* نفتح ملف الشرطة ونجيب عن السؤال الصعب : متى يعود الامن لمصر؟ * قصة سيدة مصرية طلبت اللجوء الدينى لاستراليا
تحقيق جيهان الغرباوى
مريان الان في بيتها الجديد في استراليا .. تشاهد التليفزيون مع اطفالها وزوجها ، يتابعون قناة مصرية تذيع الاخبار الساخنة ..
في استراليا الجو بارد .. ليس مثل الحياة في شبرا بين الاهل والاحباب والاصدقاء الطيبين ... لكن التليفزيون حين يذيع مشاهدا من ميدان التحرير .. تشيح مريان بوجهها عنه .. لا تريد ان ترى الميدان ولا ان تتذكره ..
كانت مريان مراسلة صحفية لقناة السى تى فى المصرية الخاصة ، وفي احد ايام التظاهر بميدان التحرير ، نزلت مع الكاميرات وفريق العمل كالمعتاد ، اتغطى ما سمى يومها ( جمعة العمل ) ..
عند صينية الميدان ، بدأ فجأة اسود ايام حياتها ..
وفوجئت مريان بمن يشيع انها اجنبية تعمل لصالح اسرائيل ، وبسرعة بدأ التحرش بها ، وتقطيع ملابسها ، والتف بلطجية ومجهولون يحاول الاعتداء عليها ، وهى تستغيث ، لكن الزحام كان اقوى من كل من يحاول الاقتراب منها ومساعدتها وانقاذها ..
ساعات قاسية اطول من سنوات حياتها جميعا ، شهد عليها ميدان التحرير وشارع طلعت حرب و كاميرات مصورى الجرائد والقنوات يومها ، حين تعرضت مريان للاغتصاب والقتل ونجت من ايدى المعتدين و الموت بأعجوبة وبتدخل الاهى رحيم ..
مريان من بعد الحادث اكتأبت واعتزلت العمل والناس ، وفكرت في لحظات يأس انها لم تعد تريد البقاء على قيد الحياة ، وفي النهاية طلبت اللجوء الدينى ، وسافرت لقارة جديدة ، وفى استراليا هى الان مع اسرتها ، لا تنسى مصر ولا تغفل عما يحدث فيها .. تعلم انها لم تكن في مصر مضطهدة من المسلمين لانها مسيحية ، على العكس ، نصف اصدقائها كانوا مسلمين ( لكن ماذا كانت تستطيع ان تفعل ؟ وكيف كانت ستعيش بعد الحادث الجارح والاعتداء الفاضح ؟ ) سافرت وهاجرت من مصر مضطرة .. حصلت على اللجوء الدينى ، وهى تعرف انه حتى ظابط الشرطة الشاب الذى انقذ حياتها وصان عرضها يوم الاعتداء عليها في ميدان التحرير، كان مسلم اسمه احمد ، وفق ما ذكرت صحف الصباح فى اليوم التالى للحادث البشع الذى تصدر وقتها عناوين الاخبار في التليفزيون والصفحات الاولى والمانشيتات في الجرائد ..
من جانب احمد ، ضابط الشرطة الذى انقذ مريان يوم الحادث ، للقصة وجه اخر وكى نراه ، لابد اولا ان ندخل غرفته في مستشفى الشرطة بالعجوزة..
مدرجا في دمائه ، عينيه وراسه وذراعه مثخنين بالجراح من اثار الضرب المبرح ، زجاجة الجلوكوز هى الاقرب اليه ،من كل المتواجدين حول فراشه في المستشفى ، لكنه بمجرد ان وعى بوجود احد معه يحمد الله على سلامته انتبه وحرك راسه فوق الوسادة و سأل باهتمام : الست اللى ركبتها التاكسى روحت ؟ هى كويسة ؟ طب الحمد لله ...
