التيار التوافقي جورج علم يكون الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الثاني بعد أمير دولة قطر حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الذي يزور لبنان مهنئاً باتفاق الدوحة الذي أسهم في انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، ووضع الأزمة اللبنانية علي طريق الحل. تأتي الزيارة غنيّة برمزيتها وبتنوع الوفد المرافق الذي يمثل كل فرنسا بأطيافها السياسية وفعالياتها، وتتدرج من منطلقات أربعة: أولاً، انها تتم نتيجة تنسيق عميق بدأ بين القيادتين القطرية والفرنسية منذ تشكيل اللجنة الوزارية العربية، مروراً بالحوار الوطني اللبناني، وصولاً الي اتفاق الدوحة، وضرورة التعاون لوضعه موضع التنفيذ. كما جاءت هذه الزيارة لتؤكد علي تفاهمات عميقة مشتركة، تقضي بمنع العرقنة في لبنان، وبالمساعدة علي إعادة ترتيب وضعه الداخلي من خلال التطبيق الدقيق والشفاف لاتفاق الدوحة بحذافيره، وإعادة تفعيل اتفاق الطائف كي يحافظ لبنان علي خصوصياته بمنأي عن مشاريع التفتيت والتقسيم والشرذمة. ثانيا: تأتي الزيارة بعد الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس ساركوزي مع الرئيس السوري بشار الأسد ليدشن بذلك عهداً جديداً من الانفتاح والتعاون، علي الرغم من الانتقاد الشديد الذي جوبه به من قبل الإدارة الأمريكية الماضية قدما في سياسة العزل وفرض العقوبات علي كل من دمشق وطهران. ولم توقر بعض وسائل الإعلام الفرنسية الرئيس واصفة الاتصال بالخطوة المتسرعة قبل أن يعطي الرئيس السوري الدليل القاطع علي تعاونه من خلال تسهيل عملية تشكيل حكومة الوحدة الوطنية وفقاً لما جاء في اتفاق الدوحة. ثالثاً: ان الزيارة لم تتعمد الاستفزاز أو إثارة الحساسيات، بل جاءت بعد مشاورات مكثفة شملت الولاياتالمتحدة علي خلفية العمل الفرنسي الدؤوب لإخراج السوري من الحضن الإيراني، وإسرائيل التي لا تستطيع ان تكابر وهي التي تخوض علناً مفاوضات سلام مع سوريا بواسطة العرّاب التركي. كما شملت مصر والمملكة العربية السعودية ومعظم دول مجلس التعاون الخليجي حيث لفرنسا مصالح حيوية مع كل منها. رابعاً: أن الزيارة تأتي في الوقت الأمريكي الضائع حيث الولاياتالمتحدة عند حدود الانتخابات الرئاسية، وحيث الإدارة الحالية تمر في مرحلة انعدام الوزن، وتستعد لمغادرة مراكز القرار توطئة للإدارة الجديدة التي ستتولي سلطات القرار اعتباراً من نهاية نوفمبر المقبل، وهذا ما دفع بساركوزي ان يستغل الظرف ويجري جولة أفق واسعة مع قادة دول الاتحاد الأوروبي كي يسمع القادة اللبنانيين صوت أوروبا الموحدة إنه الوقت المؤاتي أمامكم للارتقاء بلبنان من الفتنة المذهبية والطائفية الي الهدوء والاستقرار من خلال العمل علي إعادة تكوين السلطة القوية من خلال التفاهم علي تنفيذ اتفاق الدوحة بحذافيره، والانتقال منه الي اتفاق الطائف لإعادة تفعيله والعمل بوحيه . أن يبقي لبنان وطن الرسالة والتعايش، أو أن يسقط ويضمحل، فإن الخيار القطري - الفرنسي هو خيار الضمير والقيم والحق والعدالة إذ من غير المسموح الخضوع الي ثقافة الموت والتخلي عن ثقافة الحياة، ومن غير الجائز السماح بتسويق النموذج العراقي وتطبيقه علي دولة عربية غنية بتركيبتها الانسانية كلبنان التعددي، ومن هنا كان التفاهم علي خيار المرشح التوافقي لانتخابه رئيساً للجمهورية كي يتمكن من إعادة تفعيل آلية الحوار وإطلاقه لمعالجة مشاكل اللبنانيين وقضاياهم المعقدة عن طريق التفاهم والتوافق. لقد انتخب اتفاق الدوحة العماد سليمان رئيساً توافقياً بغالبية 118 صوتاً من أعضاء مجلس النواب، ويبقي السؤال أين التيار التوافقي الذي يعوّل عليه هذا الرئيس في ظل حزب مدرب مسلح ملتزم قوي الحضور والدور والقرار هو حزب الله من جهة، وفي ظل غابة من السلاح والمسلحين والميليشيات التي تنتمي الي غالبية الأحزاب والتنظيمات اللبنانية من جهة أخري، من دون ان ننسي السلاح الفلسطيني المدرب والمجرب داخل المخيمات وخارجها؟ من المسلم به ان يكون الجيش اللبناني هو الحزب الطبيعي لهذا الرئيس، كونه أمضي زهرة شبابه في صفوفه، ومده برصيد كبير من المعنويات والتجارب، والخبرة في القيادة وبالتالي لم تتوافر للرئيس القاعدة السياسية بمفهومها التقليدي، وإن توافرت له القاعدة الشعبية الواسعة بعد معارك نهر البارد حيث برز التصاق قوي بين أفراد الجيش والقاعدة الشعبية الأكثر حاجة الي معين ومنقذ في آن. وخرج الجيش من البارد منتصراً، ولكنه منهكاً مدرجاً بدماء ذكية، وبتضحيات جسام تكبدها، وبدلاً من ان يلقي الالتفاف المبلسم عند غالبية اللبنانيين، لاقته الطبقة السياسية بخلافاتها وكيدياتها وخطابها التخويني وميليشياتها المسلحة المتواجهة، فما كان منه إلا أن دخل علي الخط بإمكاناته المتواضعة ليدافع عن السلم الأهلي وينقذه من براثن المؤامرة الكبيرة التي يتعرّض لها لبنان وعن طريق بنيه؟!. وما يمكن استنتاجه أن هذا الجيش الذي يلعب الدور التوافقي بين الأطراف المتصارعة لا يمكنه أن يشكل التيار التوافقي الذي يحتاجه الرئيس، بل القاعدة النيابية المنبثقة من قاعدة شعبية واسعة يمكن ان تعبر عن خياراتها في صندوق الاقتراع، والي ذلك الحين لا بد من يحمي الجيش ووحدته من المؤامرات التي تحيكها جهات خارجية لإذكاء نار الفتنة، التي إذا امتدت وتوسعت لا سمح الله ذهب الجيش هشيمها، كما لا بد ان ينصرف الرئيس التوافقي الي إشعار المواطن بأنه ضرورة وطنية ملحة عن طريق القرارات الحكيمة العادلة التي يتخذها ليدحض بذلك الاعتقاد السابق الراسخ في أذهان الناس من أن قافلة البلاد تمضي برئيس أو بدونه؟!. عن صحيفة الراية القطرية 11/6/2008