الشوارعيزم.. ونادي الزمالك؟ د. عمرو عبدالسميع علي الرغم من تعيين مجلس إدارة جديد والاحتفاء بهذا الحدث وكأنه نهاية طريق إحباط طويل, فإن هناك ما يدفعني الي النظر لأزمة نادي الزمالك للألعاب الرياضية والتي تتري وقائعها كل يوم في ساحات المحاكم, وعلي صفحات الجرائد, باعتبارها أزمة ذات صفة( قومية) ترتبط بحال البلد في اللحظة الراهنة, بأكثر منها( مؤسسية) تتعلق بالنادي العتيد فحسب. وأري أنه من الأخطاء الجسيمة والأساسية في أي تحليل يتناول حال نادي الزمالك, الإلقاء بالتثريب والملامة علي أحد المعسكرات, أو فلنقل الميليشيات المحتربة في تلك المؤسسة الرياضية/الاجتماعية الكبري, فالجميع شركاء في هندسة وصياغة الوضع المأساوي الذي أفضت التطورات إليه في الأيام الماضية. ولقد رأيت في تلك الحالة تجسيدا جديدا مثاليا لحال الشوارعيزم, وإهدار القوانين والأعراف والحقوق وحدود الإلزام الوطني والمهني, عبر مثلثها الأشهر( المتنفذين الإداريين الحكوميين+ رجال الأعمال المتمولين+ إرهابيي الصوت والقلم من الإعلاميين). مرة أخري أجدني أمام دنيا جديدة تتأسس في مصر, وهي غير تلك التي عرفناها وربينا بين ظهرانيها. دنيا تدفع بنا الي أبعد بعيد, وتصوغ نفسها علي كيف وقد ومزاج قوي الاستقواء في هذا البلد وقد انتجت قطعة مقرفة من القبح والفوضي لم نك نتخيل أن يكون النادي الكبير إحدي ساحات تجليها! ولست بصدد إلقاء اللوم علي أحد أطراف النزاع الحالي في نادي الزمالك( والذي لم ينشب مثله تاريخيا منذ إنشاء النادي عام1911, أو منذ تمصيره تماما عام1923 وتولي كومندان السواحل اللواء محمد حيدر باشا رئاسته), لأن هدفي وديدني هو خروج الجميع من نفق الأزمة المظلم وليس تسجيل الأبناط أو إحراز الأهداف. القصة ببساطة هي ناتج سلسلة من أخطاء المجلس القومي للرياضة ورئيسه حسن صقر, وهي خرج ضعف جهازه القانوني الذي منعه إصدار القرار الصحيح في الوقت الصحيح, وهي مع كثير الأسف تحوي عددا من العناصر شخصنت الخلاف, أو ألقت بظلال من الريب والشكوك حول حضور العنصر الذاتي فيه, إذ أن المهندس حسن صقر لمن لا يتذكر كان طرفا في قائمة معركة انتخابية ضمن قائمة د. كمال درويش ضد قائمة المستشار مرتضي منصور, وقد خسرت قائمة درويش/صقر انتخابيا, وهذا في حد ذاته جانب يوحي بتعارض المصالح والأهواء بين منصبه الرسمي ومقتضيات حيدته وبين تأثيرات انحشاره في عملية تضاغط القوي في ساحة نادي الزمالك في وقت سابق. والأصل في مثل تلك المواقف أن ينحي المسئول نفسه بعيدا عن أية شبهة ويبحث عن طريق آخر للتعامل مع الملف لا يضعه موضع تساؤل. ثم إن المجلس القومي للرياضة لم يحاول لائحيا فرض تفعيل المجلس التنفيذي لنادي الزمالك والذي عطلته الي حد كبير إدارة المستشار مرتضي منصور, وبما سمح للخلافات بالاستشراء في ساحة النادي الكبير, وكأن صقر أرادها أن تصل الي ما وصلت إليه من آماد. لم نسمع عن محاولات لاحتواء أية خلافات, ولكن بدا الأمر وكأنه احتراب ضد إرادة الجمعية العمومية التي انتخبت مجلسا بالذات مهما كان رأي أي طرف فيه. وحتي حين بدا أن هناك خلافا لائحيا علي طريقة تصرف إدارة النادي في موضوع المجلس التنفيذي لم يلتجئ المهندس حسن صقر الي الجمعية العمومية لنادي