زويل : العالم العربي بحاجة لعلاج كامل وليس مجرد أسبرين! محيط – شيرين صبحي أحمد زويل نظم أول أمس صالون الأوبرا الثقافي ندوة فكرية لحائز جائزة نوبل الدكتور أحمد زويل، شارك فيها الشاعر فاروق جويدة، د. محمد غنيم رائد زراعة الكلي في الشرق الأوسط، والمفكر السيد ياسين، وأدار الندوة الكاتب أسامة هيكل. في البداية تساءل زويل كيف تتقدم الشعوب؟ وهل يختلف التقدم من قرن إلى أخر؟، قائلا أن هناك مثل صيني يقول "أوقد شمعة بدلا من أن تلعن الظلام"، وهذا ما أتمناه أن نوقد ولو شمعة واحدة في هذا الوقت المظلم. وأوضح أن كتاب "ثروة الأمم" لآدم سميث صاحب أول نظرية في الاقتصاد السياسي، كان يرى فيه أن السوق الحر أهم شىء في ثروات الأمم والشعوب وأن الناس تتنافس وتنتج أشياء مهمة لصالح الشعوب وفي هذا يقول سميث "إننا لا نتوقع أن يتكرم علينا الجزار أو الخباز بطعام العشاء، لكننا نتوقعه من اعتبارهما لمصلحتهما الشخصية".
أيضا أشار زويل إلى أن هناك بعد سياسي بالإضافة إلى البعد الإقتصادي يساعد في تقدم الشعوب من حيث طبيعة الحكم، مضيفا "بدأت أغير تفكيري في السنوات الماضية ووجدت أن هناك بعد ثقافي يتمثل في عادات الشعوب وخواصها، وهذا يشمل بعد فكري يتمثل في ثقافة الشعوب". وتحدث عن الشفرة الجينية لكل منا والتي تحدد الشخصية والأمراض وكل شىء خاص بالإنسان، وعندما ننظر للمجتمع نجد أن هناك أفراد يتفاعلون سويا، وهذا التفاعل له قوة أكبر من قوة الجينات الشخصية، وقوة المجتمع هذه هي التي تحدد ثقافة المجتمع والتي قد تكون بناءه أو هدامة. وأضاف أن العلماء أوجدوا وحدة للثقافة وأطلقوا عليها وحدة "ميم"، وهذه الوحدة تنتشر بنفس طريقة الجينات وهي التي تساعد علي التقدم أو العكس، فهناك قوة المعرفة وتتمثل في قوة التعليم والبحث العلمي وهذا ما فعلته مصر في عهد الفراعنة منذ آلاف السنين فاستطاعت بناء حضارة عظيمة. وأكد زويل علي أهمية البعد المعرفي، ساردا لتاريخ الثورات بداية من "الثورة الزراعية" التي كانت تعتمد علي القوة الجسدية، و"الثورة الصناعية" التي كانت تحتاج إلى مهارات قائلا: "أما في عالم اليوم والمستقبل أرى أن الاحتياج لقوة العقل البشري، فلا تكفي القوة الجسدية والمهارات، وبغير هذا لن يكون لنا وجود علي خريطة القرن 21 ".
وأعطى مثالا لجامعة كالتيك التي يعمل بها وأنهم يريدون السيطرة على العالم غير المرئي، ويتم الآن عمل تليسكوب يصل حجمه إلى 30 مترا ويتكلف بليون دولار، وعن طريقه نستطيع لأول مرة أن نرى كواكب ومجرات تعود بالزمن إلى 10 بليون سنة في الماضي، لأنهم يريدون معرفة إذا كان هناك حياة على المريخ، وإذا كانت هناك مواد وقودية على كواكب أخرى، وبناء مستعمرات وما إلى ذلك. الجينوم البشري أيضا أشار زويل إلى اهتمامهم ب"الجينوم الإنساني" حيث يريدون السيطرة علي الوعي، فهناك 10 بليون إشارة بالمخ تعطيك الإدراك، والخطأ الجيني الواحد يسبب أمراض خطيرة، ولهذا يبحثون في خدمة توصيل الأدوية للخلايا المريضة. كما تحدث عن الثورة التكنولوجية الحديثة وانتهاك الخصوصية مؤكدا أننا لا نتخلص من أشياءنا الخاصة ولا ذكرياتنا حين نحذفها من على أجهزة الكمبيوتر الخاصة بنا ومن يظن هذا فهو واهم، لأن هناك برامج يمكنها استعادة ما تصورنا أننا تخلصنا منه إلى الأبد!. وتساءل حائز نوبل عن مكاننا بالعالم، موضحا أن نهضة مصر والعالم العربي في الماضي كانت تقوم بالرؤية والعدل معا وبهذا يمكنك عمل ثورة فكرية، والعالم العربي اليوم يحتاج إلى نهضة شاملة "نحن نحتاج لعلاج كامل وليس مجرد أسبرين". وفي حديثه عن مقومات النهضة في العالم العربي أشار إلى أن ذلك يعتمد على دستور الحكم العادل، وتطبيق القانون على الجميع، وتحديث التعليم والبحث العلمي، وتحديث الثقافة، مؤكدا على المسئولية الوطنية الكبري للمثقفين، فالشعوب تصنع بمثقفين.
