دافوس: قال مصدر حكومي أوروبي في دافوس إن اتخاذ إجراءات لصالح اليونان التي تناضل لإعادة النهوض بماليتها العامة ليس مستبعدا لكنه سيتأتي من مؤسسات مالية وليس من الدول الأعضاء. وفي معرض استبعاد عملية إنقاذ واسعة النطاق لليونان التي ارتفع عجزها المالي بشكل كبير أوضح المصدر أن مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي أو البنك الأوروبي للاستثمار قد تقدم مثل هذه المساعدة. وأضاف المصدر على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس أن ذلك سيكون موضع دراسة شرط أن تقوم اليونان بواجباتها في مجال خفض عجز الموازنة. وكان رئيس وزراء اليونان جورج باباندريو ووزير ماليته جورج قسطنطينو الموجودان في دافوس أكدا أمس أن بلادهما ستتوصل بوسائلها الخاصة إلى تقليص عجزها المالي ونفيا أي مساعدة مالية من دول منطقة اليورو. وكانت قد نوقشت فرضية المساعدة الأوربية بقوة في الأيام الأخيرة لكن السلطات الرسمية نفتها بينما تعرضت اليونان لنكسة كبيرة في سوق السندات. وتتحرك الدوائر السياسية والنقدية الأوروبية في الوقت الحالي لاحتواء التداعيات الوخيمة المتوقعة لأي تفاقم لأزمة الموازنة في اليونان، واحتمال تفشي متاعب هذا البلد الاقتصادية لتشمل دول أخرى في منطقة الوحدة النقدية والاقتصادية الأوروبية المتعاملة باليورو. ومن بين لدول أكثر عرضة لمثل الاحتمال ايرلندا والبرتغال واسبانيا، التي باتت تعاني من الآثار المستديمة للازمة الاقتصادية والمالية التي ضربت المؤسسات المالية والمصارف واقتصاديات الدول الصناعية نهاية عام 2008 وطوال العام الماضي. وتخطط المفوضية الأوروبية في بروكسل وفقا لما ورد في وكالة الأنباء السعودية "واس" الى إصدار تقييمها العام لأداء دول منطقة اليورو في مجال التحكم في معايير الاندماج النقدي الأوروبي وخاصة في الموازنات العامة نهار الأربعاء المقبل الثالث من شهر فبراير . ويعدّ تقرير المفوضية التقييم العام الذي يقوم به الجهاز التنفيذي الأوروبي للأوضاع النقدية والمالية والاقتصادية في كافة الدول الأوروبية لكنه يعكس بالدرجة الأولى بشكل دوري مدى صلابة منطقة اليورو التي تضم حاليا 16 دولة. وأعلنت الحكومة اليونانية يوم 14 يناير الجاري عن خطة طموحة لتحسين أوضاع الموازنة العامة تحديدا، ولكن الشكوك تتنامى بشان القدرة الفعلية للحكومة الاشتراكية في أثينا لرفع هذا التحدي الضخم، دون التعرض لهزّة اجتماعية خطيرة شبيهة بما عرفته البلاد منذأكثر من عام من الآن. و تمارس أسواق المال والمضاربين ضغوطا كبيرة هذه الأيام على الدوائر المسؤولة عن إدارة العملة الأوروبية الموحدة اليورو. وانهار سعر صرف العمة الأوروبية في اسواق المال بشكل ملحوظ خلال الايام القلية الماضية و بلغ اليورو أدنى حجم صرف له مقابل الدولار الأمريكي منذ ستة اشهر . وزادت المضاربات بشان الاستعداد الفعلي للاتحاد الأوروبي لتقديم دعم مباشر لليون لمساعدتها على تجاوز المتاعب الحالية من مصاعب أثينا ومن المصاعب التي يواجهها اليورو. وتستمر الضغوط بشكل كبير على المفوضية الأوروبية لإحداث ليونة في معايير الاندماج النقدي أولا ،وفي مجال تقديم المساعدات المباشرة لإحدى الدول الأعضاء. وتعاني اليونان من تراكم ثقل المديونية العامة ومن تكاليف تسديد الديون بفوائد مجحفة تفوق ما هو متعامل به في الأسواق بسبب الطابع الهش لاقتصادها والشكوك المخيمة على خطط الحكومة. ويرى المحللون الأوروبيون انه سيكون من الصعب على المفوضية