صفحة جديدة د.هاني شادي انتهت القمة الحادية والعشرون بين روسيا والاتحاد الأوروبي في مدينة خانتي مانسيسك الروسية بغرب سيبيريا بإطلاق المفاوضات حول إعداد اتفاقية جديدة للشراكة والتعاون بين البلدين بدلا من الاتفاقية التي انتهى العمل بها في نهاية العام الماضي. فعلى مدى يومين ( 26 و27 يونيو الجاري ) حاول قادة الاتحاد الأوروبي جس نبض ديميتري ميدفيديف الذي شارك في القمة للمرة الأولى كرئيس لروسيا. الأوروبيون حاولوا استكشاف ميدفيديف ومدى قدرته على التخلص من نهج الرئيس السابق فلاديمير بوتين الذي تسبب حسب الأوروبيين في توتير العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي خلال الأعوام الأخيرة. وتأكد الأوروبيون من أن ميدفيديف يختلف عن بوتين في إدارة العلاقة معهم من حيث الهدوء وعدم إطلاق تصريحات نارية كالتي اعتاد إطلاقها الرئيس السابق. فالرئيس الروسي الجديد أكد استعداده للتعاون البناء مع الاتحاد الأوروبي ، وأعلن انتهاء " اللحظات غير السارة " في العلاقة بين الطرفين. كما شدد قادة الاتحاد الأوروبي على نفس الاستعداد ، مشيرين إلى الأمل الذي يتجسد في التزام ميدفيديف بالحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان. واعتبر الطرفان أن هذا الاستعداد بمثابة صفحة جديدة بينهما تلاشت فيها اعتراضات بولندا وليتوانيا على بدء المباحثات بشأن الاتفاقية الجديدة. فمن المعروف أن الأولى استخدمت الفيتو لعرقلة هذه المفاوضات بسبب أزمة اللحوم بينها وبين موسكو ، أما الثانية فاعترضت على المفاوضات مع روسيا لوقفها إمدادات النفط إليها. ولكن هذه الصفحة الجديدة ليست جديدة تماما ، فالرئيس الروسي الجديد أعلن أيضا أمام قادة الاتحاد الأوروبي أن الاتفاق على بدء المفاوضات بشأن الاتفاقية الجديدة لا يعني حل كافة المشكلات العالقة بينهما. وانتقد ميدفيديف أوروبا على نشر الدرع الصاروخية الأميركية ، مؤكدا على أن الأمن في أوروبا هو من اختصاص الأوروبيين أنفسهم. علاوة على ذلك كرر ميدفيديف رفض روسيا لنشر الدرع في أوروبا ، معتبرا أن هذه الخطة الأميركية ضارة بالأمن الأوروبي والعالمي . ودعا إلى عقد قمة أوروبية تشارك فيها جميع دول القارة لبحث إمكانية إعداد اتفاقية شاملة للأمن فيها. وهو ما مر مرور الكرام بالنسبة لقادة الاتحاد الأوروبي أثناء المؤتمر الصحفي الذي ُعقد في ختام القمة. ولم يكتف ميدفيديف بذلك بل انتقد الناتو ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي ، معتبرا إياهما غير قادرين على ضمان الأمن في القارة. هذه الانتقادات وإن جاءت بصيغ لينة وغير حادة ، ذكرت الأوروبيين بموقف الرئيس السابق ، رئيس الوزراء حاليا فلاديمير بوتين. ولكن الأمر لا يقتصر على تكرار المواقف ، فالأمر يتخطى التكرار ليصل إلى حد الخطوط الحمراء التي لا يمكن أن يتجاهلها أي رئيس جديد يأتي بعد بوتين. فميدفيديف يعبر عن المصالح القومية لروسيا في مرحلة جديدة حلت بعد مرحلة بوتين التي استعادت فيها روسيا جزءا كبيرا من قوتها وعافيتها اقتصاديا وعسكريا وسياسيا. ويبدو أن الغرب لا يدرك هذه الحقيقة حتى اللحظة ، أو يدركها ولكنه يتجاهلها. وربما سيكون هذا أحد أسباب التوتر بين الطرفين في المستقبل أيضا. أما المفاوضات بشأن الاتفاقية الجديدة للشراكة والتعاون بين روسيا والاتحاد الأوروبي والتي ستبدأ جولتها الأولى في بروكسل في الرابع من الشهر القادم ، فيتوقع المراقبون أنها ستكون صعبة ومعقدة وستستغرق مدة لا تقل عن عام. فالأمر هنا يحتاج إلى تصديق جميع دول الاتحاد على الاتفاقية الجديدة. كما أن ميدفيديف رسم أثناء لقائه بقادة الاتحاد الأوروبي الملامح العامة للاتفاقية. فحسب قوله ينبغي أن تقوم الاتفاقية الجديدة على مبدأ احترام مصالح الطرفين. وهذا تحديدا ما تجاهله الاتحاد الأوروبي خلال الأعوام الماضية. ومع ذلك يرى مراقبون آخرون أن المصالح الاقتصادية الكبيرة بين الطرفين ولا سيما في مجال الطاقة يمكن أن تقرب بينهما وتخفف من حدة الخلافات الأمنية والسياسية. عن صحيفة الوطن العمانية 29/6/2008