي تحمل المسئولية ودخله الذي يحصل عليه من عمل شريف. أعزائي.. إن المجتمع الذي نعيشه إنما يحتاج إلي شاب جاد يتحلي بروح الإبداع والابتكار والقدرة علي المبادرة المدروسة جيداً.