سوريّة إذا سالمت حازم صاغيّة مرّةً قيل إن لا حرب من دون مصر ولا سلم من دون سوريّة. والعبارة الدقيقة تلك تستجرّ ملاحظة أدقّ حول الفارق بين من يمنع الحرب ومن يمنع السلام. فمانعة الحرب، مصر، بلد طبيعيّ مكتمل، ولأنّها كذلك لجأت الى تعطيل قدرتها على شنّ الحروب، وهي القدرة الشارطة لاندلاعها. لهذا، وعلى رغم برودة السلام الذي نشأ بنتيجة كامب ديفيد، والتآكل المتعاظم في قاعدة السلطة وسياساتها، تحوّل السلام المصريّ - الإسرائيليّ جزءاً من واقع ضمنيّ يتهجّم عليه كثيرون ولا يمسّه أحد بسوء. أما مانعة السلام، سورية، فارتبط دائماً نقص طبيعيّتها، أي نقص كونها دولة - أمّة ناجزة ومستقرّة بصفتها هذه، بمدى نشاطها في منع السلام. لهذا كان أشدّ أنظمتها راديكاليّة، أي ذاك الذي حكم دمشق خلال 1966 - 1970، أقلّها تدبيراً لشؤون البلد وأكثرها ضجيجاً في خصوص «حرب الشعب الطويلة الأمد» مع إسرائيل. لكنّه أيضاً كان النظام الذي اصطدم، دفعة واحدة، بلبنان (23 نيسان/ ابريل 1969) وبالأردن (حرب 1970) وبمنظّمة التحرير الفلسطينيّة (تأسيس «الصاعقة» واعتقال بعض قادة المنظمة...). يومها توقّف صحافيّ لبنانيّ أمام حقيقة أن سوريّة الراديكاليّة جدّاً لا بدّ أن تكون مريضة جدّاً، ودليله كان أن ثلاثة أطبّاء يتولّون رئاستي جمهوريّتها وحكومتها ووزارة خارجيّتها. والحال ان خروج سوريّة من المرض الى الصحّة يبدأ بانتقالها الى تفعيل قدرتها على صنع السلام بدل منعه عبر بثّ الفوضى الشاملة في أوصال المشرق. وهذا تحدٍّ جانبَه الرئيس الراحل حافظ الأسد غير مرّة، لا سيّما مع العمليّة التي انطلقت إثر مدريد في 1991 ثم مع كلينتون في 2000. ذاك ان مؤسّس سوريّة البعثيّة كان يُجفله الانتقال من بلد استثنائيّ الى بلد طبيعيّ، هو الذي عرف كم ان الطبيعيّة مهمّة صعبة في التاريخ السوريّ الحديث. فمنذ 1949، أي بعد ثلاث سنوات فحسب على الاستقلال، بدأت الانقلابات العسكريّة وكلّ منها يرفض أقلّ من «تحرير فلسطين». وفي 1958، وهرباً من الطبيعيّة، أفنت سوريّة نفسها في جسد «وحدويّ» مصريّ، ومنذ 1970 تؤجّل المسألة الى قيام الساعة. ولقائل أن يقول اليوم إن السلام قد يفعل بسوريّة ما فعلته الديموقراطيّة بالعراق، ليس لعطل في الديموقراطيّة بل لعطل في العراق. لكن المغامرة، إذا ما كانت جديّة، والله أعلم، استحقّت أن تُخاض واستحقّت أن تُدعم. ذاك ان الاستثناء أفضى بسوريّة وبجوارها المشرقيّ الى العبث المطلق المشوب بالفوضى الشاملة. ولربما جاز للمغامرة تلك، اذا ما كانت جديّة، والله أعلم، أن تدمج مهمّة السلام بمهمّة إعادة تأسيس الوطن والوطنيّة السوريّين. فقد آن للمشرقيّين الهائمين على وجوههم كمثل غجر سياسيّين أن يعيشوا في بيوت نهائيّة الحدود والجدران، وان يقلعوا عن استخدام «الصراع مع اسرائيل» ذريعةً لعدم ترتيب غرف البيت. وسوريّة التي أسّست هذا «النهج»، وكان البعث أكبر إسهاماتها فيه، آن لها أن تنقضه وتنافيه خدمةً لها ولغيرها بمن فيهم الفلسطينيّون الباحثون عن بيت لهم وجدران. عن صحيفة الحياة 29/4/2008