الوعظ أم القانون ؟

قولوا لى بالله عليكم : أيهما أجدى فى عملية الاصلاح : أن نقوم بوعظ الناس لكى يفعلوا شيئا أو لا يفعلوه ، أم أن نسن لهم قانونا يتضمن عقوبة رادعة للمخالفين ثم نطبقها عليهم بكل حسم ؟
وبالطبع سوف يعترض الوعاظ على هذا ، بل ربما يرفضون طرح السؤال من أساسه ،حيث قد ىؤدى إلى اهتزاز الثقة بمهنتهم ، مع أن الأمر ليس كذلك ، لأن الهدف المنشود هنا هو الذى ينبغى أن يتم التركيز عليه ، وتظل مهمة الدعاة محترمة ومقدرة ومذكرة للناس بفعل الأفضل وتجنب السىء .
وسوف أحكى لكم الآن حكاية لها دلالتها من أمريكا . فمعظم الناس هنااك يمتلك كل منهم منزلا خاصا به ، وأمامه مساحة خضراء مناسبة هى حديقته الخاصة . ومن حقه أن يزرع فيها الورود والأزهار كما يحلو له ، لكن من واجبه أن يقوم بجز العشب منها حتى لا ينمو ويطول ويجف فى فصل الصيف فيكون سببا مباشرا فى اندلاع حريق فى منزله والمنازل المجاورة له . فماذا فعلت الحكومة الأمريكية حيال هذا الأمر ؟ كان من الممكن أن تقوم ببيان خطورة عشب حدائق المنازل الخاصة عندما لا يجرى جزه أولا بأول ، وتظل تقدم المواعظ والنصائح وتعرض الحودث السابقة ليستخلص منها الناس العبر ، أو ان تقوم بسن قانون حاسم يقوم المسؤولون فى الحى بمتابعته وتنفيذه على النحو التالى :
تسير دورية الحى مكونة من رجل وامرأة للتفتيش على الحدائق الخاصة المخالفة ، وتوجه ملاحظتها بكل أدب لصاحب المنزل بضرورة جز عشب حديقته، فإذا استجاب كان بها ، وإن تعلل بأنه لا يمتلك جزازة عشب ، سمحوا له باستعارة واحدة من الحى لمدة ساعة او ساعة ونصف . فإذا مروا ووجدوا العشب على حاله أبلغوا المحكمة باستدعائه ومساءلته . والحكم فى هذه الحالة يبلغ شهرا كاملا فى السجن ! ولا مسامحة أو استثناء فى ذلك .
وهكذا ينضبط الناس بهذا القانون ، ولعلكم تلاحظون منظر حدائقهم الخاصة أمام منازلهم فى الأفلام الأمريكية ، فتظنون أنهم قد زىنوها وجملوها من تلقاء أنفسهم .. كلا ، وإنما ، حدث ويحدث ذلك بفضل القانون الذى يمكنه أن يحقق من الاصلاحات المجتمعية ما لا تستطيع مئات الخطب والمواعظ ان تبلغه.
نائب رئيس جامعة القاهرة الأسبق‎