الإدارة الأميركية والمعضلة العراقية الإيرانية د. معصومة المبارك من المعلوم أن الملف العراقي يمثل قضية أساسية في السياسة الخارجية الأميركية، ومحور اهتمام القائمين عليها.فالنجاح في اخراج العراق من دوامة العنف إلى الاستقرار يعني اجتياز الولاياتالمتحدة معضلة رئيسية في قائمة المعاضل التي تواجه السياسه الخارجية الأميركية، أولا: لأن الوضع في العراق اصبح يمثل اختبارا للقدرة على الحسم في منطقة غاية في الأهمية الاستراتيجية وحجر زاوية في سياسات الأمن القومي الأميركي منذ الحرب العالمية الثانية. ثانيا: أن الوضع في العراق يمثل تحديا لقدرة القوة الأعظم في ترسيخ نظام دولي أحادي القطبية قادر على حسم الصراع لصالحه دون المساس بهيبة ومكانة القوة الأعظم في التسيد على ميزان القوة الدولي. ثالثا: أن حجم الانفاق اليومي على الوجود الأميركي في العراق من الخزينة الأميركية وعلى مدى أكثر من خمس سنوات هو انفاق باهظ مؤثر في تضخيم العجز خاصة في ظروف أزمة اقتصادية تعصف بالاقتصاد الأميركي والعالمي ناهيك عن الخسائر البشرية الفادحة بين قتيل وجريح ومعاق من أفراد الجيش الأميركي وكلها تمثل خسائر جسيمة أقدمت عليها الإدارة الأميركية الحالية سعيا وراء أرباح منها: نجاح سياسة التبشير بنموذج حكم ديمقراطي تعول عليه الولاياتالمتحدة ليصبح نموذجا يحتذى به في المنطقة وقابلا للتصدير لبقية دول الشرق الأوسط وفقا لسياسة «دمقرطة الشرق الأوسط» التي روجت ومازالت تروج لها الإدارة الأميركية بالرغم من العيوب والاخفاقات التي تواجه التطبيق في العراق المنقسم على نفسه والمنغمس في موجات العنف والعنف المضاد. كما أن عراقا مستقرا وآمنا هو ضمان لجني أرباح مجزية للشركات الأميركية التي استبشرت خيرا وفيرا وفرصا استثمارية في القطاعات المختلفة وفي مقدمتها القطاع النفطي. لما سبق فإن الإدارة الأميركية حريصة، خاصة وهي تستعد للمغادرة مع نهاية فترتها، حريصة على أن تعطي صورة ايجابية متفائلة عن العراق، ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس موكل اليها القيام بهذه المهمة الصعبة بحكم منصبها وخبرتها في مجلس الأمن القومي، ففي حديث لها ل BBC العربية بخصوص الوضع في العراق قالت «إن العراق صار صديقاً عربياً جيداً للولايات المتحدة» والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل تملك الحكومة العراقية الا أن تكون كذلك خاصة وأن القوات الأميركية مازالت على الأراضي وبكثافة وانتشار واسع للعنف، ان حكومة العراق الممزق داخليا ليس لها خيار آخر سوى أن تتمسك بعلاقة قوية مع الولاياتالمتحدة فالصراعات الداخلية على أشدها والتفجيرات تحصد يوميا عشرات الأبرياء وكأي حكومة فإنها تتشبث بخيوط البقاء والاستمرار وأقوى هذه الخيوط هو الوجود الأميركي والعلاقة المتينة مع الولاياتالمتحدة. فالدكتورة رايس تدرك أنه لو كان هناك عراق مستقر وآمن لما كانت للحكومة العراقية هذه الحاجة الماسة للاستقواء بالآخر. وما قضية الاتفاقية الأمنية والضغوط الأميركية الممارسة لتمريرها واقتراب نهاية تكليف الأممالمتحده لقوات التحالف - بالرغم من التهديدات الداخلية من القوى العراقية المعارضة - الا صورة من صور طبيعة العلاقة الضاغطة وغير المتوازنة بين العراق والولاياتالمتحدة وصراع المصالح على العراق وداخله. أما على صعيد العلاقات العربية - العراقية نعم ان سقوط النظام الصدامي في العراق قد أحيا الأمل بعراق قادر على أن يتعايش مع جيرانه من الدول العربية وغير العربية وقد تم استقبال البعثات الدبلوماسية العراقية ولكن تضعضع الأمن الداخلي واستهداف المبعوثين الدبلوماسيين لدى العراق جعل كثيرا من الدول العربية وغير العربية تتأنى وتراجع قراراتها في ارسال مبعوثيها وحتى تلك التي قررت ومنها الكويت ا ن المخاوف مازالت قائمة من انتكاسات أمنية تصيب مبعوثيها بمقتل خاصة مع التهديدات المستمرة من أطراف الصراع بنيتها استهداف البعثات الدبلوماسية ورجال الاعمال العرب وغير العرب. بمعنى ان استقرار الوضع في العراق أمل أعرض من رغبة أميركية أو نتيجة لجهد إدارة الرئيس جورج بوش فعراق آمن مستقر هو أمل كل المهتمين بالعراق من جيرانه وغير جيرانه ولكن الأهم أن يكون الأمن والاستقرار هو أمل وبرنامج عمل للعراقيين كل العراقيين وهذا للأسف لم يتحقق حتى الآن ويحتاج إلى وفاق وطني وردم الفجوة بين القوى والتيارات العراقية حتى ينعم العراق بالامن وينعم بعلاقات ايجابية متوازنة مع جيرانه وغير جيرانه من القوى الكبرى وغيرها وفي مقدمتها الولاياتالمتحدة الأميركية. ولا يخفى على وزيرة الخارجية الأميركية الصلة الوثيقة بين الملف العراقي والملف الايراني لاختلاط الأوراق بين الملفين لذا فعندما نتطرق لمعالجة الملف الايراني لا يمكن اغفال هذه الصلة والتأثير المتبادل ولكن نهمس في أذن رايس بأننا شعوب هذه المنطقة قد سئمنا التهديد والوعيد وسئمنا أشباح الحروب وهي تخيم على سمائنا وعلى مقدراتنا ومستقبلنا. وقد قلت ذلك شخصياً للرئيس الأميركي جورج بوش وبحضور الدكتورة رايس خلال زيارته للكويت العام الماضي. نعم نحن نتطلع إلى حلول سلمية للقضايا المتعلقة بمنطقة الخليج وفي مقدمتها الملف الايراني ونتطلع إلى دور أميركي فاعل بهذا الاتجاه لأن المعاناة ولعقود طويلة من الحروب قد أهدرت الكثير والكثير من مقدرات المنطقة وأرهقت شعوبها وخيمت على مستقبل الأجيال فيها. نأمل من الإدارة الأميركية الحالية ضبط النفس للفترة القصيرة المتبقية من عمرها وللإدارة القادمة بأن تضع أولوية الحلول السلمية محل التهديد والوعيد وأن تباشر ببناء علاقات قائمة على مبادئ القانون الدولي.ونحن في الكويت لا يمكن أن ننسى الدور الايجابي الذي لعبته الولاياتالمتحدة الأميركية في الاصرار على تطبيق مبادئ القانون الدولي واستعادة حرية وسيادة الكويت.. ما نتطلع اليه في هذه المرحلة هو استقرار منطقة الخليج وابعاد شبح الحروب عنها والدور الاميركي بلاشك كبير ومحوري في هذا الشأن. عن صحيفة الوطن القطرية 2/11/2008