قدمت فرقة باليه "فلامنكو دي مدريد" الأسبانية خمسة ليال بأوبرا القاهرة والإسكندرية، عرض "كارمن" الذي تهافت الجماهير على حضوره، لدرجة أنه لم يبقى بصالة العرض مكانا واحدا شاغرا. اشتهرت رقصة "الفلامنكو" الأسبانية بالإيقاع من خلال الأقدام؛ حيث يرتدي جميع الراقصين في باليه "كارمن" أحذية ذات كعب يبلغ بضعة سنتيمترات يحدث أصواتا منظمة، قام بتأديتها الراقصين في هذا العرض لتكون بمثابة حوارات فيما بينهم، فحينما أرادوا التعبير عن حدية الموقف علت الضربات وكثرت مما يشعر الجمهور بحالة القلق أو الصراع أو الشجار بين الأشخاص؛ حيث استغلت تلك الإيقاعات الجميلة لتمثل صوت الراقصين، كما كانت الضربات هافته ورقيقة لتعبر عن حالة الغرام والرومانسية بين بطلة العمل "كارمن" وحبيبها. وأشعرتنا في بعض الأحيان بالسعادة، وفي أحيان أخرى كانت إيقاعات حزينة. كان هذا العرض الشهير "باليه كارمن" ل بيزيه من تصميم ساره ليزانا، بإدارة الموسيقي مانويل أندجار، وإخراج لوشيانو رويز، والذي تدور أحداثه فى مدينة اشبيليه عام 1830 حول الفتاة الغجرية المتعالية "كارمن" التي تسعى لإيقاع الرجال بحبائل جمالها؛ حيث تتودد إلى العريف "خوسيه نافارو" الذي عشقها فحولته من شرطي بسيط مطيع إلى شقي خارج عن القانون بعد أن ضمته لمجموعة من المهربين تعمل معها، وقاده هذا الحب الجارف إلى ساحة الإعدام حيث تبدو "كارمن" مستعدة لفعل أي شيء من أجل إغواء نافارو مبررة هذا السلوك بحبها للحرية على الرغم من تهافت الشباب للفوز بقلبها. المضمون الدرامي يتكون العمل من فاصلين بحسب القصة الأساسية لعمل الروائي؛ حيث تدور أحداث الفصل الأول داخل وخارج مصنع السجائر الذي تعمل "كارمن" مع صديقاتها من فتيات الغجر وأيضا في البراري الجبلية وبحلبة مصارعة الثيران. ويظهر مجموعة من الجنود يتبادلون أطراف الحديث أمام معسكر دراجوني دي الكالا ومصنع السجائر، تتجه إليهم ميكائيلا وتسألهم عن القائد "دون خوسيه"، فيبلغها الجنود بأنه غير متواجد ولكنه سيحضر سريعا مع تغيير نوبة الحراسة. يحاول الجنود استقبالها حتى حضوره ولكنها تخبرهم بأنها ستعود مرة أخرى. يصل الجنود الذين سيتولون نوبة الحراسة وتحيط بهم مجموعة من الأطفال، ويصل "دون خوسيه"، وفي تلك الأثناء تخرج مجموعة من الغجريات اللاتي تعملن في مصنع السجائر لمغازلة الرجال الموجودون أمام المعسكر. يسأل الرجال عن "كارمن" التي سريعا ما تظهر لتشدو بأغاني الحب والانطلاق، كما تبدي اهتماما خاصا ب"دون خوسيه"، وتقذف له بوردة تعبيرا عن اعجابها به. وتحضر "ميكائيلا" حاملة رسالة من والدة "دون خوسيه"، الذي يبدو عليه التأثر والحنين، وتخرج ميكائيلا ويبدأ هو في قراءة الخطاب ولكنه لا يستطيع بسبب الضوضاء التي تسببها الغجريات العاملات في مصنع السجائر لوقوع خلاف بينهن. ويأتي المشهد داخل مصنع السجائر: يطلب الكابتن "ثونييجا" من "دون خوسيه" استطلاع الأمر حيث يتضح أن "كارمن" تسببت في جرح إحدى زميلاتها فيلقي القبض عليها؛ فتعبر "كارمن" عن سخريتها من الجميع وتبدأ في استماله "دون خوسيه"، وتعده بلقاء خاص في حانة "ليلاس باستيا"، على أمل هذا اللقاء يتركها تهرب معرضا نفسه للحبس بسبب ذلك. ويتحول المشهد إلى ضواحي أشبيلية - سفيليا في حانة ليلاس باستيا- لاتافيرنا: وترقص "كارمن" وصديقتيها "فرسكيتا" و"ميرثيدس" على الأغاني الغجرية، حتى يأتي إسكاميليو مصارع الثيران محاطا بمجموعة