العراق ولبنان وفلسطين بين خيارات الوحدة أوالفرقة نصوح المجالي ليست وحدها حرية العراق وسيادته على المحك، بل وحدة شعبه وارضه ايضاً، ورغم الخطر الذي تمثله نوايا الاحتلال تجاه العراق والمنطقة، الا ان الحقيقة المرة تشير بأنه اذا اختار العراقيون الفرقة التي تقسم شعبهم وتقسم وطنهم الى دويلات ضعيفة فسيجدوا من يعينهم ويتعجلهم على ذلك، وأول من سيساندهم في الفرقة والتقسيم قوى الاحتلال واعوانه. وفي هذا الخيار سيخسرون بلدهم وتاريخهم وانفسهم، وسيصبحون اقل شأناً في ظل المقاييس واذا اختار العراقيون ان يصونوا وحدة بلدهم ووحدة شعبهم وكيانهم، ومكانتهم في امتهم، فسيفرضون حتماً ارادتهم واحترامهم على جميع القوى التي تتدخل في شؤونهم اليوم، أي ان مستقبلهم يبنى في النهاية على خياراتهم، فاذا انتصروا لطوائفهم دون وطنهم، فاقرأ السلام على العراق، واذا انتصروا لوطنيتهم ووحدتهم، ففي ذلك انقاذ لأنفسهم وانقاذ لحصيد العراق. ذلك هو قدر الشعوب اما ان تنهار تحت ضغط الازمات، او ان تختار، مركب وحدة المصير الذي ينجي جميع الاطراف المتنازعة، بدون استثناء. لن يربح أي طرف، او أي طيف سياسي، او أي طائفة بالاستقواء السياسي، او الاستعلاء الطائفي وما يفعله الشيعة في العراق اليوم اسوأ مما كانوا يشتكون منه في عهود سابقة، وما اختلف هو مركز التسلط في الحكم وادواته. لقد ابتدع العالم الحلول الديمقراطية للموائمة بين الاغلبية وبين الاقليات، وللموائمة بين المصالح المتضاربة في صيغة توافقية، تراعي مصالح جميع الاطياف مهما كانت حجومها، ولاعطاء الشرعية لمعارضة الاغلبية، ونقد قراراتها والاعتراض عليها والحد من غلوائها في اطار ديمقراطي ودستور يحفظ حقوق الجميع بدون استثناء، والعراق نفسه تجربة برلمانية ودستورية سابقة بدأت بداية ناجحة في العهد الفيصلي، ووفقت بين جميع مكونات العراق، دون ان تجور او تعزل احدا او تتعصب ضد احد، فتعصب الطوائف والعقائد عبر التاريخ تحول الى حروب اديان، واخطر ما يمكن ان تدخل اليه المنطقة هو احياء حرب الطوائف وحروب الاديان، وللاسف هذا هو المسار الذي تتجه اليه المنطقة بدفع من قوى خفية، تصب النار على الزيت، ومن قوى تلهث وراء مصالحها، دون ان تدرك حجم الخطر في محاولات الغاء الاخرين وانكار ادوارهم. ما يجري في لبنان، هو ايضاً توتير مقصود لاحياء الصراعات بين الطوائف، واحياء لمعنى الصراعات الدينية، واذا استمر الامر بهذه الوتيرة فسيدمر اللحمة الوطنية، ومعاني الوطن والشعب الواحد في لبنان تماماً كما يحدث في العراق، عندها سيسعى كل طرف لأخذ حصته من الوطن، ليقيم فيها كياناً هزيلاً مقابل الغاء الوطن الواحد، هل هذه خيارات العرب في القرن الواحد والعشرين، ان يكونوا محافظات مستقلة بعد ان كانوا أوطاناً مجزئة عن الأمة مستقلة تتطلع الى ما يوحد الأمة وخياراتها. هل خيار العرب، التجزئة باستمرار لما هو ادنى، من امة واحدة كانت الحلم جزئت اولاً الى كيانات وطنية، تعاملنا معها على انها الواقع ثم الى محافظات واقاليم منفصلة وكأنها خيار المستقبل، وكما يكون خيار الناس في بلادنا، يولى عليهم، فإن اختاروا خيار تقسيم الاوطان الى ادنى مكوناتها فسيجدوا من يراهن عليهم ويدفعهم للفرقة وتشطير اوطانهم، ومن يختار النجاة وصوت الاوطان فعليه ان يضحي ليفرض احترام العالم لارادته وخياره. اول الاولويات في بلادنا العربية، حفظ الاوطان ووحدة الارض والشعوب، يلي ذلك اقامة نظام سياسي يجمع الناس ولا يفرقهم ولا يميز بينهم في مناخ من الأمان وحرية التعبير عن آمالهم ومصالحهم المتباينة، ثم وضع قاعدة لبناء الوطن كل الوطن على اسس متوازنة ليعم خيره على الجميع وتصان فيه حقوق المواطنين بالقانون العادل الذي يحترم معنى المواطنة وانسانيتها وحقوقها. بلادنا العربية ومثلها بلاد اخرى في العالم الثالث، تشهد صراعات داخلية طال امدها، نتيجة اختلال هذه الأسس او غيابها بسبب نوازع التسلط، او التعصب او الاستقواء بقوى اجنبية، وجدت في اضطراب اوضاعنا السياسية والاجتماعية فرصة لفرض ارادتها وتسلطها على مجتمعاتنا ودولنا من الخارج. ففرقتنا هي حصان طروادة الذي يتسلل منه الطامعون، والمحتلون المعادون لامتنا وشعوبنا. عن صحيفة الرأي الاردنية 28/10/2007