وقال زويل أن عشوائيات الفكر، وفساد المال والسلطة، تراجع القيم والأخلاق لن يؤدي إلى نهضة، مشيرا إلى أن كثير من المثقفين يعيشون في الماضي من خلافات وإيدلوجيات " فلنترك هذا للتاريخ فهو قاس لا يترك أحد". واختتم بالتأكيد على أن مصر تحتاج إلي صناعة المستقبل بنزاهة الكلمة وشرف المهنة، وهناك مقولة جيدة تقول "أفضل طريقة للتنبؤ بالمستقبل هي أن تصنعه"، مضيفا "نحن في أشد حاجة لعودة الضمير والروح، وعندما تكتمل ثورة الفكر ليس لدي أدنى شك أن مصر قادرة على صناعة المستقبل". الشاعر الكبير فاروق جويدة علّق أن زويل أرهق الشاعر بداخله كثيرا بحديثه عن صورة المستقبل العلمي وهذا التدخل الشديد في خصوصيات البشر. التكنولوجيا تنتهك خصوصية البشر وأضاف أن "أجهزة الكمبيوتر ستقوم بدور ملايين من المراقبين والضباط، فسوف أجد في حجرة نومي عشرات الحراس الذين يطاردون أشعاري". وأكد جويدة أن ما يحدث في مصر الآن شىء خارج السياق، وما يحدث خارج السياق دائما يؤكد أن العودة شىء ممكن، ومصر قادرة في كل الأوقات أن تصيغ شىء ما اسمه "المصرية". وأضاف أن الخلل في المجتمع المصري ليس فقط خلل سلطة ولكن أيضا في الشعب، فمواكب المثقفين التي تصارعت على مواكب السلطة.. كل هذا لا نستطيع أن نسقطه من تاريخنا، والنخبة المثقفة تتحمل جزء من مسئولية ما وصلنا إليه الآن". وفي كلمته أكد المفكر السيد ياسين على أهمية تبني تحليل البعد الثقافي في نهوض الأمة، مشيرا إلى أن مجتمع المعلومات لا يقوم إلا بالديمقراطية والشفافية وهذا غير موجود في المجتمع المصري. كما أكد أن العلم أصبح عامل أساسي في تطور المجتمعات، ولا يمكن أن يتأسس مجتمع معرفة دون وجود اقتصاد لهذه المعرفة، وحرية إبداع وتفكير، مضيفا أنه " لا يمكن أن تقوم نهضة في مصر إلا إذا صغنا استراتيجية تمكننا من تحقيقها وتحقيق التنمية المستدامة". وعلق د. زويل في النهاية قائلا أنه متفائل رغم كل المعوقات، مشيرا إلى أن لديه لوحة لمؤلف كبير كان يدرس دور الحضارة المصرية وجد بها منحنيات تعبر عن حال مصر من التفوق إلى الهبوط إلى النهضة ثانية، فالطاقة البشرية المصرية كامنة وقوية وبها ذكاء وتحتاج فقط المقومات الأساسية للتغيير الجوهري في الثقافة والعلم، ولو تكونت النواة في مشروع قومي مضىء سوف يلتف حولها الشعب المصري. واختتم اللقاء بتوزيع جائزة زويل السنوية للإبداع الفني والتي فاز بها هذا العام الطالب إسلام محمد رفعت الدارس بالمعهد العالي للموسيقي العربية.