من جماهير المعجبين، وهنا يحكي لهم عن مغامراته وشجاعته داخل حلبة المصارعة، ثم يقف "إسكاميليو" مترددا أمام "كارمن" وجمالها الساحر، في محاولة لإظهار إعجابه ولكنها لا تتجاوب معه ولا تظهر له نفس الإعجاب. ويصل إلى الحانة مجموعة من اللصوص والمهربين ليطلبوا من كارمن وصديقاتها مصاحبتهم في عمليتهم القادمة. وهنا ترفض "كارمن" أن تغادر معهم وتشير لهم بأنها في انتظار زيارة قادمة. يسمع في هذه الأثناء من بعيد عن حضور "دون خوسيه" بعد خروجه من السجن، وتظهر "كارمن" الغجرية سعادتها لرؤيته وهي ترقص معه، ويصل إلى مسمع الجميع وعن بعد صوت نوبة العودة إيذانا برجوع الجنود إلى المعسكر، وهنا تغضب "كارمن" في الحال، وفي نفس الوقت يجبرها "دون خوسيه" على سماع اعترافه بحبه الشديد لها، وتجيبه كارمن أن الوسيلة الوحيدة لتأكيد حبه أن ينضم لها ولأصدقائها في الخروج إلى الجبل، وفي هذه اللحظات يصل فاجأة كابتن "ثونيجا" باحثا عن "كارمن" للقبض عليها؛ فتدور معركة بين "دون خوسيه" ورئيسه، وفي نفس الوقت يتمكن الغجر من سلب السلاح الخاص بكابتن "ثونيجا" مما يجبر "دون خوسيه" على الهروب مع الغجر. ويبدأ الفصل الثاني في إحدى المناطق الجبلية القريبة من "اشبيلية" حيث نرى مجموعة من اللصوص والغجر تجلس لتستريح، وتعبر "كارمن" عن ضجرها من حب "دون خوسيه" لها؛ حيث لم يتعود بعد على حياة الحرية والانطلاق التي تعيشها، وتقترب "كارمن" من "ميرثيدس" و"فرسكيتا" لقراءة الطالع وتفاجأ بأن ورق اللعب يشير إلى أن قدرها هو الموت. وتخرج الجماعة في إحدى عمليات التهريب، ويبقى "دون خوسيه" في المؤخرة للحراسة، وتتسلل "ميكائيلا" دون أن يراها أحد بحثا عن "دون خوسيه"، إلا أنها تضطر للاختباء نظرا لحدوث تبادل لاطلاق النار، وكان ذلك موجها إلى الشخص الغريب الذي يقترب ويتضح فيما بعد أنه "اسكاميليو". ويبلغ "اسكاميليو" "دون خوسيه" دون أن يعرفه، إنه أتى للبحث عن "كارمن"، ويدعوه "دون خوسيه" للنزال في نفس اللحظة التي تظهر فيها "كارمن" مع بقية الغجر للفصل بينهما. وقبل أن يغادر "اسكاميليو" المكان يدعوهم جميعا لحضور مصارعة الثيران بأشبيلية. ويتم اكتشاف مكان "ميكائيلا" وتحضر أمام الجميع لتبلغ "دون خوسيه" أن والدته تحتضر وتلح عليه في الانصراف معها، وبالفعل يذهب معها بعد أن هدد "كارمن" وتوعدها بأنه سيعود من جديد. مشهد في اشبيلية خارج حلبة مصارعة الثيران: تتدافع الناس لحضور مصارعة الثيران ، ووسط الهتافات يظهر "اسكاميليو" وبصحبته محبوبته "كارمن" في ثوب جديد وأنيق، ويودعها ليذهب للمصارعة، في هذه الأثناء تنصح "ميرثيدس" و"فرسكيتا" "كارمن" بالابتعاد عن المكان؛ حيث أن "دون خوسيه" موجود بين جموع المشاهدين، إلا أنها تأبى وتصر على مواجهته. تذهب توسلات وتهديدات "دون خوسيه" سدى أمام إصرار "كارمن" وتأكيداتها له بأنها تحب "اسكاميليو" مصارع الثيران، وتعلو أصوات الجماهير بالهتاف لاسكاميليو وتحاول "كارمن" الدخول إلى حلبة المصارعة لكون "دون خوسيه" يهجم عليها وهو في حالة غضب وغيرة ويقتلها بيديه، ثم يظهر وهو يبكيها بشدة ويعترف بجريمته حيث يلقى القبض عليه. صحب الباليه فرقة عزف حيه مكونة من آلآت "الكاخون"، و"الجيتار اسبنش"، و"الفلوت"، بالإضافة إلى وجود مطربة تشدو بصوتها أثناء العرض، مما أضفى حالة من الطزاجة من خلال العزف الحي بدلا من الموسيقى المسجلة. الإضاءة وكان للإضاءة دورا بارزا في التعبير