كانت هذه اول كلمات نطق بها الملازم احمد سامى ، في فراشه بعد ساعات من الحادث ، قبل ان يعرف من اسرته و من التليفزيون ومن الصحف ، من هى السيدة التى استغاثت به في ميدان التحرير ، والتى كاد يدفع حياته دون تردد لينقذها من الضرب والتحرش ..
يوم الحادث استغاث به بعض المارة ، كضابط شرطة ، لينقذ سيدة يهاجمها ويعتدى عليها مجهولين ، تكتلوا بالمئات في ميدان التحرير ، وليس لهم رادع من حرمة او شرف او هيبة الدولة أوالقانون أوحتى السلاح الميرى !
..
الحجرة 703 في مستشفى الشرطة التى كان يرقد بها الملازم اول احمد مصطفى سامى ، قريبة جدا من حجرة كان يرقد بها يوم 24 فبراير 2011ملازم اول صلاح اشرف السجينى
الاول جاء المستشفى مدرجا في دمائه بسبب اعتداء الناس عليه في ميدان طلعت حرب بالتحرير ، والثانى سبقه بدخول المستشفى بين الحياة والموت بسبب اعتداء الناس عليه في ميدان الجزائر بالمعادى
كلاهما كان يحمل طبنجته الميرى وحاول ان يطلق اعيرة نارية في الهواء ليحمى نفسه ومن معه من الاعتداء لكن استخدام الطبنجة في المرتين كان هو السبب الرئيسى في هجوم الجموع بدلا من تفريقها ، واعتداء الناس على الضابط شروعا في قتله ، حتى ان كليهما حملوه من موقع الحادث في سيارة ملاكى ، خوفا من مواصلة المطاردة والاعتداء عليه في سيارة الاسعاف !
ماذا يحدث في مصر ؟
هل هى محض حوادث عارضة لا يربطها شئ ؟ ام ان
ما حدث في المعادى كان بداية و بروفة لما حدث بالتحرير ؟ وما حدث بعد ذلك لكل ضابط وامين وفرد شرطة في القاهرة و المحافظات ؟؟
وكى نكون واضحين في اجواء ضبابية ، وصرحاء وسط احداث يسيطر عليها الغموض وعدم الفهم اقتربنا للمشهد اكثر ، نتابع التفاصيل والفروق الدقيقة
حادث المعادى الاول استقبله الناس في اجواء شديدة الاحتقان والعداء لجهاز الشرطة وكل من يمثله ، وعلى هذا حكم قطاع كبير من الرأى العام على الضابط حينها انه مستحقا للضرب والسحل والسحق بالاقدام ، بل و للشنق في ميدان عام ، جزاء وفاقا لظلمه وافتراه وعنجهيته الميرى ، التى جعلته يتجاسر و يتجرأ من بعد الثورة بأيام ، على رفع سلاحه على مواطن غلبان شريف نازل ياكل عيش ، على الله يا ولداه ، الا وهو سائق الميكروباص الذى كان الطرف الاخر في الحادث يومها ، والغريب ان الداخلية ذاتها شاركت الناس حكمهم الانطباعى عن الحادث ، وقبل ان ينتهى التحقيق فيه ، اصدرت قرارا بايقاف الضابط عن العمل ، ولم يرفع حتى اتضح ان الضابط كان مجنيا عليه وليس هو الجانى او (القاتل الندل ) كما صوره الناس وقطاعا عريضا من الاعلام وقتها ..
