اشتعلت الغزوة الثالثة.. للإجهاز علي روح الأمة بعد تمزيق جسدها. وهي الغزوة الثقافية ضد الثوابت الإسلامية وآخر مناوشاتها الرسوم الكاريكاتورية المنشورة في الدانمارك لكي تتسارع مراحل تنفيذ المخطط طويل المدي الهادف إلي تحطيم أسباب القوة في الثقافة الإسلامية وهي الثوابت التالية: أولا: مبدأ التوحيد: وهو مبدأ الإيمان المطلق بوحدة الخالق العظيم، والإيمان بأن ليس كمثله شيء، والإيمان بأنه لم يلد ولم يولد، والإيمان بوحدة الأديان دون مفاضلة أو تفضيل، ذلك لأن الإسلام يوقر جميع الأنبياء والرسل المبعوثين رحمة من الله، واعتبارهم قدوة مبجلة وموقرة من جميع البشر لتمتعهم بمكارم الأخلاق، وخطورة هذا الإيمان المطلق أنه يفرغ دعاوي صراع الثقافات المختلفة باختلاف البيئات الإنسانية من فحواها، وبذلك تفقد قوي الدس الساعية للسيطرة علي الجميع وسيلتها في اللعب علي وتر إشعال الفتن بين الأديان، كما تفقدها وسائل وأسباب التفرقة بين المؤمنين المسيحيين أو المسلمين من أتباع المذاهب المختلفة، فلا تستطيع أن تزرع الكراهية والبغضاء بينهم بتدبير حوادث اغتيالات للرموز الدينية لأحد المذاهب، واتهام أتباع المذهب الآخر بتنفيذها في استغلال مشين للتراث الثقافي لميزان العدل القديم "العين بالعين، والسن بالسن، والبادئ أظلم" وتحويله إلي وسيلة بغيضة لاندلاع حروب الأخذ بثارات الدم بين القبائل أو الجماعات أو الأمم، وأيضا لأن التوحيد يفقدك التمايز فلا تستطيع إشاعة ازدراء رموز الآخر الدينية لأنها مبجلة منك، مثل الجميع. وعلي الجانب العقلي المادي البحت يجب الإشارة إلي أن المعادلات الرياضية للعلوم الطبيعية قد أثبتت للعقل الواعي وحدة الخلق والخالق كحقيقة مطلقة، وأن المؤمن الحق يعتقد بأن الله هو الخالق الباري، وأن الكون قد كان بقوة الإرادة المطلقة "كن"، وذلك انطلاقا من مبدأ بديهي أن ليس للعلم نهاية كنتيجة لقانون ليس لأسرار خلق الله نهاية، وأن الإنسان العالم يجري التجارب داخل معمله أو الإنسان المفكر وهو يفسر الحقائق داخل عقله.. مجتهد، كاشف، وليس بمنشئ، وأن مكونات الذرات من جسيمات أو طاقة، ومكونات، الكون كله من مواد الأجرام والطاقات بشتي أنواعها عبر الزمان هي من إنتاج وصنع القوة الكبري الوحيدة المهيمنة فوق كل شيء.. "الله.. جل جلاله". ثانيا: مبدأ الوسطية: ويتميز الإسلام عن جميع الأديان السابقة عليه بمبدأ الوسطية، وهو الحل الإنساني العادل الموفق لإشباع شهوة صراع التنافس الدائم في مجتمعات التخصص علي "قيمة" العمل الإنساني بين الإنتاج والخدمات، فالإسلام يرسم للإنسان المنتج أن يؤمن بأنه يعمل من أجل توفير أسباب الحياة الدنيا لنفسه ولمجتمعه في توازن مع إيمانه بالعمل الصالح من أجل الآخر بكل طيبة وحب وتسامح، وذلك يعني إخلاص الإنسان في تدافعه من أجل تحقيق منافع الحياة الدنيا وفق أحكام الشريعة، بقدر خلاصه في تقواه حساب الآخرة بمراعاة الحدود، وهي الدستور والقوانين التي يجب عليه اتباعها لحسن اختيار منابع أمواله، وتطهيرها بمصارف الزكاة والصدقات لتحقيق التكافل والرحمة مع الغير، وهو ما يعني مراعاة أداء الواجبات بنفس حماسة الحرص علي جني الحقوق. والوسيلة المتبعة لتحطيم الوسطية في الإسلام هي تشجيع "هوي النفس" في التطرف لإشباع الشهوات الفردية، وتعتمد علي نشر مفاهيم خاطئة لقيم الحرية والمساواة، تبدأ من المناداة بالحرية بلا حدود لتشمل حرية الجسد كمدخل إلي العري الفاضح أو الشذوذ، والمناداة بحرية الاختبار بلا وعي كمدخل لإشاعة الفوضي، والادعاء بأن المساواة تشمل أداء وظائف الحياة رغم اختلاف الطبائع، كما تشمل هدم قيم الطهارة والإخلاص والشرعية لإقامة الأسر كنواة صلبة للمجتمع المترابط، وإحباط عمل الشباب وبذل جهد العمل من أجل الحياة ببخس قيمة العمل وتضييق فرصة، والتوسع في بث وإشاعة وسائل ميسرة لإشباع الشهوات بالمخالفة لقوانين الفطرة والعقل السليم، حتي يتحول الإنسان عبدا لذاته هدفه التطرف في إشباع رغباتها في الشهوة والشهرة والمال والسلطان بلا حدود أو ضوابط، ويصبح ضعيفا وحيدا يتربص الفرص، يبغض الناس ويبغضونه كرها لأفعاله أو حسدا لماله. ثالثا: مبدأ الجهاد: تحطيم مبدأ الجهاد لأنه تكريس لمبدأ الأمة القوية التي تتضافر جهود أفرادها في أداء واجباتها بتنفيذ أمر الله لنشر قيم الفضيلة وهو الجهاد الأصغر، ومواجهة هوي النفس في الظلم والعدوان وهو الجهاد الأكبر، والجهاد في جوهره هو تصدي الأفراد لجميع الأعمال التي قد يقوم بها البعض ضد مكارم الأخلاق باعتبارها وسائل الأمة لكي تستمر قوية وتصل إلي هدفها الأسمي، ومكارم الأخلاق عشر خصال: السخاء والحياء والصدق وأداء الأمانة والتواضع والغيرة والشجاعة والحلم والصبر والشكر، وبها جميعا يتحقق مجتمع المحبة والسلام، وهي جوهر الوصايا العشر المبجلة في الأديان السماوية الثلاثة. وبعدما يتم التشكيك في القيم الدينية الثابتة، يتحول الحصول علي المال إلي غاية وهدف سام، وبه تنفتح أبواب الفساد ويبدأ انهيار دعائم الجهاد، ذلك لأنه وسيلة لشراء الذمم وتحطيم القيم وإشاعة الكسب بلا عمل، يستخدم كرشاوي توزع علي جماعات المعدمين وتحريكهم لإحداث الفوضي والتخريب والهتاف ضد السلطة، وتصوير ذلك بأنه حراك شعبي ورغبة عامة للأمة، لذلك قد يستخدم المال كوسيلة للانقلاب علي السلطة وإسقاط الحكام ذوي النزعات الاستقلالية الذين لا يسمحون للغير بالتدخل في إدارة شئون بلادهم، بعدها يصبح سلطان المال أقوي من الأديان، ومن يملكه ويوزعه أو يمنعه ترضخ له الناس وتتبعه.