هل يتجرأ أحد ويطلق علي العملية الإرهابية التي تم تنفيذها مساء الاثنين الماضي في مدينة دهب السياحية علي شاطئ البحر الأحمر في شرق مصر، والتي قتل فيها 23 شخصاً وجرح أكثر من 62 بريئاً أغلبهم من المصريين، أنها فدائية أو استشهادية؟! هل يمكن اعتبار تنفيذ ثلاث عمليات تفجير متتالية كلها تمت بالقرب من مطاعم وفنادق ومناطق سياحية يزدحم فيها البشر، بأنها عملية ذات هدف نبيل؟!! حتي كتابة هذه المقالة لم يكن قد تبين من هم منفذو هذه العملية، ولكننا في جميع الأحوال لا يمكننا إلا أن نصفها بأنها عملية قذرة بكل المعاني، ولو كان منفذوها من أبناء البلد فهم مجرمون يستحقون الشنق وتعليقهم في ساحة عامة ليكونوا عبرة لمن يعتبر... هذه العملية تجعلنا نؤكد من جديد علي أهمية أن يتحرك علماء الدين بصدق وإخلاص وعن قناعة ويعلنوا موقفهم تجاه تلك العمليات الإرهابية، ويؤكدوا أنها ليست من الإسلام في شيء، بل إن الإسلام يدينها، فهو دين رحمة وهداية للبشرية وليس دين قتل للأبرياء. إننا في مرحلة لسنا بحاجة فيها إلي فتاوي صريحة من علماء الأمة فقط، وإنما من المؤسسات الدينية الكبيرة سواء في الأزهر أو في مكةالمكرمة بحيث تكون الفتاوي واضحة لا يختلف عليها اثنان، وشجاعة بحيث تدعو المسلمين بصراحة للوقوف ضد تلك العمليات الإرهابية، وضد كل الجماعات الإسلامية التي تؤيد الإرهاب ضد المدنيين والأبرياء مهما كان دينهم وملتهم.. ولونهم أو أصلهم... وهذه أمانة سيحاسب عليها العلماء أمام الله وأمام التاريخ الذي سيكتب أن أحداً من علماء هذا الزمان لم يكن له موقف يدل علي أنه عالم حقيقي يستحق الاحترام. من المهم أن تصدر تلك الفتاوي بطريقة تجعل الناس يتخلصون من ازدواجية الموقف والانفصام في الشخصية، وألا يكون لسان حالهم تجاه أفعال بن لادن وأتباعه من الإرهابيين هو "شكراً لك لأنك تفعل بالغرب ما نريده ولا نستطيع أن نفعله"... وكأنهم يقولون بصمتهم وموقفهم غير الواضح "العالم يستحق ما تفعلونه به من عمليات إرهابية"... وهذا الموقف وإن لم يكن معلنا من البعض، إلا أنه واضح ولا يحتاج إلي برهان، لذا فإن من المهم أن تتدخل المؤسسات الدينية وعلماء الدين الغيورون علي الإسلام ويوضحوا الأمور للعامة، كي يكون موقفهم واضحاً ويساهموا بالتالي في تجفيف منابع الإرهاب نهائياً. إنها ثقافة القتل والفناء، أو ربما هي ثقافة "الموت الباسم".. فيذهب الانتحاري أو منفذ العملية عن بُعد إلي موقع العملية بكل ثقة وابتسامته تشق وجهه سعيداً بما يقوم به، فأما الانتحاري فيعتبر نفسه في الطريق إلي الجنة التي ليس بينه وبينها إلا ضغطة زر ينفجر بعدها هو ومن حوله فيحلق هو في الجنان ويترك هذه الأرض وشرها... أما من ينفذ العملية عن بُعد فهو مبتسم لأنه يعتقد أنه ينفذ أمر الله كما أوهمه قادته وأنه إذا قتل كافراً فله الأجر، ويكون ذلك سبباً في دخوله الجنة لأن القاتل والمقتول لا يجتمعان في مكان واحد، فأحدهما في الجنة والآخر في النار، وبما أن القاتل مسلم والآخر كافر وعاصٍ فإن الأول يضمن دخول الجنة بعد تلك العملية!! أليس من حقه بعد هذا الوعد المشئوم أن يكون مبتسماً وأن يعمل علي تفخيخ مزيد من السيارات؟!! أما ابتسامة الموت الآخر فهي مرسومة دائماً علي وجه قادة أولئك الأشخاص الذين يجهزونهم بابتسامة ماكرة لتنفيذ العمليات هنا وهناك، وهم جالسون يراقبون عن بُعد لا يؤذون أنفسهم بشوكة ويكتفون بحصر قنابلهم الموقوتة التي تمشي علي الأرض!!هذه هي ابتسامات الموت في وقت لم يعد فيه للعقل والمنطق والعدل أي مكان عند أصحاب تلك الابتسامات، لذا صار تدخل علماء الدين أمراً في غاية الأهمية في هذه المرحلة الخطيرة من تاريخ الأمة التي صار كثير من أبنائها نتيجة الإحباط والقهر والظلم يفضلون باطن الأرض عن ظاهرها، فيتحولون إلي صيد سهل لأصحاب الأفكار الإرهابية الذين هم مستعدون لفعل أي شيء من أجل تحقيق مخططاتهم المدمرة ضد البشرية. في عالمنا العربي والإسلامي هناك أسباب تجعلنا نصف ما قام به بعض من ضحوا بأنفسهم بأنهم انتحاريون وليسوا استشهاديين.. فلو استعرضنا الأسباب التالية فإننا نجد أنها موجودة في مجتمعاتنا وتشكل جزءاً من دوافع القيام بعملية أياً كان اسمها هدفها هو قتل النفس وقتل آخرين.. ونتساءل ألا يعاني عدد كبير من شبابنا من عجز عن التكيّف والانسجام مع الظروف المحيطة بهم؟.. ألا يتعرض الشباب إلي أزمات قاسية يومياً؟.. ألا يحاولون الهروب من صعوبات الحياة؟.. ألا يعاني الكثير منهم من عدم القدرة علي التفاهم في البيت ويفكر في الانتقام من الأسرة والمجتمع ليشعرهم بالندم علي أفعالهم؟.. ألا تعاني شريحة كبيرة من شبابنا من صعوبات لتحقيق أهدافهم؟.. ألم نعد نلاحظ عدم تقدير الكثير من الشباب للحياة واعتبارها تافهة لا تستحق العناء؟... هذه الأسباب وغيرها نراها عادية وربما غريبة، ولكن الحقيقة أنها دوافع لبعض منفذي العمليات الذين وجدوا من يبرر لهم الموت ويضعه في قالب ديني ويعدهم بأن موتهم بداية لحياة خالدة في جنات عدن تجري من تحتها الأنهار.. وأن درجته ترتفع أكثر كلما قتل عدداً أكبر من الكفار والعصاة ومن معهم!!