اما حادث ميدان التحرير فيما سمى بيوم جمعة العمل ، وما يطلق عليه الملازم اول احمد سامى (جمعة البياعين) فقد كان فريدا من نوعه مفزعا في دلالته ، فهى المرة الاولى التى تتعرض فيها امرأة للاعتداء والضرب وتمزيق ملابسها في ميدان عام جهارا نهارا ، وحين استغاثت بمن حولها ، فشل كل الرجال الذين تصدوا لحمايتها ، بل وتعرضوا للضرب ، اما الضابط
(ابو طبنجة) الذى اندفع بواعز من رجولته قبل واجبه الامنى لأنقاذها ، فقد صار هو بالذات فريسة بين المئات الذين ارادوا ان يلقونه درسا لا ينساه ، وحيث انه هو بالذات من بيده سلاح واطلق اعيرة في الهواء ، فعليه ان (يستلقى وعده) ليفهم انه لا النسر فوق راسه ،ولا السلاح الميرى في يديه ، يجعل له كرامة او يمثل عندهم فارقا يذكر ، ويخطئ لو فهم انه كضابط يستطيع ان يخلص السيدة من ايديهم او حتى ينجو بنفسه من ميدان التحرير ، والغريب والمفزع حقا ما يرويه بقية الشهود في القصة ...
يقول مينا البير – مخرج برنامج في النور على قناة ال سى .تى .فى : كنت مع مريان في ميدان التحرير وقت الحادث خطوة بخطوة ، فهى مراسلة في تقرير نصوره معا للبرنامج ، عما سمى يومها بجمعة العمل ، وفوجئنا بهجوم عنيف من الناس علينا وصاح احدهم الناس دول اقباط ودون مقدمات بدأوا الضرب فينا ، والغريب اننا وقتها كنا بنسجل مع واحدة ست لابسة عباية سودة هى نفسها ساهمت في الضرب وتشجيع الاعتداء على زميلتى مريان وهو مشهد غير مسبوق وغير مفهوم بالنسبة لى حتى الان
لقد حاولت ان افعل كل شئ استطيعه كى اخرج مريان من ايديهم ، خاصة بعد ان بداوا ضربها وتمزيق ملابسها ، وكنت تماما كأننى احمى اختى او زوجتى من نفس المصير ، لكن الناس كانت كثيرة جدا واوسعونى ضربا ، واخرجوها بالقوة من سيارة التاكسى التى احتميت بها وتصورت انها يمكن ان تنقذنا وتخرجنا على وجه السرعة من الميدان ، ولكنى للاسف فشلت ، الشئ الذى الوحيد الذى عرفته من تلك التجربة البشعة ، انى اكتشفت اخيرا كيف تحرق الكنائس .. هى فقط كلمة و ( يالله ) ثم يبدأ الحريق ، الكل بيصدق وبيزيط وسهل جدا ان تبدأ الفتنة والفوضى والهجوم الفورى تحت اى جملة غير عاقلة ، مثلما قالوا علينا ( دوول في قناة اسرائيلية ) رغم اننا مصريين وكان بجوارنا مراسلين اجانب بشعر اصفر لم يتعرض لهم اى احد !
ماجى جمال – مراسلة زميلة لمريان عبده المعتدى عليها بميدان التحرير – قالت : لن نتوقف عن العمل ولا يخيفنى الحادث رغم بشاعته وما يدل عليه من همجية الناس وفقدانهم للعقل والرحمة معا ، ربنا موجود هو الشعار الرسمى المكتوب للقناة التى نعمل بها ويجب ان نضعه واقعيا امامنا الان ، لذا لن اتراجع عن اداء واجبى المهنى ، واثقة من ان الله سيحمينا ، رغم ان ما حدث لمريان اغلب الظن بسبب ان البعض لم يعجبه ان القناة التى نمثلها قبطية ، تضع الصليب على شعارها المرسوم فوق الميكريفون ، مثل الصليب الذى تدقه مريان على احدى يديها ، لكننا سنواصل رغم كل شئ و(لن نهرب من الميدان ) ميدان العمل او ميدان التحرير او اى ميدان اخر