عن دراما العرض، وخصوصا في المشاهد الليلية والفترات المتقدمة من النهار، ففي مشاهد الليل خفتت الإضاءة تماما، وغيرت لونها، وسلط الضوء بشدة معينة على الأبطال لتوحي بظلام الليل على باقي أرجاء المسرح، وفي الشروق نزل على المسرح ستارات عكست على المشاهدين الصورة الضبابية التي نشاهدها من شبورة الصباح الباكر، وعند بزوغ النهار بعد دقائق قليلة أزيلت الستائر لتكشف عن ضوء النهار. الديكور الديكور كان بسيطا معبرا عن المضمون الدرامي للعرض، فكانت الخلفية سوداء تماما ولم يكن عليها أي رسوم، كما نرى في بعض عروض الباليه، وكالنت تنزل ستارات بين الحين والآخر لتعبر عن أوقات مختلفة من اليوم سواء في بدايات الشروق، أو بدايات الغروب، وخلافه، أو لتحقق أبعاد مختلفة على خشبة المسرح، وكانت الفرقة الموسيقية تجلس على خلفية المسرح وأحيانا ما تخفت الإضاءة عليهم لنجدهم يظهرون في درجة أعلى من بعد في خلفية المشهد، أو تبعد الإضاءة عنهم تماما فلا نجدهم مطلقا في الصورة، وكانت تفتح الأضواء عليهم في بعض الأحيان ليقوموا بتحية الجمهور. كان يدخل في العرض أثاث بسيط عند مشاهد معينة، من بينها مشهد السجن عندما حبس "دون خوسيه"، حيث عبر عنه ببساطة شديدة بباب زنزانة ووراءها كرسي يجلس عليه الضابط، ومن أمامه يوجد سرير عبارة عن مجموع من الكراسي الخشبية بجانب بعضها البعض دليل على عدم الراحة، والإضاءة تتحول للون الأزرق الذي يعبر عن ظلام الحبس. وتظهر نفس الكراسي البيضاء في أجزاء أخرى من العرض عندما يجلس عليها الراقصين. الملابس أما عن ملابس هذا الباليه فقد تميزت بنفس تصميم ملابس "الفلامنكو" الواسعة من أسفل، ذات الكرانيش"؛ حيث تتيح للراقصة اللف والدوران بها ورفعها بسهولة عن أسفل القدم لتوضيح إيقاعات الأقدام الرقصة، إلا أنه في هذا العرض كانت الملابس معاصرة تمثل المرحلة التي نعيشها، بخلاف لفافات البطن التي ارتداها الرجال على ملابسهم كما هو مشهور في حفلات الرقص الغربية في الأزمنة السابقة. والشال الأحمر التي رقصت به كارمن عدة مرات. وعن الأكسسوار نجد "القفة" التي كانت تضع فيها "كارمن" الملابس لدون خوسيه عندما هربته من الحبس، والسكين الذي اعطته له، والوردة الحمراء التي ظل يحملها ويلقيها وهو في الحبس لعدم رضاه عما حل به، والتي أظهرت شده حبه لها وتعلقه بها. وفي نهاية العرض حيت الفرقة الجمهور تحية خاصة بإيقاعات سريعة جدا كانوا يصفقون عليها مع الجمهور ليبرزون مدى سعادتهم بالحضور الكبير. الجدير بالذكر أن فرقة "فلامنكو دى مدريد" تأسست عام 2001 كفرقة مستقلة، ثم تحولت إلى مؤسسة ثقافية في نوفمبر 2009 تهدف إلى إحياء والحفاظ على الشكل الكلاسيكى للرقص الإسباني والبروليرو الذي يعد جزء أصيل من تاريخ الفنون في اسبانيا. طافت الفرقة مختلف دول العالم في جولات فنية ناجحة منها إيطاليا، سويسرا، استونيا، رومانيا، الصين، المانيا، البرازيل، المكسيك، بنما، البرتغال والأرجنتين. كما شاركت في مسابقات ومهرجانات عالمية منها مهرجان "بكين الدولي"، وحصلت على جوائز عديدة منها جائزة خاصة من وزارة الثقافة الصينية عام 2001، شهادة تقدير من وزارة الثقافة المصرية عام 2005، جائزة خاصة من جامعة الصين 2006، الدرع المصرى من وزارة الثقافة عام 2007 تقديراً لعروضهم المتميزة بدار الأوبرا. وتضم المؤسسة مجموعة من اشهر مصممي ومدربي الاستعراضات الذين قامو بتأهيل أكثر من 200 عارض و50 موسيقي.