الزمالك طارحا الثقة علي المجلس كما فعل النادي الأهلي في بداية التسعينيات إبان مجلس الكابتن عبده صالح الوحش عليه رحمة الله إذ حين اختلف مع مجموعة تمردت عليه في مجلس الإدارة, طرح نفسه علي الجمعية العمومية للثقة فلم يتحصلها, وحازها الكابتن صالح سليم عليه رحمة الله ليشكل مجلسا لمدة عام, وقضي الأمر.. كان الخيار في تلك الحالة ديمقراطيا لأنه تجنب الفرمانات الإدارية والتجأ الي سلطة الناس( الجمعية العمومية) حتي لو كانت القصة كلها بدأت بمؤامرة المجموعة المتمردة علي الوحش في مجلس الإدارة. علي أية حال, لم يفعل حسن صقر شيئا من ذلك لأنه كان محتلا بتأثير الخصومة الانتخابية السابقة مع مرتضي منصور, والتي خسر معركتها, فيما كان موقعه المسئول الجديد في المجلس الأعلي يفرض عليه أن يتجرد من كل تلك العوامل النفسية والشخصية التي تلبسته. ولست مع محاولات النيل المتواصلة من المستشار مرتضي منصور, علي الرغم من تحفظه علي ردود أفعاله بالغة العصبية, لأنه في نهاية النهار الطرف الذي حاز تأييد الناس أو الجمعية العمومية, وقد قضي إبان رئاسته للنادي علي بعض مكامن الفساد, كما نجح في تغيير خريطة الجمعية العمومية وتحريرها من سيطرة بعض قبضايات الانتخابات في قطاعات النادي المختلفة, ولكن أحدا لا يتحدث عن ذلك ولا يحاول الحوار معه أو احتواء الموقف, فالمهندس حسن صقر قرر مخاصمة الرجل الذي انتخبته الجمعية العمومية للنادي, ونتيجة الانتخابات حتي لو خسر فيها صقر هي أمر ينبغي احترامه مادمنا نتحدث عن الديمقراطية وسيادة القانون, ونشقشق ونزقزق باستقلالية مؤسسات المجتمع المدني وضمنها الأندية الرياضية. لقد اختار حسن صقر طريق تعيين مجالس بديلة للمجلس المنتخب بما أدي الي تعقيد حالة نادي الزمالك الي حد كبير.. وفي عصر المجالس المعينة( باستثناء الاستقرار والانضباط الذي ساد إبان رئاسة الأستاذ مرسي عطاالله باعتراف الجميع) ظلت التضاغطات القانونية قائمة علي نحو لم ييسر انتظام دولاب الإدارة داخل نادي الزمالك لأية فترة نصف معقولة. وقبل أن أدلف الي ضلع منطق المتمولين في إدارة تلك الأزمة, أو الثقافة الإدارية التي أفشاها السيد ممدوح عباس المتمول المعروف, ربما يلزم هنا الإشارة الي أن الإفراط في استخدام الأدوات القانونية من جانب المستشار مرتضي منصور أفقد القانون صورته المعنوية وسلطته الرمزية, فإذا استغرقتنا عمليات البحث عن ثغرة هنا, أو التفاف هناك, فإننا نعرض القانون نفسه الي أن يبدو كأداة يتم تطويعها لتنفيذ غرض بأكثر منه وسيلة الي إقرار قيم عدالة تمد ظلالها الي كل الأطراف. وفي ذلك السياق, فإن المستشارين القانونيين للمجلس القومي للشباب أوقعوا حسن صقر في مآزق قانونية ما أنزل الله بها من سلطان, وعلي نحو تعامل معه المستشار مرتضي منصور بمهارته الميدانية والعملياتية اذا جاز التعبير ليهندس مجموعة من الهزائم القضائية النكراء لحسن صقر ومجلسه القومي, بحيث كان تكاثر الهزائم سواء( الانتخابية القديمة) أو( القانونية المحدثة) دافعا لأن يوغل حسن صقر في الصراع, ولا يتصرف كمسئول سياسي ينبغي عليه أن يتعامل مع عناصر الواقع أيا كان رفضه لها, وأن يصل الي مواءمات وحلول وسط لا تنفي طرفا, أو تتجاهل طرفا, أو ترفض