آخر من مات من أمهات المؤمنين، هند بنت سهيل المعروف بأبي أمية، وهي أم سلمة، القرشية المخزومية، مات عنها زوجها أبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن مخزوم الصحابي صاحب الهجرتين، هاجرا معا إلى أرض الحبشة وكانا من العشرين الأول المهاجرين إليها، وولدت سلمة ورجعا إلى مكة ثم هاجرا إلى المدينة وكانت أول ظعينة دخلتها بعد الهجرة، والتي مات بها زوجها إثر إصابته في غزوة أحد. بعد وفاة زوجها وانقضاء عدتها تقدم لها عدد من الصحابة الأجلاء خاطبين إياها كان منهم أبو بكر الصديق والفاروق عمر بن الخطاب، حتى طلب خاتم المرسلين خطبتها ووافقت وتم زواجهما في السنة الرابعة من الهجرة، فكانت من الزوجات الناضجات صاحبة حكمة وعقل راجح، وقد صاحبت الرسول في عدد من رحلاته وغزواته وكان يستشيرها في أمره. كان لها رأي صائب في وقت صلح الحديبية بعدما وقع الرسول صلى الله عليه وسلم الصلح، فأمر أصحابه قائلا "قوموا فانحروا ثم احلقوا"، فلم يقم منهم رجل وقال ذلك ثلاث مرات ولم يقم أحد وهو ما أغضب النبي فدخل على أم سلمة وأخبرها ما لقي منهم، فقالت له "يا نبي الله أتحب ذلك أخرج ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلق"، ثم قام النبي فخرج وفعل كما أشارت عليه وعندما رأى الصحابة ذلك نحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا ونجحت مشورتها. بعد وفاة نبي الله محمد كانت تدلي برأيها في تطور الأحداث، وكانت حريصة على استقامة الناس وعدم انحرافهم، وشهدت في تقدم عمرها مذبحة كربلاء ومصر الإمام الحسين وآل بيت رسول الله، وانتقلت إلى الرفيق الأعلى عام 59 من الهجرة بعد أن تجاوزت الرابعة والثمانين من العمر، وشيعت إلى مثواها الأخير في البقيع. ونقل عنها جيل من التلاميذ من الرجال والنساء فروى عنها السيدة عائشة رضي الله عنها وكذلك أنس بن مالك وابن عباس وأبو سعيد الخدري، وعدد كبير من التابعين منهم سعيد بن المسيب وشقيق بن سلمة وعبد الله بن أبي مليكة، وتعد معظم مروياتها فيما يخص العبادات كالطهارة والزكاة والصيام والحج فهي ثاني راوية للحديث بعد أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قدرها البعض بحوالي ثلاثمائة وسبعين حديثا باتفاق البخاري ومسلم.