عزت عسقيال رئيس تحرير في قناة السى تى فى يقول : اكثر من 90% من ضيوف البرنامج مسلمين ، من الشخصيات الشهيرة والمحترمة ورموز المجتمع المصرى المثقفة ذات الرؤية الوطنية التى تتحاشى العنصرية والتمييز ، اما ما حدث في الاعتداء على مريان في ميدان التحرير ، فهو في رأيى الخاص كارثة ومشهد مأساوى بكل المقاييس
واذا كانت الفتاة وهى من واقع معرفتى بها هادئة متواضعة مظهرها شديد البساطة وليس فيه اى شئ غريب او لافت للنظر ، ومع ذلك تتعرض لأعتداء بشع الى هذه الدرجة ،لمجرد انها تعمل لصالح قناة ذات طابع دينى قبطى ، وتستغيث بالناس والمارة والرجولة والشهامة والانسانية عند اى عابر سبيل فلا ينقذها احد لا هيبة الدولة ولا حكومة ولا داخلية استطاعت ان تحميها ، فلمن نذهب اذن ؟؟ انا شخصيا اعتبر ان الضابط الذى اندفع بين الناس وكاد يفقد حياته لينقذها (بطل قومى ) بلا ادنى مبالغة ويستحق التكريم كل التكريم ، لكنى اكاد اجزم انه فعل ذلك بشهامة ورجولة مواطن مصرى ، قبل ان يكون بدافع من واجبه المهنى كضابط بوليس او ملازم اول في الامن العام ، تصادف ان تكون خدمته في ميدان التحرير وقت الحادث
الطريف حقا ان الملازم اول احمد سامى يقر بنفس الحقيقة ويقول معقبا على الحادث : انا لا اعرف السيدة التى استغاثت ولا اسمها ولا من هى او ماذا تعمل او ان كانت مسلمة او مسيحية ، متزوجة او أنسة ، كلها تفاصيل لا تعنينى ولم اسأل عنها ، انا كل ما فكرت فيه انها تماما مثل شيماء اختى او مثل والدى او حتى مثل خطيبتى ، امرأة في موقف صعب ولا احب ولا اقبل ان تتعرض له اى سيدة في اسرتى ، اخرجت السلاح وضربت ثلاث اعيرة نارية في الهواء ليتفرق الناس من حولها ويبتعدون عنى وانا اركبها سيارة تاكسى لتهرب من المكان وتنجو ، وبعدها فقدت الوعى من الضرب الذى تعرضت له على ايدى مئات البشر لا اعرف حتى الان بأى ذنب او لأى سبب ضربونى وحاولوا قتلى ... لم تكن جمعة التحرير ، لقد كانت ( جمعة البياعين والبلطجية ) ولم تكن (وقفة تحت شعار العودة للعمل) بل فوضى واجرام .. ومع ذلك لست نادما ابدا على تطوعى لانقاذ سيدة تتعرض للاذى حتى لو كنت سأدفع الثمن من حياتى ، بل انا معتز بموقفى ولو اعيد المشهد فسوف اكرر ما فعلت مئات المرات ..
السيدة منال والدة الضابط تقف بجوار فراشه على وجهها الاسى والقلق ومع ذلك تقول : يحزننى جدا ما حدث لأبنى ، لا دين ولا اخلاق ولا انسانية ولا اى مبدأ سليم يمكن ان يقبل ذلك ( انا بموت كل يوم ) لأنى ام ضابط مكان خدمته يوميا في ميدان التحرير من بعد الثورة ، ورغم المى الشديد ابنى بطل وتصرف كما يجب وانا فخورة به
اما والده الاستاذ الدكتور بالمركز القومى للبحوث فقد تحدث طويلا عن دلالة الحادث وخطورة ما يعكسه عن مستقبل مصر ، لكنه في النهاية وقف مبتسما امام سرير ابنه وقال له : اجمد يا واد انت صح .. انت بطل وصعيدى جدع زى ابوك (!!!)
ماذا كسب احمد ؟ وماذا خسرت مريان ؟ وماذا كسبت مصر او خسرت بسبب ميدان التحرير ؟؟؟