الأوروبية أن تقدّم دعما غير مشروط وسريع لليونان ،لكون أثينا تعمدت في شهر أكتوبر الماضي تقديم بيانات مزيّفة وملفّقة عن واقع مديونيتها للمعهد الأوروبي للإحصاء "يورستات" وهو الهيئة الرسمية الأوروبية والتي تعدّ مرجعا لاستصدار المعطيات النهائية عن أداء الدول الأعضاء. وتعهدت اليونان بمراجعة آلية تحصيل البيانات والالتزام بالشفافية المطلقة مستقبلا في مجال الكشف عن حقيقة أوضاعها الاقتصادية. وقالت صحيفة "لوموند" الفرنسية انه توجد خطة سرية تقوم الهيئات الأوروبية بدراستها حاليا لتقديم دعم مباشر لليونان للتغلب على الأزمة الحالية. ورغم نفي المفوضية والأوروبية ودحض كل من ألمانيا وفرنسا لوجود خطة بديلة وسرية لإنقاذ الاقتصاد اليوناني فان تحركات غير معلنة تجري حاليا بين الدول الأوروبية المنتمية لمنطقة اليورو والمصرف المركزي الأوروبي وحتى صندوق النقد الدولي لانقاذ اليونان. وتخشى ألمانيا التي تعدّ الحارس الفعلي لمنطقة اليورو وراعي معايير الاندماج الصارمة من ان التخلي عن اليونان سيضرب منطقة اليورو في العمق وسينسف مقومات العملة الأوروبية. ولكن وفي إطار مواز وفي حالة حصول اليونان على دعم مباشر وعلني فان مصداقية معايير ماستريخت للاندماج النقدي الأوروبي ستصاب بنكسة موجعة وقد تتسبب في اثر عكسي، أي في مزيد من تراجع اليورو وفي التحاق دول أخرى بالركب اليوناني البحث عن زورق للنجاة. وتخشى الدوائر الأوروبية إن تجنح اليونان إلى بيع أجزاء من ديونها في شكل اكتتاب مفتوح للصين تحديدا ومقاضية دعم الصين بجانب من قطاعها العام وخاصة في مجال النقل البحري مما يفتح الباب واسعا للصين للولوج بقوة داخل الأسس التي يقوم عليها الاقتصاد الأوروبي نفسه. وقامت الصين مؤخرا بالسيطرة على أجزاء من الطرق العامة في بولندا ولكن هذه الدولة لا تنتمي لمنطقة اليورو حتى الآن. وتتجاوز الأزمة اليونانية التي تعد اخطر أزمة يمر بها هذا البلد منذ ثلاثين عاما اطر الاتحاد الأوروبي وتطال بشكل مباشر التوازنات النقدية العالمية في المقابل وبما في ذلك توجه المعدلة بين اليورو بين العملات الأخرى. ونظريا لا يمكن لليونان التي تعاني من عجز عام يتجاوز نسبة ال 12% من صافي دخلها الوطني ان تستجيب بسرعة لمعايير الاندماج النقدي الأوروبي التي تحدد نسبة العجز ب 3% فقط. وإذا ما مارست وكالات التصنيف النقدية والمالية ضغوطا في الفترة المقبلة على كل من ايرلندا واسبانيا والبرتغال بشان مديونيتها العامة فان وضعية منطقة اليورو ستتفاقم في وقت تتكرر فيه مظاهر متاعب الاقتصاد الأوروبي وبعد ان تجاوزت نسبة البطالة في منطقة اليورو في شهر ديسمبر الماضي وللمرة الأولى العشرة في المائة من الأشخاص القادرين عن العمل. ويرى المحللون ان السلطات النقدية والسياسية الأوروبية مدعوة إلى تحديد موقف سريع لحسم الإشكالية اليونانية إذا ما أرادت تجنب أزمة عامة وذات تداعيات شاملة. ولكن المشروع الأوروبي الحالي مبني بالدرجة الأولى على توافق سياسي وليس على أسس اقتصادية أو نقدية ولا توجد حكومة اقتصادية على مستوى التكتل كما ولا تنتمي العديد من دوله لمنطقة اليورو مما سيجعل من مهمة إنقاذ اليونان مهمة أكثر من مستعصية وشاقة. وتبلغ ديون اليونان حاليا 54 مليار يورو وهو رقم يمكن التعامل معه مقارنة بما تم ضخّه لإنقاذ المصارف العام الماضي ولكن وإذا ما أضيف إلى ديون ايرلندا والبرتغال واسبانيا فانه يصبح إشكالية يصعب احتوائها عمليا ومن الناحية السياسية أيضا.