أصدرت مؤسّسة الفكر العربي الترجمة العربيّة لكِتاب «أوضاع العالَم 2017»، والذي حمل هذا العام عنوان «مَن يحكم العالَم؟».والكتاب الذي أشرف عليه الباحثان الفرنسيّان الأستاذان في معهد الدراسات السياسيّة في باريس، برتران بادي ودومينيك فيدال، نقله إلى العربيّة نصير مروّة. لم يشهد العالَم تغيّراً بسرعة التغيّر الذي شهده خلال السنوات الأربع الأخيرة: نهايةُ الشيوعيّة، وعَولَمة، وثورة رقميّة، ثلاث ظواهر جعلت العالَم يتغيّر تغيّراً جذريّاً. وركّزت هذه السلسلة من «أوضاع العالَم» في كلّ عام على أبرز الظواهر التي أفرزها هذا التغيّر؛ فجاء «أوضاع العالَم 2014» بعنوان: «جبابرة الأمس والغد»، وجاء «أوضاع العالَم 2015» بعنوان «الحروب الجديدة»، و«أوضاع العالَم 2016» بعنوان:«عالمُ اللّامساواة».أمّا كِتاب هذا العام، أي «أوضاع العالَم 2017» فجاء بعنوان: «مَن يحكم العالَم؟»، راصداً هذه المرّة القوى التي انتهى إليها حُكم العالَم، ولاسيّما أنّ الدُّول لم تعُد وحدها هي التي تُسيطر عليه، حتّى ولو ادَّعت ذلك. فالعَولَمة التي تَقلب- ولا تزال- العلاقاتِ الاجتماعيّة رأساً على عقب، من منظور المُشرفين على الكِتاب، تُولِّد ارتهاناتٍ جديدة، تجعل الشبكات والشركات المتعدّدة الجنسيّات تتحدّى سيادات الدُّول؛ وهو الأمر الذي يُترجِم نفسه أيضاً بما يظهر من تفتُّتٍ في السُّلطة، ومن ترابطات وارتهانات مُتبادَلة ومُتزايدَة التعقيد. فهويّة العَولمة هذه بحسب مختلف المشاركين في الكتاب تكمن في «أنّها تلك القدرة الاستثنائيّة على توفير الشبكات، وهي قدرة متكتِّمة ولكنّها غامضة مُلتبسة، وتُترجَم في الحين ذاته بتجزّؤ السلطة، وتفتّتها بسبب التّرابط، وبعِلَّةِ الارتهان المتبادَل الذي يزداد تعقيداً».ورصد الكِتاب معالِم عدّة من النّظام الدّولي ومتغيّراته التي يُمكن أن تُولِّد السلطة؛ فتمّ تمييز خمسة من معالِم هذا النّظام العالمي أو «بارامتراته»: التقليد الذي استَحدثَ في العالَم كلّه الأدوات الأولى للسيطرة، والذي لم ينقطع عمله هذا ولم يتوقّف، حتّى في أكثر المجتمعات حداثةً، لأنّه يتواصل عبر الرقابة الاجتماعيّة والتحكّم الاجتماعي، وعبر النّظام الأبوي البطريركي، وعبر تقسيم العمل بين الجنسَين، ومن خلال الزبائنيّة والعصبيّة والمحسوبيّة. أمّا ثاني هذه المعالِم فهو المقدَّس والدينيّ لكونه يشكّل امتداداً للأعراف والتقاليد، ويستمرّ ويتواصل إمّا بتنظيم سيطرة بذاتِها ولذاتِها، وإمّا بتزويد دوائر أخرى بأدوات تدعيمٍ وتعزيز ثمينة تفيدها في تدعيم سيطرتها وتعزيز غلبتها. وهناك في المحلّ الثالث، الدّولة التي كان مبرّر وجودها هو تحديداً ادّعاؤها الحقّ في احتكار ممارسة السلطة السياسيّة. ثمّ يأتي في المحلّ الرابع، الاقتصاد، الذي انفصل كفئة مستقلّة أو «مقولة» مستقلّة منذ بروز الرأسماليّة التجاريّة في حدود عصر النهضة، والذي راح يدّعي، تدريجيّاً، بغلبة مستقلّة بذاتها، أو بسيطرةٍ مستقلّة، لا تزال قائمة إلى يومنا هذا. وأخيراً، فإنّ هناك العَولَمة التي هي أبعد من أن تكون امتداداً لرأسماليّة الأمس، والتي تَستحدِث مشهداً عالميّاً جديداً، ثمّ تُعبّئ ثوابت ومتغيّرات غير مسبوقة للسلطة وتُجنِّدها، ولاسيّما عبر ثورة الاتّصالات، التي هي أساس شكلٍ جديد لا سابق له من الغلبة والسّيطرة. وتوزّعت بحوث الكِتاب في أقسامه الثلاثة لتدرس بعمق معالِم النّظام العالمي الجديد، وعدم الاكتفاء بمحاولة فَهم مَن يَحكُم العالَم؟ بل اتّجاهها كذلك إلى فَهم كيف يُحكَم هذا العالَم أيضاً. فقاربت البحوث والدراسات أشكال السيطرة والغلبة والتمييز، ولكن ليس على نحوٍ منفصل، وإنّما في تقاطعها وتداخلها مع بعضها بعضاً.