خطاب ومنطق طرف. ونأتي الي الثقافة الإدارية لممدوح عباس.. إذ اختصر الرجل من خلال متابعاتي لكل ما نشر عنه من تصريحات وأخبار دور رئيس مجلس إدارة مؤسسة رياضية بحجم نادي الزمالك في تمويل نشاطات النادي, وعقد صفقات شراء جهد مدير فني, أو لاعب لفريق كرة القدم. وناهيكم عن أنني أري كثيرا من الزيف في مسألة صفقات اللاعبين المصريين, ولا أري منهم الذي يستحق الملايين المتلتلة التي تدفع فيه, إلا نفرا قليلا جدا, فإنني أعرف أن لرئيس مجلس الإدارة أدوارا أخري غير الفلوس والصرف, فعبود باشا كان يصرف علي النادي الأهلي, وأبورجيلة باشا كان يصرف علي نادي الزمالك, ولكنهما كانا الي جوار الصرف يعرفان أن لتلك المؤسسات دورا عاما, لا بل ودورا سياسيا, أما غشم الاعتماد علي الانفاق المالي فقط فهو يجعل من العملية ما يبدو وكأنه شراء المتمول لناد رياضي واجتماعي ليتحول علي يديه الي منصة تخدم حضور المتمول الشخصي, ولا يخدم النادي كمؤسسة, ودليلي أن كثيرا من صفقات شراء اللاعبين فشلت لأنها لم تقدم الي اللاعب فوق الفلوس مناخا إداريا مطمئنا أو مريحا( أحمد فتحي وأحمد حسن مثالا).. كما أن النادي نفسه احتل المركز الرابع في مسابقة الدوري العام, فيما كان زمان يشغل مكان الوصيف للنادي الأهلي في أسوأ الحالات. الدور العام مهمة تتجاوز منطق الاستقواء( المادي) لعباس, بالضبط كما أنه صيغة لا يحققها الاستقواء( القانوني) لمرتضي, أو الاستقواء( الإداري) لحسن صقر. الدور العام هو أن يشخص الجميع بأبصارهم الي مصالح بلدنا السعيد, وسمعة مؤسساته واستقرارها وتمكينها من أداء دورها المفترض في إنجاز مشروع نهضة كبير يقيل البلد من عثراته. وقبل أن أغادر, ربما أحب هنا أن أشير الي دور شديد السلبية لعبه ارهابيو الصوت والقلم( الضلع الثالث للشوارعيزم) في أزمة نادي الزمالك. إذ تخلي الإعلام والصحافة الرياضيان في حالات كثر عن وعيهم بمسئوليتهم الاجتماعية, وأحيانا بالتزامهم الأكواد الأخلاقية, ولعبوا أدوارا في تأجيج الخلافات داخل نادي الزمالك, أو استفزاز المستشار مرتضي منصور, موظفين جهاز الإعلام الرياضي لخدمة صراعات ومنافسات قليلة القيمة بين النادي الأهلي, ونادي الزمالك, وبما أفضي بساحة كرة القدم في مصر الي تأسيس( حالة احتكار) حقيقية يعمد فيها ناد الي شراء كل لاعبي مصر الواعدين متمتعا بالهدوء والاستقرار, في حين تمزق الخلافات النادي المنافس تحت غطاء حماية من إعلام منحاز, أراد أن تتحقق الغلبة للأهلي ولو بالتآمر علي استقرار الزمالك. لقد جاء الوقت ليقوم عدد من المؤسسات المهنية والنقابية والروابط بإعادة النظر في مسألة التأثير المعيب الذي يتركه الإعلام في مصر علي ساحة الرياضة في البلد. كما جاء الوقت لتقوم جهة ما بالجلوس الي كل أطراف الأزمة الحالية بنادي الزمالك للوصول الي قواسم ومشتركات تسهل الحل. الحل... الذي بالتأكيد ليس أن يدعو المهندس حسن صقر الي اختراع هيكل اسمه( مجلس حكماء) يوكل له إدارة الأزمة فيما يلوذ هو بالفرار من مسئولياته, وهي مسئوليات سياسية بالدرجة الأولي, وعامة بالدرجة الأولي لا ينبغي أن يظهر فيها تأثير للغرض, أو الهوي, أو المزاج, أو الشخصانية, أو الشوارعية!! عن صحيفة الاهرام المصرية 5/8/2008