أحمدي نجاد في بغداد.. أسئلة الزيارة التاريخية ودلالاتها أبو يزن زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد للعراق ، تاريخية بكل ما للكلمة من معنى ، وهي إذ تحفل بالكثير من الدلالات ، إلا أنها في الوقت ذاته تثير الكثير من الأسئلة والتساؤلات. من دلالات الزيارة التي لا تخطئها العين المجردة ، أنها تعبر عن المكانة المتزايدة والنفوذ المتعاظم لإيران كقوة إقليمية صاعدة ، يتخطى وزنها حدود جغرافيتها إلى الإقليم برمته ، لا لأن الزيارة هي الأولى من نوعها للجار اللدود ، بل لأنها تأتي كتتويج لتحول العراق من سد في وجه أطماع إيران وتطلعاتها "شرقا" إلى جسر لهذه التطلعات والأطماع والأدوار ، وانتقاله - أي العراق - من "معادل موضوعي" للقوة الإيرانية إقليميا ، إلى ساحة من ساحات اختبار هذه القوة وأداة لممارسة نفوذها وانتشارها ، وكل ذلك بفضل القوة الأمريكية الغاشمة ومبدأ بوش (Bush Doctrine) في السياسة الخارجية. أحمدي نجاد في بغداد بعد أن غابت عنها ، ولما يقرب من العقدين من الزمان ، وبالأخص منذ احتلال العراق وسقوط بغداد ، جميع القيادات والزعامات العربية ، حتى أن الوزراء والسفراء العرب ، ما عادوا يكلفون أنفسهم عناء "المجازفة" بزيارة العراق أو الإقامة فيه ، ومع ذلك لا يكف هؤلاء من التحذير من مخاطر التوسع الإيراني وعواقب سقوط العراق في قبضة النفوذ "الفارسي الشيعي" ؟. لكن الزيارة مع ذلك تثير عددا من الأسئلة والتساؤلات ، منها على سبيل المثال لا الحصر: كيف يمكن للخصم الأبرز لواشنطن أن يأتي زائرا إلى العراق في الوقت الذي تحظى فيه الولاياتالمتحدة بالكلمة الفصل واليد العليا في عملية اتخاذ القرار وصنع السياسة في بلاد الرافدين؟،... هل يمكن لهذه الزيارة أن تكون خطوة في مواجهة الولاياتالمتحدة وتحدي نفوذها أم خطوة في سياق التفاهم معها وبضوء أخضر منها ؟،...هل الزيارة تندرج في سياق الصراع على العراق أو في سياق السعي لاقتسام النفوذ فيه ؟. ثم ماذا يعني أن تتزامن الزيارة مع قيام إسرائيل بش حرب إبادة ضد حماس وقطاع غزة ، وبضوء أخضر أمريكي ، ومع قيام الأسطول الأمريكي بأكبر عملية عرض عضلات قبالة السواحل السورية وعلى مقربة من مقرات حزب الله في لبنان... هل تبحث واشنطن عن التهدئة مع إيران في العراق في الوقت الذي تقرع فيه طبول الحرب مع حلفائها في المشرق العربي..هل سلمت واشنطنلإيران بالعراق ساحة لنفوذها ، أو على الأقل قبلت بدور إيراني في العراق ، مقابل تخلي طهران عن دورها المؤثر على مقربة من إسرائيل وحدود الصراع العربي الإسرائيلي؟ في المقابل ، هل تقبل إيران بهذه القسمة ، هل تنسحب إيران فجأة من ساحات نفوذها أم أنها تواصل لعبتها المزدوجة مع الولاياتالمتحدة: تسايرها وتتساوق معها في بعض الملفات ، وتحاربها بكل ما أوتيت من قوة على ساحات أخرى ، وربما حتى آخر لبناني وفلسطيني وسوري إن اقتضى الأمر ؟، قد تكون هذه الأسئلة والتساؤلات متطيّرة وتذهب بعيدا في تحميل الأمور أكثر مما تحتمل ، لكن المؤكد أن زيارة نجاد للعراق لا تقرأ فقط في سياق العلاقات الثنائية الإيرانية العراقية ، بل في سياق الصراع الأمريكي - الإيراني ، أللهم إلا إذا أخذنا على محمل الجد أن الاحتلال الأمريكي للعراق قد انتهى ، وأن هذا البلد يتمتع فعلا بحريته واستقلاله وسيادته وأنه أصبح يحكم نفسه بنفسه. لإيران مع العراق ، العديد من المصالح والملفات العالقة ، والأرجح أن نجاد يحملها معه في جعبته ، من ترسيم الحدود إلى التجارة والتبادل الاقتصادي ، مرورا بالإرهاب والروابط الثقافية والروحية والدينية والمذهبية ، على أن هذه الملفات جميعها ، تتضاءل على أهميتها ، أمام الملف الأهم والمتصل بالعلاقات الأمريكية - الإيرانية التي يعد العراق واحدا من أهم عقدها وأكثرها حساسية بعد البرنامج النووي الإيراني ، فهل سيكتفي الضيف الإيراني ببحث ما هو ثنائي مع قادة العراق ، أم أن محادثاته في المنطقة الخضراء تحت سمع وبصر وربما - تسجيل - القوات الأمريكية ، ستكون بمثابة حوار أمريكي - إيراني بالوساطة؟ إيران شنت حربا بالواسطة (War by Proxy) على الولاياتالمتحدة ، من العراق وعلى أرضه وبأبنائه ، فهل جاء الوقت الذي ستنخرط فيه بمفاوضات بالواسطة (Negotiations by Proxy) معها ، من العراق وعلى أرضه ومن خلال قياداته؟. عن صحيفة الدستور الاردنية 3/3/2008